واشنطن على حافة الهاوية اليمنية
تحاول الولايات المتحدة وبريطانيا مجدداً ضبط مجريات الأحداث على الساحة اليمنية، بعد موجة التصعيد العسكري الأعنف منذ اندلاع الأزمة اليمنية، هذا «الضبط لمسار الأحداث» يستدعي الوقوف عند تطورات الأزمة اليمنية، وحسابات «الأمريكي» في هذا الملف.
دعت «الرباعية الدولية» التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، في 16/تشرين أول الحالي، أطراف النزاع في اليمن إلى إعلان وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن، وهو ما جرى فعلاً ليل الأربعاء/ الخميس الماضي.
السعودية تؤرق حلفائها
تدعم واشنطن الرياض علناً، لكن دون الدخول في صلب المعارك على الأراضي اليمنية، بغرض الاستفادة من تحقيق تقدمات ميدانية مفترضة، تتبعها مكاسب سياسية على طاولة المفاوضات. لكن عجز الرياض عن كسر التوازن القائم على الأرض، بالإضافة إلى التكاليف الكبيرة التي يتحمل «التحالف العربي» الجزء الأعظم منها، والتي أودت بحياة 1163 طفل منذ شهر آذار من العام الماضي، حتى أيلول من هذا العام، باتت تشكل ضغطاً متزايداً على واشنطن حيال الدفاع عن حليفها الإقليمي الغارق حتى أذنيه في المستنقع اليمني.
هذا لا يعني تفكير واشنطن بوقف الدعم للرياض في هذه المرحلة من عدوانها على اليمن، لكنها تحاول تقنين الدور السعودي بين العسكرة والحل السياسي، قبل الوصول إلى مرحلة تشعل فيها اليمن ما حولها، والمهم هنا ليست الحدود السعودية فحسب، بقدر إيصال نار الحرب إلى مضيق باب المندب.
رسائل من باب المندب
أعلن وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، الأسبوع الماضي، عن استهداف المدمرة «مايسون»، الراسية قبالة السواحل اليمنية بصواريخ عدة للمرة الثالثة على التوالي، تبعها إطلاق صواريخ أمريكية على ثلاث محطات رادار واقعة في نطاق سيطرة جماعة «أنصار الله»، وصفها السكرتير الصحفي للبنتاغون، بيتر كوك، بأنها «عملية محدودة للدفاع عن النفس».
نفت جماعة «أنصار الله» بشكل قاطع مسؤوليتها في هذا الشأن، واعتبرتها ذريعة أمريكية للاعتداء على الشعب اليمني، فيما اتهم الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح السعودية بـ«إحضار مجموعات إرهابية من سورية، للقيام بهذه العملية».
لكن حتى تبيان المسؤول عن هذا الاستهداف، فإن هاجس واشنطن هو استقرار وجودها العسكري على المضيق الاستراتيجي. بالتالي، فإن الرسائل التي تلقتها واشنطن تقول بأن تغيراً واجباً في الأزمة اليمنية عليها التحرك اتجاهه، لكن سياسياً يمكن التنبؤ بمصدر هذه الرسائل التي هي في الأحوال كلها مصائب فوق رأس واشنطن، خصوصاً في حال استمرار ضرب البوارج الأمريكية.
الاحتمال الأول، الذي يقول بمسؤولية صنعاء عن هذا الهجوم يعني أن «أنصار الله» وحلفاءهم يفتحون النار علناً على واشنطن، وهو ما يستدعي افتراضاً رداً أمريكياً عسكرياً، وبالتالي، الدخول في خيار تحاول واشنطن تفاديه حتى الرمق الأخير، خوفاً من تورط غير محسوب النتائج، بآجاله الزمنية ونتائجه المطلوبة. وإن جاز هذا الاحتمال فهو مصيبة، لكن تورط التيار الفاشي داخل أروقة الإدارة الأمريكية في عمل كهذا، هو المصيبة الأعظم!
المقصود هنا أن احتمالاً مرجحاً يفضي إلى أن مؤيدي التدخل العسكري المباشر في اليمن، والموجودين ضمن النخب الأمريكية الحاكمة، وبمساعدة أطراف إقليمية، قد يحاولون دفع الأحداث نحو إجبار العسكر الأمريكي على الدخول في الحرب من بوابة «الحفاظ على المصالح الأمريكية في هذه المنطقة»، كما حاولوا قبلها إجباره على الدخول المباشر عسكرياً في الأزمة السورية، وما يدفع هذا الاحتمال إلى الواجهة هو ضيق الخيارات الأمريكية على العموم سياسياً وعسكرياً إزاء الملف اليمني.
من هنا، تأتي الهرولة الأمريكية من جانب النخب المدركة للأمر الواقع، بغرض تهدئة الساحة اليمنية، قبل الانزلاق إلى أطوار جديدة من الأزمة تصبح فيها مواقع واشنطن السياسية والعسكرية على هذه الجبهة مهددة، ورفيعة التكلفة من حيث الحفاظ عليها.