شافيز لولاية رئاسية جديدة: الآفاق والتحديات

بانتظار إعادة تنصيبه في شباط المقبل، أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز فوزه بفترة رئاسية ثانية مدتها ست سنوات حسب نتائج الانتخابات التي شهدتها فنزويلا مؤخراً مانحة إياه 62.57% من أصوات الناخبين مقابل 37.43% لمنافسه الليبرالي مانويل روزاليس.
وبينما اعترف هذا الأخير بهزيمته في الصناديق الانتخابية (التي بقيت مفتوحة قانونياً حتى تمكن آخر ناخب فنزويلي من الإدلاء بصوته)، معتبراً ترشيحه "بداية للنضال من أجل بناء مستقبل جديد وفنزويلا للجميع والانتصار الديمقراطي"، أكدت جميع المراكز والمؤسسات الإقليمية والدولية التي راقبت سير العملية الانتخابية بمن فيها مركز كارتر الخاص خلوها من أي خرق أو شائبة في حين أهدى الزعيم الوطني والأممي الفنزويلي فوزه لشعبه ولصديقه الحميم فيدل كاسترو ولأحرار العالم مؤكداً ما أشار إليه معظم المراقبين من الأصدقاء والخصوم على حد سواء بأن نجاحه يعد ضربة أخرى للنفوذ الأمريكي التقليدي في أمريكا اللاتينية.

لماذا شافيز؟

قبيل وصول شافيز للسلطة تمثلت الأوضاع في فنزويلا في زيادة الفساد السياسي وارتفاع معدلات الفقر، مما أدى إلى اتهام الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الاجتماعي المسيحي بالمسؤولية عن التدهور الاقتصادي وزيادة معدلات الفقر، وقد وصلت نسبة من هم تحت خط الفقر إلى ما يقرب من 80% مما أظهر حجم التناقض بين ما تملكه فنزويلا من ثروة وما يعيشه الشعب من فقر هو نتيجة للفساد السياسي للنخبة.
وانتخب شافيز لأول مرة في كانون الأول 1998، رئيسا لفنزويلا، وهو الذي سعى منذ قيامه بانقلاب فاشل في شباط 1992 لإعادة تشكيل المنظمات اليسارية والثورية في فنزويلا، وتمكن من تكوين جبهة "باولو باتريكو" التي نجحت في الحصول على نسبة تصويت وصلت إلى 34% من إجمالي الأصوات في انتخابات مجلس النواب التي أجريت في تشرين الثاني 1998.
 
تقليص ملموس لنسب الفقر في البلاد

ومنذ بداياتها سعت حكومة شافيز لتقليل الفقر وتحقيق المساواة الاجتماعية من خلال تحقيق التوازن في فرص الحصول على التعليم والصحة وخلق فرص عمل جديدة في الشركات الصغيرة والتعاونيات وتمكنت من تقليص الفقر بنسبة مشهودة بلغت 3.6%.
وهكذا كان شافيز أول حاكم من جيله يدرك حجم الإرهاق الذي تعاني منه القارة الأمريكية اللاتينية من الليبرالية الجديدة، وضرورة تحررها من أوهامها، فكان أول من اقترح إرساء قواعد جديدة للعبة على كل الجبهات: داخلياً من خلال الانفتاح على شرائح الفقراء من أبناء شعبه، إقليمياً من خلال عقد اتفاقات وإقامة تكتلات تخرج عن الهيمنة الأمريكية وتقدم بديلاً عن أدواتها، وخارجياً من خلال تحدي هذه الهيمنة حيثما كان ممكناً وفي كل أنحاء العالم. وهي ثلاثية جعلته في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم أول رئيس يطاح به بانقلاب عسكري دبرته واشنطن وعملاؤها، ويعيده شعبه خلال 72 ساعة أو أقل إلى مكانه في قصر الرئاسة ليتابع مهامه ومسؤولياته.

شافيز: فلسفة التحرر، نصرة الفقراء

في لقاء تلفزيوني له مع قناة الجزيرة في عام 2004 قال شافيز: «إن محاربة الفقر هي أساس ثورتنا (..) نحن نناضل في فنزويلا من خلال ثورة للقضاء حقيقة على الفقر لأن الفقر ليس معناه الفقر المادي بل الفقر الثقافي والروحي وعدم توافر المحبة للوطن، عندما يتخذ أحد منا هذا الطريق على الأقل في أميركا اللاتينية سوف يجد نفسه مواجها للرغبة الإمبريالية في الإبقاء على السيطرة على شعبنا لذلك فإن المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية تصبح أمرا محتوما».
وأضاف «إن النظرة الإمبريالية لدى واشنطن والنظرة التحررية لشعوب أميركا اللاتينية تعود إلى مائتي سنة من التاريخ أي منذ أيام بوليفار (..) ونحن في لحقيقة لا نخاف (..) ونحن الآن في حرب سياسية، في حرب هجومية (..) لأن أفضل وسيلة للدفاع هي في الهجوم، نحن في صدد معركة هجومية ولا أعني بذلك فنزويلا فقط بل هي أميركا اللاتينية التي تنتصب ثانية ضد الإمبريالية إذا أنت زرت أميركا اللاتينية (..) سوف تجد ملايين الرجال والنساء زنوجا وهنودا أطفالا وفقراء قد تعبوا من التصدي وتلقي الضربات لذا فهم في عملية هجومية وأنا واحد منهم». «ولمواجهة قوى الإمبريالية الأمريكية لا خيار لنا إلا الوحدة.. نتوحد في أميركا الجنوبية وأفريقيا وأوروبا».
 
معركة الوعي وتكتيك النجاح

إلى جانب معلمه وصديقه الزعيم الكوبي فيدل كاسترو يعد شافيز واحداً من الشخصيات السياسية والفكرية في أمريكا اللاتينية الذين يخوضون معركة الأفكار مع الإمبريالية الأمريكية بهدف تخليص شعوب القارة والعالم من النظرة الدونية القدرية للسياسات الاحتكارية الأمريكية. وفي هذا الصدد لم يكتف الرئيس الفنزويلي بالتنظير أو امتلاك الرؤية فحسب بل عكس ذلك في الخطاب والممارسة التي تقدم بدائل ملموسة للشعب الفنزويلي. فعلى سبيل المثال لا يتعدى سعر ليتر البنزين في فنزويلا 17 سنتاً بحيث يستطيع المرء بأربعة دولارات فقط أن ينتقل إلى أي مكان داخل العاصمة. وبهذا السعر الزهيد يعتبر البنزين في فنزويلا الأرخص في العالم، ويعزى ذلك كما هو معروف لدى جميع الفنزويليين إلى الدعم الحكومي للوقود ومراقبة الأسعار، وهي سياسة راسخة في البلاد ساهمت في خلق قناعة لدى المواطنين بأن لهم حقاً طبيعياً في الاستفادة من الخيرات البترولية التي تزخر بها بلادهم عوضاً أن تذهب بمعظمها لجيوب الشركات الأمريكية.
يقول أوسكار راؤول كاردوزو عضو المجلس الأرجنتيني للعلاقات الدولية:«يرى بعض الناس في شافيز رجل دولة مبدعاً تمكن من استغلال لحظة سحرية، تمثلت في الثروة المفاجئة التي هبطت على فنزويلا بعد ارتفاع أسعار النفط إلى عنان السماء، لتغيير قواعد اللعبة في بلاده.
وهناك بضعة مؤشرات رئيسية تدعم هذا الرأي، حيث حققت الاستثمارات الأجنبية مؤخراً نمواً كبيراً، من 5.1 مليار دولار أمريكي في العام 2004 إلى 5.2 مليار دولار أمريكي في العام 2005. وخلال هذين العامين حرص شافيز على التعجيل بالإصلاحات الاجتماعية من التعليم، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك فضلاً عن تفكيك مكامن التركيز المفرط للثروة في البلاد. وعلى الرغم من أن ما يزيد على 70% من الدخل الوطني ما زال بين أيدي 20% فقط من السكان، إلا أن شافيز نجح في إجبار شركات النفط الأجنبية الكبرى على دفع رسوم أعلى كثيراً، كما شرع في مصادرة الأراضي والمنشآت الصناعية غير المنتجة.
ومع ارتفاع أسعار النفط اليوم إلى ستة أمثال ما كانت عليه حين تولى السلطة، أشرف شافيز على نمو اقتصادي بلغ 9% في عام 2005 ونفس النسبة أثناء الربع الأول من العام 2006.
وتمكن القطاع الصناعي الفنزويلي من تصدير ما قيمته 48 مليار دولار من النفط خلال العام الجاري، وهو يتجاوز بثلاث مرات ما صدرته البلاد خلال السنة الرئاسية الأولى لشافيز.
ولم يقتصر إنفاق الجزء الأكبر من تلك الأموال على البرامج الاجتماعية من تعليم وصحة وغيرها، بل تجاوز ذلك إلى تقديم مساعدات خارجية إلى دول الجوار من أجل قطع الطريق على نفوذ الولايات المتحدة.
 
المخاطر والتحديات

يتميز الاقتصاد الفنزويلي بخاصية خطيرة هي الازدواجية، فقطاع النفط فيها متقدم للغاية مقارنة بالقطاعات الإنتاجية الأخرى وهذا ما يجعل الاقتصاد الفنزويلي أكثر عرضة لتقلبات أسعار النفط. ولهذا فهدف تنويع الاقتصاد مطلب أساسي لتحقيق التنمية.
وهكذا يتمنى خصوم شافيز أن تنتهي حياته السياسية بمجرد أن تبدأ أسعار النفط في التراجع (ولا يعلم أحد من أين أتوا بهذا الاحتمال في ضوء السياسات الأمريكية المكشوفة والهادفة إلى الاستيلاء على منابع النفط للحصول عليه بأسعار بخسة وتسعيره للخصوم والمنافسين والأعداء بأسعار مرتفعة) وبالتالي لا ينظر هؤلاء إلى شافيز بوصفه مبدعاً بل مجرد شخص يعمل على تبديد ثروة فنزويلا النفطية على نفس النحو الذي اتبعته بعض الحكومات في أعقاب الصدمات النفطية التي شهدتها فترة السبعينات.
ويبدو أن مستثمري القطاع الخاص يراهنون على ذلك، فمن بين كل عشر شركات فنزويلية أعربت واحدة فقط عن اعتزامها تنفيذ استثمارات متوسطة أو طويلة الأجل مثل تجديد المنشآت الصناعية القائمة أو بناء منشآت جديدة، ليُظهروا أنهم ينتظرون أول فرصة خارجية ليفروا متخلين عن شافيز أي بالأحرى عن بلادهم وفقراء بلادهم.
 
«البقاء للأصلح..»

وفي كل الأحوال لا يبدو في ظل الشعبية الواسعة لشافيز وسياساته من جهة واتساع المد اليساري الشعبي المناهض للسياسات الأمريكية في أمريكا اللاتينية من جهة ثانية، وتفاقم أزمات تلك السياسات في العالم من جهة ثالثة، أن رهان هؤلاء قابل للتحقيق في ظل ميزان قوى الصراع الدائر حالياً في فنزويلا اللهم إلا عبر العودة لأسلوب الانقلابات أو العمليات السرية التي ستكون بدورها حالة مؤقتة عابرة في سيرورة الوعي الشعبي المتكون مجدداً في فنزويلا والعالم.???