الأمم المتحدة ومصير عصبة الأمم
من على منبر الأمم المتحدة وقف «نتنياهو» ليوبخ ويؤنب الحضور ومن بينهم رؤساء دول وحكومات. وكرر الحديث الممجوج عن المحرقة في إطار هجوم بذيء على إيران والرئيس نجاد. والأنكى هو تأكيده بأن العصابات الصهيونية التي اغتصبت فلسطين ليسوا «غزاة أجانب لأن أجدادهم سكنوا هذه الأرض». ووضع تصوره للمستقبل بأن أية دولة فلسطينية يجب أن «تكون منزوعة السلاح بشكل فعال». ثم أكد على مطلبه الأساسي الذي يمثل منطلق المشروع الصهيوني وهو ضرورة أن يقبل الفلسطينيون «دولة يهودية في إسرائيل».
أما «أوباما» محبوب الحكام العرب والذي يتسم خطابه دائماً بالعمومية والإبهام فقد طالب الفلسطينيين بوقف استفزازاتهم لإسرائيل، واكتفى فقط بالمطالبة بوضع حد للاستيطان الإسرائيلي ومطالبة الفلسطينيين والإسرائيليين باستئناف محادثات الوضع النهائي بهدف إقامة دولة «يهودية» ودولة فلسطينية. الأمر الجوهري في خطاب أوباما إذاً هو التأكيد على «يهودية» الدولة بكل تداعيات هذا الأمر. وأضاف أيضاً ضرورة وقوف العالم متحداً ضد إيران وكوريا الديمقراطية باعتبارهما الخطر الوحيد على العالم، وضرورة تطبيق القانون الدولي. وكلام مبهم وعام عن عالم خال من السلاح النووي.
المقصود من هذه المقدمة ليس عرضاً لخطابي أوباما ونتنياهو، لأن كلا الخطابين يجسدان العدوانية المتزايدة مثلما يجسدان الكذب والرياء والتضليل. لقد تبع ذلك وتزامن معه أحاديث وخطب وتصريحات لهما ولشركائهما الأوربيين خاصة ساركوزي وبراون اللذين يشكلان مع أوباما ونتنياهو هيئة أركان حرب القوى الامبريالية. وليس المقصود أيضاً الرد على «جوقة» المتأمركين والمتصهينين من المصريين والعرب الذين لا يزالون يصورون الرئيس الأمريكي بأنه الأمل، وهم أنفسهم من ظلوا يشيدون بكل من سبقوه وآخرهم جورج بوش. لكن المقصود هو تأكيد أن هيئة الأمم المتحدة قد انكشف ضعفها وهوانها في هذه الدورة وبشكل يؤكد أنها تسير حثيثاً باتجاه «الفناء».
حينما تمت ضربة مركز التجارة العالمي في نيويورك وغيره من رموز القوة الأمريكية قبل ثماني سنوات، وهي عملية تحيط بها ملابسات تشي بأنها كانت فعلاً أمريكياً أساساً، ولكن بأدوات غير أمريكية. وعلت الأصوات تؤكد أن عالم ما بعد سبتمبر ليس هو عالم ما قبله، وبأن القرن الـ21 هو قرن أمريكي. بينما كان 11 سبتمبرهو محاولة إنقاذ بعد إدراك طواغيت المال الأمريكيين بوجه خاص أن «ليبراليتهم الجديدة» وإزاحة الاقتصاد الحقيقي ليتربع الاقتصاد المالي الوهمي على العرش قد قادت إلى كارثة، إذ تعمقت أزمة الرأسمالية، وبذلك لابد من افتعال سبب للحرب والتوسع بالقوة لتحقيق «فائض قيمة تاريخي جديد» لتخطي الأزمة الهيكلية الكامنة في الرأسمالية.
إزاء التوحش الامبريالي وسياسات الليبرالية الجديدة والعدوانية الامبريالية، تصاعدت المقاومة على امتداد العالم، وصولاً إلى ولوج مرحلة الانتقال من الدفاع إلى الهجوم في العديد من المناطق. كما حققت المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية والأفغانية، وصمود سورية وتحدي إيران مكاسب هائلة وأسهمت بشكل فعال في تهاوي الهيبة الأمريكية وزلزلت الكيان الصهيوني ووضعت مصيره موضع تساؤل. وإلى جانب ذلك هناك قوى بازغة فعالة ظهرت على المسرح العالمي.
غير أن التبدلات في المشهد الدولي لم تنعكس لجهة تغيير الأوضاع داخل الأمم المتحدة ومؤسساتها، حيث لاتزال الامبريالية- في مواجهة التطورات التي تسير بثبات في الوضع العالمي- تعمل بثبات على حشد قواها لأخذ زمام المبادرة تعويقاً وإجهاضا لهذه التحولات.
منذ تفكك الاتحاد السوفييتي تحولت الأمم المتحدة إلى مجرد غطاء للبلطجة الأمريكية. ولدى أية صعوبات لاقاها الأمريكيون تم تجاهل هذه المنظمة ليحل الناتو محلها، حيث فقدت أية فعالية. لم تستطع ايقاف حرب، أو صد عدوان، أو النصرة لمظلوم ، أو تطبيق قرار.
تحولت دورتها الأخيرة إلى دورة «حرب»، وتحددت أثناء الدورة وتحت سقف المؤسسة الدولية هيئة أركان حرب القوى الصهيو- امبريالية المذكورتين أعلاه.
لذلك فإن مجمل التطورات تشير إلى أن الهيئة الدولية تسير باتجاه مصير «عصبة الأمم» التي عجزت عن الفعل في مواجهة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية وآلت الأمور إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية.
في الظروف الراهنة– وبالتوازي مع التطورات الدولية وتراجع الامبريالية وتشكل ميزان قوى جديد– سوف تكتمل ظاهرة يجري تبلورها سريعاً متمثلة في النضال لصياغة نظام دولي جديد وديمقراطي حقاً، يقوم على أساس العلاقة المتكافئة والعدالة، لتجاوز التناقض القائم في النظام الدولي الراهن بين التطورات الهائلة في مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية بينما مؤسساته وأهمها هيئة الأمم المتحدة تعيش حالة عجز وجمود أفقدتها مبرر وجودها.
استحقاق هام ماثل (مزدوج) أمام قوى التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والاشتراكية هو التصدي للهجمة الامبريالية الصهيونية لإجهاض أي عدوان على أي من بلدان الإقليم وإلحاق الهزيمة به، إن فعل، بنضال ملموس على كل الأصعدة. أما الوجه الآخر فهو النضال من أجل نظام عالمي جديد عادل وديمقراطي يبني مؤسساته المعبرة عن طبيعته وأهدافه.
المادة كاملة ستنشر على موقع قاسيون