سراب الدولة في وثيقة «سلام فياض»
في مؤتمر صحفي داخل مقر حكومة تصريف الأعمال في مدينة رام الله المحتلة، أعلن رئيسها سلام فياض عن برنامج عمل الحكومة التي تحمل الرقم «13» في مسيرة الحكومات الفلسطينية، المشكّلة تحت حراب الاحتلال، وداخل مظلة اتفاق أوسلو. البرنامج المطبوع في خمس وستين صفحة، قدمه فياض قبل بضعة أيام لرئيس السلطة محمود عباس، في خطوة فسرها العديد من المراقبين على أنها خطة عمل الفريق القادم لتولي مسؤولية إدارة الأوضاع في الضفة الغربية، على الرغم من حرص جهابذة واضعي التقرير على التذكير بين فقرة وأخرى، على أن قطاع غزة له نصيب كبير في خطة الحكومة القادمة.
إن قراءة سريعة لمضمون التقرير المعنون بـ«إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة»، تدفع للاستنتاج بأن القضايا الكبرى المطروحة على حركة التحرر الوطنية للشعب الفلسطيني، تحرير الأراضي المنكوبة باحتلالي عامي 48 و67 قد تحددت بمجموعة مهام تصلح لأن تكون برنامج عمل مايسمى بمنظمات «المجتمع المدني». كما أن التوقف عند المهام التفصيلية في مهمات العمل داخل كل مجال «وزارة الخارجية والعلاقات السياسية الدولية، الاقتصاد، تنمية الموارد البشرية والاجتماعية، وزارة الداخلية، وزارة المالية، القضاء، بناء المؤسسات» ستقودنا إلى الخطوات التنفيذية لدولة سيادية قائمة على الأرض وليست على الورق! إن مواجهة عربدة واجتياحات جيش العدو المتواصلة على مدار الساعة لكل أراضي الضفة المحتلة، لن تتوقف عبر برامج «النمو الاقتصادي» والارتهان لسياسة البنك الدولي ومخططاته في الضفة المحتلة. لأن المعاناة اليومية التي يعاني منها أبناء الشعب على أكثر من ستمائة حاجز، تحمل الذل والقهر والموت اليومي للمرأة والطفل والرجل الفلسطيني، هي خير دليل على تحكم الاحتلال بحياتهم. إن رؤية فياض لهذه الحواجز، يتم من خلال «العيون الاقتصادية فقط»، إذ جاء حديثه لجريدة «هآرتس» الصهيونية المنشور قبل أسبوعين ليوضح موقفه (خسارة... إن إزالة عشرات الحواجز التي تعيق تطور الاقتصاد قد استغرق وقتا طويلا.. أنتم تعترفون أنه يمكن إزالة هذه الحواجز.. أنا آخر من يطالب بإزالة حاجز يساهم في الأمن، لأن المس بأمن «إسرائيل» يمس بمصالحنا).
أما الحديث عن الوحدة الوطنية فلا يعدو كونه تكراراً لمواقف سلطة الحكم الذاتي المحدودة في رام المحتلة، وإعادة إنتاج متكررة لرؤية «الرئيس» وفريقه. كما أن قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم المحتلة عام 1948 تتم بعبارات «ملتبسة ومضللة» لأن الكلام عن «حل عادل ومتفق عليه» يوفر الهروب من الالتزام المحدد بالقرار الدولي رقم 194 الذي ينص على عودة اللاجئين لبيوتهم وممتلكاتهم، والتعويض عليهم (قضية اللاجئين هي من قضايا الحل النهائي، إلا أنه يجب التأكيد على أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة فلسطينياً إلا بما يشمل التوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لهذه القضية الأساسية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 194). كما أن معالجة الحكومة «الرشيدة» لملف السلاح الفلسطيني الموجود في يد الكتائب والسرايا المقاتلة، والموجه فقط ضد قوات العدو الاحتلالية وأجهزة قمعه، يتم من خلال دغدغة مشاعر المواطن الفلسطيني بالكلام عن أهمية توفير الأمن له، هذا الأمن الفردي والمجتمعي المنتهك بكل دقيقة على يد قوات الاحتلال. وفي هذا المجال أكد فياض على أهمية (الاعتماد على الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بالرغم من اتهامه بأنه «مقاول ثانوي في قوات الأمن "الإسرائيلية"»، لأن الحديث هو عن أمن الفلسطينيين وأبنائهم أولاً. لأن الأمن هو الصمغ بين الاقتصاد المزدهر والسلطة السوية من جهة، وبين حرية الشعب الفلسطيني) كما جاء في حديثه للصحيفة الصهيونية المنشور بتاريخ 14/8 في «موقع عرب 48».
لقد جاءت ردود فعل القوى الفلسطينية سريعة. فقد أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رفضها للوثيقة، معتبرة إياها (مجرد إشاعة للأوهام، وسقوط في شراك مخططات الاحتلال المعادية، وتصب في ترسيخ الانقسام، وضرب الوحدة السياسية والجغرافية، وتبديد حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة). كما شددت الجبهة على (أنه لا يحق لأحد التفرد في إعطاء المواقف بهذا الشأن، خصوصاً أن هذا الأمر لا يدخل في إطار صلاحيات «حكومة» تصريف الأعمال في رام الله).
حركة حماس بدورها أكدت من خلال تصريح القيادي سامي أبو زهري رفضها للوثيقة (إن برنامج أية حكومة يجب أن يُعرض أمام المجلس التشريعي، وهذا لم يتحقق، وبالتالي فياض ليس مفوضاً بالحديث باسم الشعب الفلسطيني، خاصة في مثل هذه القضايا المصيرية، وهو آخر من يتحدث فيها. إن الوثيقة تتضمن إشكاليات أساسية، منها الحديث عن دولة فلسطينية خلال عامين، وهو إعلان من طرف واحد لا يُلزم الاحتلال بشيء، إنما يرتب التزامات على الشعب الفلسطيني خلال هذه الفترة، تحت ذريعة تهيئة المناخات لإقامة الدولة. كما أن الوثيقة تتحدث عن مؤسسات السلطة، ولا تشير إلى أي حديث عملي عن مواجهة «الاستيطان» وتهويد القدس المحتلة).
إن الحديث عن إمكانية قيام «الدولة» خلال عامين، هو محاولة لزرع الأوهام في عقول أبناء الشعب، الذي يحصد في كل يوم الفقر والاضطهاد والموت. فالوطن الحر السيّد، يبنى عبر تراكم النضالات المسلحة والشعبية التي تقود إلى الاستقلال.