حوارات دمشق.. كسر للجليد وتنفيس للاحتقان
شهدت الأيام الأخيرة التي سبقت وصول رئيس السلطة الفلسطينية " محمود عباس" لدمشق عدة رحلات مكوكية لموفدين، حملا مسودة مقترحات للحوار بهدف تذليل عقبات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. مجال التحرك لم يتحدد بين رام الله- دمشق، بل توسع ليشمل " الدوحة " التي ساهمت قبل أشهر بجولات من الإتصال بين قيادتي " فتح و حماس " تمخضت عنه ماسمي حينها
" المبادرة القطرية " ذات النقاط الست. وصول " عباس" لدمشق كان خطوة هامة على أكثر من صعيد. كان تلبية لدعوة الرئيس " بشار الأسد " من أجل تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا الساخنة التي تعيشها المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية . القيادة السورية وعلى مختلف المستويات أكدت مجدداً، خلال لقائها مع الوفد الفلسطيني الزائر حرصها على وحدة الموقف الداخلي ورفضها وإدانتها لكل مظاهر الفوضى والإقتتال الداخلي، ودعمها اللامحدود لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، تستند على ثوابت العمل الوطني.
أثمرت الجهود السورية الهائلة، مع التحرك المباشر للعديد من قيادات القوى الفلسطينية -الجهاد الإسلامي بشكل أساسي – على تحقيق اللقاء بين «محمود عباس» و«خالد مشعل» بعد عدة ساعات من الترقب والحذر، أعقبت فشل انعقاده في موعد سابق. اللقاء لم يكن كما أشاع المتفائلون «إعلان التوصل لاتفاق حول حكومة الوحدة الوطنية» لأنه لم يعدُ كونه، محاولة كسر الجليد من جهة، وصب الماء البارد على الرؤوس الحامية، التي تشن عبر الفضائيات والمهرجانات حرباً عبثية مدمرة. لقد أكد البيان المشترك الذي صدر بعد اللقاء، اتفاق الطرفين على أربعة قضايا:
*رفض وتحريم الاقتتال الداخلي ووقف الحملات الإعلامية التحريضية.
*استكمال الحوار وجهود تشكيل حكومة الوحدة الوطنية خلال الأسبوعين القادمين ودعم الحوار الذي استؤنف في غزة في إطار لجنة القوى الوطنية.
*الشروع خلال شهر من تاريخه في خطوات تفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كما ورد في إعلان القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني.
*التأكيد على تمسكنا بحقوقنا وثوابتنا الوطنية ورفض الدولة ذات الحدود المؤقتة .
إن أبرز ماتضمنه البيان يمكن اعتباره إعادة تكرار للمواقف السابقة للفريقين، خاصة الدعوات برفض الإقتتال وتحريمه، ووقف الحملات الإعلامية، وكذلك المواعيد التي يتم تحديدها لإعلان تشكيل الحكومة أو إعادة بناء المنظمة. وللتذكير فإن ماتقرر في حوارات القاهرة قبل عامين تقريباً «آذار 2005» حول تفعيل المنظمة لم يجد طريقه للتنفيذ. إن بدء جلسات الحوار الوطني التي باشرت أعمالها في مدينة «غزة» تأتي بعد مشاورات عديدة لعبت خلالها «الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي» أدوراً مميزة لتقريب وجهات نظر الفريقين «فتح وحماس» وجمعهما حول طاولة حوار تشارك فيها كافة القوى الفلسطينية ونائب رئيس المجلس التشريعي. كما ساهم التوافق على تشكيل لجنة تحقيق لمتابعة كل التفاصيل المتعلقة بعمليات القتل والاختطاف التي شهدها القطاع مؤخراً، ومحاسبة الفاعلين عليها، التقدم بخطوات إجرائية هامة على طريق ضبط حركة الخلافات. لكن المخاوف الكامنة عادت للظهور مجدداً، بعد أن برز التباين بين الطرفين حول مااحتواه البيان المشترك حول مدة الأسبوعين الملزمة لتشكيل الحكومة. عضو الوفد المرافق «صائب عريقات» أكد أن (الحوار سيستمر لأسبوعين) مضيفاً (إذا لم نتوصل إلى حكومة بإمكانها أن تكسر الحصار في أسبوعين، فإن خيارات «عباس» واضحة للغاية في إجراء انتخابات مبكرة). المتحدث الرسمي بإسم «حماس» إسماعيل رضوان قال (لايوجد سقف زمني لهذا الحوار لكونه حواراً وطنياً شاملاً سيتطرق إلى قضايا مصيرية ومهمة، ولاينبغي أن يكون النقاش حولها تحت ضغط الوقت). في ظل هذا الفهم الثنائي للحوار ومدته، يأتي تصريح أحد قادة «الجبهة الشعبية» وعضو لجنة المتابعة الوطنية العليا «كايد الغول» ليسلط الضوء على المداولات العامة حول الموضوع (مسألة السقف الزمني للحوار ستكون إحدى نقاط البحث، ولاأستطيع الجزم كيف سيكون الموقف، لكن الغالبية مع تحديد سقف زمني، غير انه يجب أن نتعامل بمرونة مع الوقت ولانضعه سيفاً مصلتاً علينا، كما يجب أن لايبقى الحوار مفتوحاً إلى مالانهاية). في ظل هذه التوجهات لكل طرف، يبدو أن التوافق على إيجاد مخرج سريع للأزمة المستعصية مازال بعيداً، بالرغم من التسريبات التي تحدثت عن إتفاق «عباس ومشعل» على عقد لقاء وطني موسع في «القاهرة» تشارك فيه جميع القوى الوطنية، يتم خلاله إعلان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
لقاء دمشق لم يستطع تذليل العقبات التي تعترض سبل التوافق، خاصة مع المداولات التي تركزت حول «كتاب التكليف الرئاسي للحكومة وتوزيع المقاعد الوزارية». إن ماسيتضمنه الكتاب يعتبر برنامج عمل أية حكومة، ولهذا فإن التوقف عند بعض الكلمات والصياغات لايمكن اعتباره «فذلكة» لغوية فقط. فما بين «الإلتزام» بالقرارات الدولية والاتفاقيات الموقعة بين الأطراف، و«الاحترام» لها تتحدد المواقف الأساسية لكل طرف، ولهذا فإن قياس أي عبارة أو موقف يجب أن يتم بميزان المصالح الوطنية للشعب وليس برغبات قوى الهيمنة العالمية. إن حرص البعض على أن يلتزم الفلسطينيون بالاتفاقيات والتفاهمات والمبادرات، بالرغم من سحق جنازير دبابات العدو الصهيوني لها، لايعدو كونه محاولة «تملق ونفاق» جديدة تجاه كيان العدو، توفر له الغطاء والدعم للمزيد من جرائمه. هذه المذابح التي لم تتوقف لساعة واحدة، فما بين الاغتيال والقصف وتوسع المستعمرات وتهويد مدينة القدس ومصادرة المزيد من الأراضي، يتكثف على أرض الواقع المشروع الصهيوني العنصري .
إن استحقاقات المرحلة القادمة بما تحمله من مخططات استعمارية دموية جديدة، في فلسطين، تتطلب قيام أوسع التحالفات الوطنية / التنظيمية، المستندة على برنامج عمل وطني جذري، بهدف إشراك جميع القوى والمنظمات الجماهيرية والشخصيات الوطنية، للتصدي لهذه الهجمة الإمبريالية الجديدة. إن مهمة إعادة إحياء وتفعيل منظمة التحرير، الملتزمة بميثاقها الوطني، تبدو في هذه المرحلة الحاسمة حاجة وطنية وضرورة كفاحية.