أيلول والفلسطينيون
لا نعرف بعد ما الذي سينتج عن لجوء السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة، ولكننا نعرف أن الإدارة الأمريكية والإدارات الأوروبية الهامة تملك الفيتو في مجلس الأمن، ونعرف أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة هي مجرد توصيات، ونعرف أن الأمم المتحدة موجودة منذ زمن طويل، وأن القرارات المفيدة للفلسطينيين قليلاً، أو كثيراً، مسحت بها الإدارة الأمريكية حذاءها، وأن تلك الإدارة جعلت الجمعية العامة تلحس قرارها في 1975 بمماهاة الصهيونية والعنصرية، وذلك بأمر من الرئيس جورج بوش الأب.
مع ذلك، فإن اللجوء إلى الأمم المتحدة خطوة مفيدة، أياً تكن النتيجة، فهي تقول للعالم ممثلاً بالأمم المتحدة: نحن هنا، ولنا حقوق.
ومن جملة الوسائل التي تغلق بها الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية الطريق على السلطة الفلسطينية هي إغلاق صنبور النقود، وهي وسيلة خانقة، لأن السلطة ليس لديها عملياً من مورد سوى ما يجود به أبناء الحلال (؟).
السيد أبو مازن، استراتيجيته كانت- وستبقى- المفاوضات، ترى ألم يئن الأوان لتغيير تلك الاستراتيجية؟ أي مفاوضات يمكن أن تجري في ظل استيطان يبتلع أراضي الضفة؟ وفي ظل الآلاف في السجون الإسرائيلية؟ وفي ظل العدوان اليومي على الفلسطينيين؟ إن بمصادرة الأراضي والبيوت، أو بالتجريف والهدم وقلع الأشجار، أو بالاعتقال أو بالقتل؟
طبعاً ليس البديل هو تحرش غير مسؤول بالاحتلال، يزيد الكوارث على الفلسطينيين، إن الاحتلال على استعداد لأن يرتكب أشد الجرائم وحشيةً وهمجيةً، والمعاناة اليومية تثبت ذلك، وأيضاً غزو غزة وحصارها.
الإدارات الأمريكية والأوروبية هي ضد الفلسطينيين، وأيضاً الإدارات الحليفة، ومن الجملة الإدارات العربية، أفلا يجب أن يتساءل المرء، وخصوصاً الإنسان الفلسطيني، عن الحل؟ وهل يستطيع هذا الإنسان أن يجد الحل؟ هل منظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف) معنية بالحل، وكيف؟
إن الحل الذي أفرزته (م ت ف) هو السلطة الفلسطينية، فهل انتهى دورها؟ وإذا لم ينته، فأين هي؟ وهل تستطيع أن تطرح حلاً؟
إن عشوائية العمل الفلسطيني هي مقتل ليس فقط للقضية الفلسطينية، وإنما أيضاً للفلسطينيين، والدليل هو المعاناة اليومية للفلسطينيين الذين كانوا قبل اتفاقات أوسلو أحسن حالاً بكثير، معيشياً وحريةً.
لسنا هنا في صدد هجاء تلك الاتفاقات المجحفة، التي جرت ويتحمل الفلسطينيون عقابيلها وعقابيل ما وقع بعدها من اتفاقات هي أسوأ منها بكثير.
المطلوب الآن عودة (م ت ف) لحمل مسؤولياتها، وطبعاً لا معنى لذلك إذا لم يعد النظر في تمثيل المنظمة للفلسطينيين في داخل الأراضي الفلسطينية وفي الشتات.
لتبق السلطة الفلسطينية، ولتفاوض ما شاء لها التفاوض، ولتقم بما يخطر لها، وبما يبدو لها مفيداً، ولكن لتعد (م ت ف) إلى الساحة، ولتعد النظر في تركيبها وفي نظامها الداخلي، وفي استراتيجيتها. ربما السلطة عاجزة حتى عن التنقل بحرية، فلتتحرك (م ت ف) لتعيد للفلسطينيين دورهم في الحياة السياسية الدولية، دورهم كشعب، ودورهم كأصحاب قضية تحررية.
هل تستطيع (م ت ف) القيام بالمهمة التاريخية المنوطة بها؟ وإذا كانت لا تستطيع، فهل يمكن إنشاء تشكيل فلسطيني بديل يضم جميع أطياف الفلسطينيين ويناضل في سبيل إعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية، وحقنها بدماء جديدة؟
الأمل هو بـ(م ت ف)، وإذا خيب هذا الأمل، فقد يفقد الفلسطينيون في الأمد المنظور كل مستقبل، ونتمنى ألاّ يحصل ذلك.