الخصخصة.. أقصر طريق للمجاعة والعنف
نيودلهي- (أي بي إس)- تعتبر خصخصة موارد الأرض أقصر طريق للمجاعة والتصحر والعنف ضد المرأة بل ولانتحار صغار المزارعين كما يحدث في الهند.
وتقع أحوال الموارد الطبيعية في العالم تحت رحمة التكنولوجيات الزراعية ومن يمتلكها. وحتى عهد قريب، كان الماء والتنوع الحيوي في الهند على سبيل المثال، على صلة وثيقة كل منهما بالآخر بفضل أنشطة المرأة أساساً. لكن الخصخصة جاءت لتهدد كل هذا بالزوال.
كما كانت مراعاة أحوال التربة والعناية بها دائماً وأبداً، جزءاً لا يتجزأ من مفهوم ملكية الأرض أو فلاحتها، وذلك من منطلق أن الأرض هي الأم التي تغذي البشر.
ومن ثم، حرصت أجيال المزارعين على استخدام أساليب الزراعة الموائمة، مراعاة لسلامة التربة وخصوبتها. وبهذا، يعني تحويل الأرض إلى سلعة، زوال التربة وتلاشيها فعلاً ومفهوماً.
وكمثال، إعلان شركة البناء والعقار EMAAR-MDG ومقرها دبي، لمشروع بناء «هند جديدة»، والذي ينص على أنه حيثما توجد أراض، ستوجد منازل ونوادي غولف.
ما جرى تناسيه هنا هو أنه حيثما توجد أراَض، توجد تربة ومحاصيل وقرى ومزارعون، وخاصة مزارعات، وهن اللائي يمثلن الغالبية العظمى لمزارعي الهند.
هذا يعني دفن التربة تحت الأسمنت، وانحسار القرى أمام غابات الأسمنت، وتقهقر الفلاحين والمزارعين أمام زحف الشركات، وتواري المرأة كمنتجة لتحويلها إلى سلعة جنسية.
يضاف إلى ما سبق أن تحويل الأرض إلى سلعة تجارية يعني تحويلها إلى منتج كيميائي. فتنفق الهند وحدها نحو ملياري دولار سنوياً على دعم الأسمدة.
ذلك يعني إبدال حيوية التربة بمدخلات خارجية كالأسمدة الصناعية التي تقتل الكائنات الحية فيها، وتدمر بمرور الوقت البنية التي تقوم عليها الخصوبة.
لا جديد في القول إن المرأة خير خبيرة بالمدخلات الزراعية الطبيعية، باستخدام منتجات الأرض لتخصيب التربة، ودون الحاجة لمدخلات خارجية على الإطلاق، وبالاستعانة بالمواد العضوية وزراعة المحاصيل المثبتة للنتيروجين في التربة.
ثم تأتي قضية البذور أيضاً لتقع في شباك المدخلات الخارجية الواجب شراؤها. وبهذا تصبح البذور جزءاً من ممتلكات الشركات التي تنتج بذوراً غير متجددة حتى يضطر المزارعون إلى شرائها منها، سنة بعد سنة.
وتقف الديون المتراكمة على المزارعين من جراء شراء البذور وغيرها من المدخلات الخارجية كالأسمدة ومبيدات الآفات الكيميائية، وراء وباء انتحار المزارعين لعجزهم عن السداد، ما يلقي بالديون على عاتق أراملهم المحرومات من حق حيازة الأرض.
أضف إلى ذلك أن المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة تلوث الأرض والبشر، فيما تدمر الشركات والبذور غير المتجددة التنوع الحيوي، وتكبل المزارعين بالقيود.
كما تقضي القوانين على شيوع الحصول على البذور بين المزارعين، من خلال تخويل الدولة سلطة الموافقة مسبقاً على نوعيتها وأصنافها، وإجبار المزارعين على طلب السماح لهم باستخدامها، عبر إجراءات تسجيل إجبارية.
تتذرع مثل هذا القوانين بحجة مراقبة نوعية البذور وجودتها، لكن النتيجة الحقيقية الفعلية هي أنها تقضي على الأصناف والأنواع عالية الجودة التي ينتجها المزارعون ويمكنهم الاعتماد عليها تماماً.
وقد عمدت حكومة الهند إلى تطبيق قوانين من هذا النوع من خلال قانون البذور لعام 2004، الذي قوبل باحتجاجات سلمية على صورة الامتناع عن التعاون مع الحكومة في تطبيقه، والتمسك بأن ادخار البذور وتقاسمها بين المزارعين ليس عملاً إجرامياً، مع مواصلة ادخارها وتقاسمها.
وعلى الرغم من تفشي ظاهرة انتحار المزارعين لعجزهم عن سداد الديون، وعلاقتها الواضحة الجلية باضطرارهم الاعتماد على مدخلات خارجية عالية التكلفة، فقد كان رد الفعل الوحيد الذي قدمته الحكومة الهندية هو عرض المزيد من القروض، لشراء المزيد من هذه المدخلات الخارجية.
المزارعون في أمس الحاجة للتحرر من هذه التبعية، والزراعة تحتاج أكثر ما تحتاج للتنوع الحيوي والتربة والمياه، لا لبذور معدلة جينياً أو مبيدات أو أسمدة كيميائية.
ففي مقابل كل مدخل خارجي تروج الشركات لبيعه، يوجد مدخل داخلي يوفره المزارعون والمزارعات، بل والأرض نفسها. كما برهنت الأدلة وبصورة قاطعة على أن الزراعة المعتمدة أساسا على المدخلات الداخلية هي أقل كلفة وأعلى إنتاجاً. ومن المهم كذلك أنها تحافظ على الأمن الغذائي في أيادي المزارعات.
ثم هناك أيضا قضية إدراج التنوع الحيوي على باب البراءات. هذه البراءات على الحياة ذاتها هي لب المادة 27.3 (b) لاتفاقية حقوق الملكية، لمنظمة التجارة العالمية.
وهنا تأتي مشاكل من بينها ما تعرف باسم «القرصنة الحيوية»، أي سلب المعرفة والخبرة بالتنوع الحيوي من الشعوب الأصلية، وتسجيل أنواع الأرز والقمح وغيرها كبراءات وملكية خاصة بالشركات.
لا يمكن ضمان زراعة مستدامة دون ضمان حقوق مستدامة. حقوق المزارعين والأهالي، لا الشركات الخاصة.