ضالة مصر في «جيوب الكبار»
تحتاج مصر إلى تغييرات اقتصادية بنيوية، هو العنوان العريض لكل ما يدور في أوساط الاقتصاد المصري الرسمي، وغير الرسمي، لكن ما هو بالتحديد التغيير البنيوي المطلوب من أجل القفز خارج «منطقة الخطر» التي يتفق على وجودها أغلب المعنيين بالشأن الاقتصادي؟
بمتابعة متأنية للكم الكبير من المقالات (المصرية وغير المصرية) التي خرجت خلال الأسبوع الماضي لتتناول الملف الاقتصادي المصري، ومع وضع السجالات ذات الطابع الكيدي جانباً، يمكننا استشفاف بعض النتائج الأولية حول مكامن أساسية في الأزمة الحالية للاقتصاد المصري.
أزمة الاحتياطات النقدية
تهيئة ما يسمى بـ«مناخ الاستثمار» في مصر هو هاجس قديم جديد يظهر بقوة في برامج وطروحات القوى السياسية كلها، وتتبناه الحكومات المتعاقبة بعد موجة الحراك الشعبي الأولى في كانون ثاني/2011، وهو ضرورة فعلية للاقتصاد المصري. لكن التشريعات من جهة، ومصالح قوى الفساد في الداخل المصري، من جهة ثانية، جعلت من الاستثمار، وتحديداً الخليجي منه، قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت.
السبب يعود إلى السماح للمستثمرين باستيراد السلع الغذائية وبيعها في الداخل المصري، ودخول شركات كبيرة تتجه نحو تصنيع السلع الاستهلاكية التي لا تعطي قيمة مضافة إلا بنسب قليلة، وبالتالي، فإن جزءاً مهماً من الاحتياطيات النقدية المكنوزة في القطاع المصرفي الحكومي ذهب لتمويل مستوردات المستثمرين، الذين يبدلون الجنيه بالعملات الصعبة بشكل مستمر. وعليه، فإن الجزء الأهم من الاحتياطات النقدية الأجنبية الموجودة في القطاعات الحكومية، انتقلت إلى قوى السوق أو تم تسريبها عبر البورصة إلى خارج البلاد.
أزمة التهرب الضريبي
يقول عصام الفقي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب المصري، إن هناك ما يصل إلى 100 مليار جنيه متأخرات ضرائب (الجنيه المصري= 0.11 دولار أمريكي)، بالإضافة إلى ما أعلن عنه مسؤول حكومي عن وجود 210 مليار جنيه تهرب ضريبي. وعن آلية تحصيلها، يقول رئيس مصلحة الضرائب، عبد المنعم مطر أنه «في البداية يتم مواجهة صاحب الشأن في التهرب الضريبي، وفي حال عدم الوصول لنتيجة يتم إحالة الحالات التي لم تنته، لنيابة التهرب الضريبي، وفي النهاية يتم الإحالة إلى المحكمة».
وهنا، يمكن القول أن إيجاد آليات تحصيل عملية وسريعة تعيد هذه المبالغ إلى خزينة الدولة، هو ما يعوض الدولة عن فرض ضرائب جديدة أول ما تصيب، تصيب شرائح محدودي الدخل.
وفي السياق ذاته المتعلق بقضايا الضرائب، يقول الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد السابق، أنه من الضروري تطبيق ضريبة تصاعدية فور دوران عجلة الإنتاج، بحيث ترتفع إلى 35% على الشريحة العليا، وهي النسبة المعمول بها في معظم الدول الرأسمالية.
ومن المؤكد أن الحلول موجودة، في هذه القضايا أو غيرها، وهي مترابطة تماماً ضمن المنظومة الاقتصادية ككل، لكنها تحتاج عملياً إلى قرار سياسي مرهون بآجال زمنية ضيقة، والاستفادة من حالة عدم الرضى الشعبي في دعم هذه القرارات.