حرب لكل رئيس أمريكي.. ولأوباما حكومة حروب
مَن يتابع النقاشات الدائرة في أوساط الديموقراطيين عن حرب أفغانستان، يزداد شعوره بالإحباط من فقدان باراك أوباما للخبرة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية والشؤون العسكرية، التي يكتسبها عادة أي عضو مستجد في مجلس الشيوخ منذ أول دورة له
ورغم أن نائبه جو بايدن يتمتع بخبرة تشريعية في هذه المجالات، ويعرف الكثير عن العلاقات الخارجية، لا يمكننا أن نثق بقدرته على المحاكمة عندما نسمع تصريحاته أو نقرأ كتاباته التي لا تتجاوز إطلاقاً تقاليد السياسة وبديهياتها، أو مضامين افتتاحيات الصحف الرئيسية، دون أدنى ابتكار فيها، أو حتى مسألة مثيرة للجدل. أي أن نائب الرئيس بايدن يعرف كل ما «يعرفه الجميع» عن علاقات أمريكا الخارجية، بينما أوضاع الولايات المتحدة لا تسمح لها بأن تركن إلى دليل إرشادات القواعد التقليدية لرسم سياساتها المستقبلية.
فحتى هذه اللحظة لا يجد المرء مبرراً منطقياً، أو تصوراً يوضح أسباب وجودنا في أفغانستان! «لاصطياد» أسامة بن لادن بعد حوالي عشر سنوات من جنايته؟ ولكن لا يجوز التحكم ببلد مساحته 250 ألف ميل مربع بسكانه الـ33 مليون نسمة، من أجل الإمساك بزعيم إرهابي (خاصة بعد أن بات اعتباره موجوداً في باكستان بديهياً). كما لا يجوز أن تأخذ الولايات المتحدة على عاتقها حلّ مشاكل أفغانستان الاجتماعية الداخلية أو «سحق» جيش حركة طالبان (ولا أحد يعلم كيف)، وانتفاضة البلد السياسية والدينية. ثم ما علاقة كل هذا بالأمريكيين؟
نُقل عن بايدن معارضته زيادة عدد القوات العسكرية بغية «إحراز النصر» في معركة أفغانستان، ليس لأنه مقتنع بخطأ خوض الحرب هناك، إنما لقناعته بأن الحرب الصحيحة يجب خوضها في باكستان (والتي لم تبدأ بعد). ويبدو أن هذه القناعة تتفق مع وجهة نظر مستشار الرئيس، بروس رايدل، الذي ترأس قبل بضعة أشهر لجنة موسعة لمراجعة السياسة المتبعة في أفغانستان وباكستان، ونشر استنتاجاته عنها في مجلة «ذا ناشيونال إنترست» في واشنطن.
ويبدو أن موقف كل من نائب الرئيس ومستشاره، ينطلق من أن أفغانستان كانت مهمة بما يكفي (كونها مأوى للقاعدة) لتنال نصيبها من الحرب، لكن باكستان اليوم توفّر فرصة حربٍ أفضل وأهم بما لا يقاس نظراً إلى أنها تؤوي، ليس ابن لادن وطالبان فقط، بل والأسلحة النووية أيضاً. ولسان حال الاثنين يقول: إذا أردنا حرباً حقيقية، فمشهد حيازة طالبان وإرهابيي القاعدة للأسلحة النووية يطرح أمامنا سيناريو حرب أكثر إثارةً من حملة عسكرية ضد عصيان مسلح في أفغانستان الفقيرة الوعرة، حيث العدو لا يملك إلا بنادق محلية الصنع ومقاتلين على دراجات نارية. إضافة إلى خلوها من السلاح النووي وعدم قدرتها على إنتاجها، ولا موارد تذكر فيها سوى مزارع الخشخاش.
في السابق، كانت الولايات المتحدة تأخذ بعين الاعتبار أهمية موقع أفغانستان الجغرافي كممر لأنابيب تنقل نفط آسيا الوسطى إلى البحر. أما الآن فتوجد طرق أقل كلفة من تمرير النفط عبر أنابيب دولة في حالة حرب. لذلك يبدو أكثر إغراءً لطاقم أوباما تصدير السيناريو التالي: سوف يسيطر تنظيم القاعدة على حركة طالبان (التي استضافت القاعدة دون التحالف معها). وطالبان بدورها ستستولي على دولة باكستان بشعبها البالغ تعداده 176 مليون نسمة، وجيشها الكبير نسبياً، إذ يضم مليوناً ونصف مليون جندي بمن فيهم الاحتياط.
أما أفغانستان فعدد سكانها 33 مليون نسمة، وتعتبر طالبان حركة أقلية سياسية محصورة بقطاع صغير من قبائل البشتون التي تمثل 40% من السكان، ويمثل الطاجيك 26%، الأذريين 19%، الأوزبك 6%، وأقليات أخرى مختلفة لم تعبّر أي منها عن الرغبة بالسيطرة على باكستان أو إخضاعها. حتى الهند الهندوسية لا ترغب بإخضاع باكستان الإسلامية أو حكمها، الأمر الذي لا يفيدها إلا بزيادة أعبائها ومتاعبها، رغم أنها تتمنى التخلص من قدرة الردع النووي الباكستاني الموجود أساساً كي يمنع الدول الأخرى من إزالته، وقد أدى الغرض من وجوده حتى الآن.
في مقال صحفي كتبه هافيلاند سميث، الضابط السابق في قسم «مكافحة الإرهاب» التابع لوكالة المخابرات المركزية، أعرب عن اعتقاده بأن أوباما قد تورّط منذ بدء حملته الانتخابية بخيار أن تكون له حربه الخاصة (مثل سابقيه من الرؤساء). فمن جهة أطلق الوعود بالانسحاب من العراق، ومن جهة أخرى، رد على اتهامات الجمهوريين له بالضعف والتخاذل، أعلن أنه سيخوض حرباً حقيقية في أفغانستان، ضد ابن لادن، نظرياً. وبعد أن وقع في هذا الفخ سلّم زمام أمور الحرب لمستشاريه العسكريين الذين لم يتوقفوا بعد عن التأكيد له أنهم قادرون على الانتصار في الحرب، دون أن يمتلكوا القدرة على تبيان عوامل تحقيق هذا النصر.
أغلب الاعتقاد أن الأمور أسوأ مما تبدو عليه. وأعتقد أن الحكومة الأمريكية قد تحولت جوهرياً إلى حكومة حرب، تحقق غاياتها وأهدافها من خلال شن الحروب على البلدان المضطربة والشعوب الصغيرة، حيث تتشابه جميع الحروب في خضم السعي المطلق لإدارة دفة العالم، وحاجة كل رئيس أمريكي لحرب تضمن له إعادة انتخابه.
ويليام بفاف: كاتب أمريكي متخصص بالعلاقات الدولية، والسياسة الخارجية الأمريكية.
المصدر: www.williampfaff.com