الأكبر من بين 77 مصرفاً مفلساً في 2009 إفلاس بنك «كولونيال»
لاتزال المشاكل تختبئ في زوايا القطاع المالي الذي مابرحت الأزمة تعصف به بسبب ما خلفته الاستثمارات السيئة وراءها من كوارث. فقد أُعلن مؤخراً عن إفلاس بنك «كولونيال»، بنك تسليف كبير كان قد ركب موجة الازدهار المفرط لسوق العقارات في أمريكا. ويعتبر هذا أكبر إفلاس مصرفي في عام 2009 وأحد أكثرها تكلفة منذ انهيار «آندي ماك بنك كورب» في السنة الماضية.
وضعت السلطات الأمريكية يدها على البنك، وأبرمت في الوقت نفسه صفقة لبيع فروعه وودائعه إلى بنك « BB&Tكوربوريشن»، وهو بنك يقع في ولاية كارولاينا الشمالية وقد انبثق من معمعة الأزمة المالية كواحد من أكبر اللاعبين في الصناعة البنكية. من المتوقع أن يكلف انهيار كولونيال المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع حوالي 2.8 مليار دولار. قامت السلطات الأمريكية أيضاً بإغلاق أربعة بنوك في بنسلفانيا، نيفادا وأريزونا، ما يرفع العدد الإجمالي للبنوك المنهارة هذه السنة إلى 77 مصرفاًً. يقول المحللون المصرفيون إن عدد البنوك المفلسة قد يصل بسهولة إلى عدة مئات خلال الأشهر الثمانية عشر القادمة، بينما لاتزال الأزمة تكبد سوق العقارات التجارية خسائر باهظة.
أغلقت السلطات في ولاية ألاباما بنك كولونيال بشكل رسمي بعد أن ظل ينازع على البقاء لشهور عدة. كان بيان ميزانية البنك مثقلاً بالقروض التجارية العقارية وقروض البناء، وكان وضعه المالي في تدهور متسارع ومستمر. في النهاية، حاول كولونيال أن يحصل على أموال إنقاذ من الحكومة الفيدرالية، لكن جهوده تلك أظهرت مخالفات محاسبية عدة قادت إلى تحقيقات جنائية قامت بها وزارة العدل ووزارة المالية. وفي هذا السياق يضمن الاتفاق مع BB&T بعدم تعريض مودعي بنك كولونيال إلى خسائر، لكن سيتم التخلص من حملة أسهمه.
تقدر «المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع» بأن مؤسسات التأمين المالي المدعومة ستكون مسؤولة عن جزء كبير من سندات كولونيال المالية البالغة 25 مليار دولار. ستتحمل المؤسسة المذكورة كل الخسائر على مجموع الأصول الأكثر عرضة للمخاطر بما فيها تلك التي يُعتقد بأنها كانت نتيجة نصب واحتيال. ستتقاسم الحكومة الأمريكية الخسائر مع BB&T على 15 مليار دولار أخرى تتألف بمعظمها من قروض تجارية عقارية وقروض بناء. سيتحمل الطرف الثاني الخسائر على الأصول المتبقية البالغة قيمتها 7 مليار دولار والتي ستنتقل إليه فوراً. وقد عرضت السلطات الفيدرالية ترتيبات مماثلة لتقاسم الخسائر لكي تجتذب مشترين محتملين إلى بنوك مفلسة أخرى.
مع توقع ارتفاع عدد البنوك المفلسة، زاد قلق مسؤولي المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع حول أموال تأمين الودائع التي استُنزفت لتبلغ 13 مليار دولار في نهاية الربع الأول (من العام الجاري), هذا هو آخر رقم متوفر. يعتري القلق أيضاً بعض الخبراء المصرفيين من كون المؤسسة قد تجد نفسها مضطرة إلى اللجوء لطلب اعتمادات طارئة من وزارة المالية من أجل تمويل قصير الأجل. هذا، بدوره، قد يزيد الضغط على الصناعة المصرفية لو قامت المؤسسة بفرض ضريبة باهظة أخرى على البنوك. وفي هذا يقول جاريت سيبيرغ، محلل السياسة المالية في واشنطن: «تحتاج البنوك إلى تلك الأموال لكي تقوم بإعادة بناء رأسمالها من أجل أن تكون قادرة على منح قروض أكثر».
أما شيلا بير رئيسة المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع فقد قالت في تصريح لها بأن المؤسسة تملك مصادر واسعة من التمويل، مشيرة إلى أن الخسائر التي سببها كولونيال هي أقل مما كان متوقعاً، في حين قال مسؤولون فيدراليون بأن BB&T دفع ثمناً باهظاً مقابل الحصول على ودائع كولونيال، خافضاً بذلك التكلفة الإجمالية التي ستتحملها المؤسسة .
إن شراء BB&T لكولونيال ليس كالاتفاقات الأخرى التي تحمي حملة السندات، إن دائني كولونيال سيتكبدون على الأرجح خسائر كبيرة، وليس كمثل صفقات مؤسسة ضمان الودائع مع «اندي ماك بانكورب» في كاليفورنيا وبنك «يونايتد» في فلوريدا، لأنه في هذه الحالة تم بيع كولونيال إلى بنك منافس، ولم توجد مؤسسات رهن خاصة في تلك الصفقة.
بالنسبة إلى BB&T تساعده هذه الصفقة على توسيع حضوره على امتداد الساحل الجنوبي الشرقي وصولاً إلى تكساس، حيث سيستحوذ المصرف على 346 فرعاً لكولونيال وعلى ودائع بقيمة 20 مليار دولار في ألاباما، فلوريدا، جورجيا، نيفادا وتكساس، وبذلك يصل إجمالي فروعه إلى 1800 فرعاً. سيصبح مودعو كولونيال زبائن BB&Tبشكل تلقائي، وسيستمرون بالاستفادة من تغطية ودائعهم بواسطة الحد الأدنى لضمان الودائع الفدرالية.
وبالنسبة لكولونيال، يمثل الإفلاس نهاية له بعد انطلاقة كبيرة بدأت مع الازدهار الكبير لسوق العقارات. أسس روبرت لودر، مصرف كولونيال في عام 1981 وضم إليه العشرات من الممتلكات. انتقل كولونيال من نظام الولاية إلى النظام الفيدرالي في عام 2003 عندما كانت الحظوة في واشنطن لمبدأ رفع القيود. لكن في حزيران 2008، عاد ثانية ليخضع لأنظمة ولاية ألاباما وقوانينها.
في كانون الأول، وافقت وزارة المالية على توظيف أكثر من 500 مليون دولار في البنك بشرط أن يقوم البنك بتوفير 300 مليون دولار من الرأسمال من مصدر آخر. في آذار، قال كولونيال بأن مستثمرين بقيادة «تايلور، بِيْنْ ومؤسسة وايتاكر» للرهون العقارية وافقوا على وضع 300 مليون دولار في البنك، لكن ذلك الاتفاق انهار في الشهر الماضي.
تخلى السيد لودِر، 67 عاماً، عن منصبه كرئيس ومدير تنفيذي لكولونيال في حزيران. بعد بضعة أيام أصدرت السلطات الفيدرالية أمر توقيف وكف، مطالبة البنك بزيادة رأسماله وتخفيض قروضه الخاسرة. وعلاوة على ذلك قال كولونيال إنه كان يواجه تحقيقاً جنائياً أمام وزارة العدل بسبب مخالفات محاسبية ارتكبها في منحه القروض العقارية.
«نيويورك تايمز»
ترجمة حسين علي- بوسطن- قاسيون