نيبال إلى أين؟

بين نظام ملكي ديكتاتوري لا يلين إلا بالانتفاض عليه، وتمرد ماوي متمسك بالإطاحة بالمَلَكية بقوة الهجمات المسلحة، وأحزاب معارضة تقف بين طرفي النقيض رافضةً كل من الاستئثار الملكي بالسلطة من جهة وسفح دماء النيباليين من جهة أخرى، يبدو أن المشهد في نيبال يميل نحو المزيد من التعقيد رغم الانفراجات التي أعقبت ثلاثة أسابيع من التظاهرات والاحتجاجات التي شلت البلاد وخلّفت 14 قتيلاً وآلاف الجرحى وعشرات المعتقلين من صفوف المتظاهرين.

* الملك جيانيندرا الذي أعلن في شباط من العام الماضي استلامه مقاليد الحكم كافة وأعلن حالة الطوارئ بعد إقالة الحكومة متهماً إياها بالفساد وبأنها لم تتوصل إلى إنهاء عشر سنوات من نشاط الماويين، وافق في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وتحسباً من تظاهرة عارمة دعت إليها أحزاب المعارضة للمطالبة بالديمقراطية، وافق على إعادة البرلمان الذي حله في عام 2002 ملغياً آنذاك أشكال التعددية الحزبية في الحياة السياسية النيبالية. وقال في خطاب مقتضب له دام خمس دقائق أو أقل، والعصبية باديةٌ عليه، إنّ إعادة البرلمان، وهو مركز مطالب المعارضة، سوف تتم في التاسع والعشرين من نيسان داعياً "تحالف الأحزاب السبعة المعارضة إلى تحمل مسؤولية وضع الأمة على درب الوحدة الوطنية والازدهار، مع ضمان الحفاظ على السلم والديمقراطية متعددة الأحزاب."

* بوشبا كمال داهال زعيم المتمردين الماويين المتهمين بالمسؤولية عن مقتل 13 ألف نيبالي على امتداد العقد الماضي رفض عرض الملك إحياء البرلمان واصفاً ذلك بمناورة جديدة تهدف إلى ضرب الشعب النيبالي وإنقاذ النظام الملكي، داعياً الأحزاب السياسية إلى مواصلة الإضرابات والاحتجاجات حتى الإعلان عن إجراء انتخابات جديدة لتشكيل برلمان يتولى كتابة دستور جديد.

* أحزاب المعارضة السبعة، التي دخلت منذ تشرين الثاني الماضي في تحالف غير رسمي مع الماويين وأعلنت معهم منذ السادس من نيسان إضراباً مفتوحاً، رحبت بإعلان عودة البرلمان معلنة إنهاء الاحتجاجات وبدء الاحتفالات، وأن الحكومة المقبلة ستعلن وقفاً لإطلاق النار مع الماويين وتعمل على إدخالهم في الحياة السياسية النيبالية، وأنها ترشح رئيس الوزراء السابق غيريغا براساد كويرالا زعيم حزب المؤتمر أكبر أحزاب المعارضة لرئاسة الحكومة، علماً بأن قائد حزب المؤتمر رام شاندرا بوديل كان معتقلاً منذ ثلاثة أشهر مع زعيم الحزب الشيوعي النيبالي الماركسي اللينيني الموحد ماداف كومار نيبال قبل أن تطلق الحكومة سراحهما تحت وقع الاضطرابات والاحتجاجات في التاسع عشر من نيسان.

* آلاف النيباليين وفي مقدمتهم أنصار الحزب الشيوعي الذي ارتفعت اعلامه في الشوارع عبروا عن فرحتهم وسط العاصمة كاتمندو بما أكدوا انه انتصار للشعب ، ووصل بعضهم إلى بضع مئات من الأمتار عن القصر الملكي، دون أن يحاولوا اقتحامه مرددين شعارات تطالب الملك بالرحيل واصفين إياه باللص. كما طالب المحتفلون بشنق وزير الداخلية الذي يعد مسؤولاً عن القمع الذي قوبلت به التظاهرات في أنحاء البلاد واستخدم فيه الرصاص الحي والقنابل الغازية وما نجم عن ذلك من ضحايا ومصابين ومعتقلين من بينهم نساء وأساتذة جامعة وصحفيين وحتى موظفين محتجين في وزارة الداخلية.

* وبينما دعت واشنطن كالعادة رعاياها إلى مغادرة نيبال، حذّر فيليب ألستون، مقرر الأمم المتحدة حول الإعدامات دون محاكمة، ،  من جنيف السلطات النيبالية من خطر اتهامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فمنذ شباط 2005، جرى اعتقال مئات المناضلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

* لكن وفي رسالةٍ نشرتها المفوضية الآسيوية لحقوق الإنسان مؤخراً، اتهم 18 معارضاً محتجزاً في معسكر حربي شرقي كتماندو المجتمع الدولي بتأخير عودة الديمقراطية في نيبال، من خلال مساندته لمبادرة الملك.

وسط هذه التشابكات يبقى اللافت أن تحرك الأحزاب السياسية النيبالية كل على حدة بمختلف أشكال نضالاتهم وعملهم بمن فيهم الماويون ونشاطهم المسلح لم يؤت ثماره ضد المَلَكية المستبدة إلا عندما تحالفت هذه الأحزاب، وعبرت عن إرادة الجماهير وقادت تحركها في الشارع، وهو ما هز عروش المَلَكية في بلد  تقليدي كان يُنظر فيه للملك طيلة قرون وحتى الأمس القريب وكأنه إله هندوسي مقدس ولا يمس. غير ثنائية القمع المتفاقم من جانب السلطات الملكية من جهة وتنامي الوعي السياسي لدى الأحزاب السياسية النيبالية من جهة أخرى شجع النيباليين على الخروج إلى الشوارع ليحملوا على سبيل المثال محفة خشبية عليها دمية تمثل الملك وهو ميت ويهتفوا  «سنحرق التاج ونحكم البلاد» متوجهين بالنداءات إلى رجال الشرطة أن لا يطلقوا النار عليهم بل على الملك. وبدا واضحاً على امتداد الأسابيع الماضية أن المتظاهرين الذين ضموا في صفوفهم النساء والرجال والشباب كانوا يدركون تماماً أن هناك تضحيات تترتب على نضالاتهم ولذلك لم يأبهوا بالقمع الذي مورس ضدهم بل واصلوا التظاهرات حتى حققوا جزءاً أساسياً من مطالبهم منتزعين تنازلات من الملك الفرد المطلق. ويتوقع بعض المراقبين أن يحقق استمرار هذا الفعل الجماهيري للنيباليين على المدى المتوسط طموحهم بقيام نظام جمهوري ديمقراطي.