إميلي واكس/ مراسلة "واشنطن بوست" في الصومال كارين دييانج/ محررة الشؤون الخارجية في الصحيفة إميلي واكس/ مراسلة "واشنطن بوست" في الصومال كارين دييانج/ محررة الشؤون الخارجية في الصحيفة

الولايات المتحدة تتدخل في الصومال مجددا

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على انسحاب القوات الأميركية من الصومال في أعقاب تدخل عسكري وصف بالكارثي، يوجه بعض مسؤولي الحكومة الصومالية الانتقالية، فضلاً عن متابعين أمريكيين لسياسة الولايات المتحدة في أفريقيا تهماً للحكومة الأميركية بالعودة مرة أخرى إلى البلد عبر تقديم دعم سري لأمراء الحرب العلمانيين الذين يخوضون معارك شرسة ضد الجماعات الإسلامية للسيطرة على العاصمة مقديشو.

وتأتي هذه المعارك في إطار الصدامات التي جرت الأسبوع الماضي وكانت الأعنف من نوعها التي شهدتها العاصمة منذ نهاية التدخل العسكري الأميركي في 1994، حيث أوقعت 150 قتيلاً والمئات من الجرحى. وقد حمل قادة الحكومة الانتقالية الصومالية مسؤولية اندلاع الصدامات للمساعدة الأميركية التي تخص بها الميلشيات المسلحة ما يؤدي إلى تغذية العنف ويحول دون استتباب الأمن والاستقرار في الصومال.

ومن جهتهم أحجم المسؤولون الأميركيون عن التعليق بصفة رسمية على موضوع دعم الولايات المتحدة لأمراء الحرب الصوماليين الذين يقدمون أنفسهم كتحالف يسعى إلى محاربة الإرهاب في محاولة منهم للحصول على التمويل الأميركي.

ففي حديث له أمام الصحفيين أعلن" شين ماكورماك" المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قائلا "تفضل الولايات المتحدة التعامل مع أشخاص مسؤولين من أجل مكافحة الإرهاب، وخاصة أن الإرهاب يشكل انشغالاً حقيقياً بالنسبة لنا. فنحن لا نريد رؤية تجذر الإرهاب في القرن الإفريقي، ولا نريد تكون ملاذ جديد للعناصر الإرهابية في الصومال، وما يهمنا بالدرجة الأولى هو أن نخرج البلاد من مأزقها الحالي كي تنتصر على الإرهاب". (..) وبالنسبة للولايات المتحدة، يتمتع الصومال بأهمية استراتيجية، بسبب موقعه الاستراتيجي في القرن الإفريقي الذي لا يبعد كثيراً عن اليمن، علاوة على كونه بوابة الشرق الأوسط إلى القارة السمراء.

إلى ذلك لا يتوفر الصومال سوى على حكومة انتقالية تدير الأمور من الخارج وتحديداً في دولة كينيا المجاورة، أو من مدينة "بايدوا" الجنوبية. ويخضع الصومال الذي يرزح حالياً تحت فوضى عارمة لحكم أمراء الحرب المتنافسين على السلطة، ما جعل من العاصمة مكاناً غير آمن حتى لزيارة رئيس الحكومة بالوكالة. ولم يخفِ قادة الحكومة الصومالية انزعاجهم من مساعدة الولايات المتحدة للمليشيات المسلحة معتبرين التعاون الأميركي معها أمراً خطيراً ويفتقد إلى بعد النظر. (..) ويؤكد المسؤولون الصوماليون أن العديد من أمراء الحرب يملكون أجنداتهم الخاصة، وأن بعضهم قاتل ضد الأميركيين في 1993 خلال حرب الشوارع الشرسة التي انتهت بإسقاط مروحيتين أميركيتين وخلفت 18 قتيلاً أميركياً في مواجهات عنيفة.

عبد الرحيم ديناري، المتحدث باسم الحكومة الصومالية أبلغ الصحفيين أنه لا يوجد أدنى شك في "قيام الولايات المتحدة بتمويل أمراء الحرب خلال المعارك الأخيرة التي دارت رحاها في مقديشو" مستطرداً "إن مثل هذا التعاون لا يسهم سوى في إدامة الحرب الأهلية". ورغم تصريحات أعضاء الحكومة الصومالية واتهامهم للولايات المتحدة بدعمها للميلشيات المسلحة رفض المسؤولون الأميركيون مراراً الحديث عن طبيعة وتفاصيل المساندة الأميركية لأمراء الحرب في الصومال، خصوصاً فيما يتعلق بالائتلاف الذي يطلق على نفسه "تحالف إعادة السلام ومحاربة الإرهاب". وهو الائتلاف الذي يعتبره العديد من الصوماليين مناورة مكشوفة ترمي إلى استقطاب الأموال الأميركية. ومع ذلك أقر بعض المسؤولين الأميركيين، الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم لحساسية الموضوع، بأنهم يتحدثون مع أمراء الحرب «لمنع دخول عناصر "القاعدة" إلى البلد واتخاذه ملاذاً آمناً لممارسة أنشطتهم الإرهابية». وفي هذا السياق صرح جون "بريندير جاست"، مدير الشؤون الإفريقية في إدارة الرئيس كلينتون، والمستشار البارز في "المجموعة الدولية للأزمات" -وهي مؤسسة غير حكومية- بأن "الولايات المتحدة تعول على شراء المعلومات الاستخباراتية من أمراء الحرب المنخرطين في الصراع الصومالي، آملة أن يتمكن زعماء الحرب من إلقاء القبض على بعض العناصر الإرهابية المطلوبة إذا توفرت المعلومات الاستخباراتية".

يذكر أن قضية دعم أميركا لبعض الميلشيات المسلحة في الصومال قفزت إلى الواجهة عندما بدأت مجموعة إسلامية أصولية تفرض نفسها في العاصمة عبر إقامة المحاكم الإسلامية وبناء المدارس والمستشفيات. وما هي إلا أيام حتى ظهر ائتلاف أمراء الحرب مجهزاً بالقاذفات والأسلحة المضادة للطائرات التي استخدمت في المعارك الطاحنة في العاصمة مقديشو خلال الأسبوع الماضي. وفي تطور آخر رفعت الهيئة الدولية التي تراقب الأوضاع في الصومال تقريراً إلى مجلس الأمن أشار إلى وجود دولة، دون تسميتها، تعمل على تقديم دعم سري إلى تحالف للميلشيات ادعى أنه يحارب الإرهاب، ما يشكل انتهاكاً سافراً لحظر بيع الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على الصومال. وكشف الخبراء بأنهم أُبلغوا في كانون الثاني وشباط من العام الجاري بوجود "دعم مالي مرصود لمساعدة الميليشيات الصومالية على تنظيم وهيكلة قواتها حتى تتمكن من مواجهة الخطر الذي تطرحه حركة الأصوليين المتنامية في وسط وجنوب البلاد".