ضرب إيران عدوان أمريكي مبيت

حتى المحللون الأمريكيون يشككون في إدعاءات بوش ووزير حربه الذي تتعالى الأصوات المطالبة باستقالته، من أن الإدارة الأمريكية ليست منهمكة في وضع خطة حربية ضد إيران يُحتمل أن تستخدم فيها أسلحة نووية تكتيكية ضد طهران.

فبعد الكاتب الأمريكي المعروف سيمور هيرش الذي كشف أسرار مذبحة «لاي ماي» في فيتنام 1969، وتفاصيل تعذيب معتقلي أبو غريب في العراق، وأبعاد الوجود الإسرائيلي في شماله بعد الاحتلال، أكد الكاتب والمحلل العسكري الأمريكي ويليام آركين أن بوش ورامسفيلد يكذبان في نفيهما العزم على شن حرب على طهران لأن الخطط الحربية هُيئ لها بالفعل وبدئ بوضعها منذ 2003 عندما كانت القوات الأميركية في الشهر الأولى من حربها على العراق.

ففي ذلك الوقت شرع الجيش الأميركي في إجراء تحليل حول إمكان الدخول في حرب شاملة مع إيران أطلق عليها TIRANNT، وتعني "المسرح الإيراني على المدى القصير"، حيث ترافق التحليل المذكور مع وضع سيناريو تجريبي لغزو تقوم به فيالق من "المارينز" لإيران، فضلا عن وضع نموذج يحاكي قوة إيران الصاروخية.

وقد تم تجريب الخطة من خلال المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأميركية والبريطانية على ضفاف بحر قزوين. وخلال تلك المناورات لعب بوش دور القائد الأعلى للقوات الذي سيأمر بشن ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية. ولاشك أن كل تلك الاستعدادات ستقود في نهاية المطاف إلى وضع خطة حرب جديدة "لبدء العمليات القتالية" ضد إيران، وهي الخطة التي تؤكد مصادر دبلوماسية وجود مسودة لها في أدراج وزارة الدفاع الأمريكية وهي تشمل كافة الجوانب المتعلقة بالعمليات العسكرية على المديين القصير والبعيد بدءاً من حشد القوات المسلحة ونشرها، وانتهاء بعمليات فرض الأمن والاستقرار بعد تغيير النظام.

ومنذ شُرع في وضع هذه الخطة في أيار 2003 عندما قام المخططون وخبراء الاستخبارات بتجميع البيانات الضرورية لرسم السيناريوهات وتحليلها، ثم اختبار قدرتها على مواجهة إيران. ومنذ ذلك الحين والخطة تخضع لمراجعة دورية وتعديلات أساسية في ضوء المعلومات الجديدة حول أداء القوات الأمريكية بعد الحرب على العراق. وبينما عكف مخططو القوات الجوية على صياغة خطط لغارات جوية تنفذ ضد قوات الدفاع الجوي الإيرانية، قام المخططون في البحرية الأمريكية بتقييم الدفاعات الساحلية لإيران ووضع السيناريوهات اللازمة للسيطرة على مضيق هرمز في الخليج العربي. وقد تم وضع تقييمات دقيقة للسيناريوهات المختلفة التي تضمنتها الخطة العسكرية ضد إيران الرامية إلى تحديد الخيارات المحتملة للقوات الأميركية في حال شن حرب على إيران. وحسب مصادر عسكرية فقد عهد بهذه المهمة إلى الجنرال جون أبي زيد.

ومن جانبها ركزت قوات مشاة البحرية الأمريكية "المارينز" اهتمامها على تخصصها المتمثل في "الاجتياح عن طريق البحر". ففي نيسان 2003 نشرت قوات "المارينز" وثيقة سميت بـ"مفهوم العمليات" تشرح تفاصيل مناورة عسكرية ضد دولة وهمية، وتهدف أيضا إلى دراسة إمكان نقل القوات من السفن والبوارج الحربية إلى السواحل لمواجهة «عدو ما» دون إقامة قواعد على السواحل.

ورغم أن المناورات لم تسمِّ الدولة «العدو» بالتحديد واقتصرت على نعتها بدولة دينية ثورية اسمها "كارونا" تمتلك أسلحة دمار شامل، فإن الدولة المقصودة هي إيران دون شك. بالإضافة إلى ذلك تم وضع دراسة أخرى ترمي إلى تقييم القدرات الإيرانية في مجال الصواريخ انطلقت في 2004 وتعرف باسم BMD-I. وفي هذه الدراسة قام مركز التحليل التابع للجيش الأمريكي بتقييم أداء أنظمة الصواريخ الإيرانية والأمريكية وتحديد عدد الصواريخ التي يمكن لإيران أن تطلقها في حالة المواجهة العسكرية.

وبالنسبة لمهمة التخطيط اليومي أثناء الحرب في التعامل مع الصورايخ الإيرانية فقد أوكلت إلى مقر القيادة الاستراتيجية في "أوماها" بالولايات المتحدة، حيث وجه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في حزيران 2004 إلى القيادة بالاستعداد لتنفيذ COMPLAN 8022 وهي عبارة عن خطة عالمية للهجوم تتضمن إيران. وتقضي هذه الخطة بأن تكون الطائرات المقاتلة والصواريخ جاهزة للانطلاق خلال 12 ساعة من تلقي الأوامر الرئاسية.

ويخلص الكاتب الأمريكي إلى القول إن المخططين العسكريين يخشون أنه في حالة اتخاذ القرار بشن هجوم جوي على إيران في ظروف طارئة أن يأمر الرئيس باستعمال الأسلحة النووية التكتيكية. ورغم استبعاد الدخول في حرب شاملة مع إيران، أو البدء في هجوم مباغت على المنشآت النووية الإيرانية، إلا أنه في العالم السري للقيادة العسكرية ومخططي الحرب تشكل الخطط الحربية حقيقة يومية يتعامل معها بجدية بالغة.