«المعتدلون العرب»: جردة حساب!

لنبتعد قليلاً عن التوصيف السياسي والإيديولوجي لمصطلح المعتدلين العرب، ولنتوقف عند السلوك العملي لهؤلاء سواء أكانوا حكاماً أم مثقفين أو «عواينية»، إزاء المخاطر التي يتعرض لها الوطن والمنطقة، ومدى علاقة هؤلاء بأعداء الخارج ومخططاتهم!

... يوم وطأت قدما الجنرال غورو ساحل بيروت سارع «المعتدلون» من الزعماء في سورية ولبنان لاستقباله، وبالمقابل سارع حماة الوطن من فقرائه على طول الساحل السوري ـ اللبناني، لإعلان النفير والمقاومة وأصبح شراء البارودة آنذاك مرادفاً للشرف والدفاع عن الأرض والعرض وليس للتقاتل الداخلي.
.. ويوم وجه غورو إنذاره الشهير كان للمعتدلين أيضاً القرص الأكبر في نظرية «الاعتدال»، بأن أعلنوا [حكومة فيصل] حل الجيش وقبول الإنذار بحجة الخلل في ميزان القوى وأن العين لا تقاوم المخرز. لكن البطل يوسف العظمة ورفاقه، المتهمين من معتدلي ذلك الزمن وبعض معتدلي هذا الزمن الأغبر، قلبوا الطاولة على المتخاذلين وقرروا المواجهة والمقاومة وسوّروا دمشق بأجسادهم وسطروا الملحمة الأسطورية دفاعاً عن الوطن، حيث توّج الشهيد يوسف العظمة رمزاً خالداً للمقاومة أكثر حياة من الذين هربوا من ساحة النزال.
... ويوم وافق «المعتدلون» على قرار المحتل الفرنسي بتقسيم سورية إلى دويلات، وتولوا فيها المناصب الذليلة سارع «المتطرفون» من كل سورية إلى رفض هذا الخيار وقرروا متابعة طريق الشرف الذي سلكه يوسف العظمة والتزموا خيار المقاومة تحت شعار: «الدين لله والوطن للجميع»، وكانت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، تلك الثورة التي كانت بداية النهاية لوجود المحتل في بلادنا، ولم يكن «للمعتدلين أي دور في هذا الشرف الوطني...!»
... وإذا كان «المعتدلون» من أهل فلسطين قد وافقوا على بيع الأرض للصهاينة بالأصفر الرنان، فعلى النقيض من هؤلاء دخل المقاومون الفلسطينيون السجل الذهبي لذاكرة الأجيال، وأضاءوا سراج المقاومة ضد المحتل الصهيوني حتى الآن. وأصبح الفرز واضحاًَ اليوم بين «المعتدلين ـ المتسولين»، وبين المقاومين المتمسكين بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني...
... وإذا كان أبرز «المعتدلين» العرب السادات المقبور قد تعهد أمام كيسينجر «بأن حرب 1973 هي آخر الحروب ضد إسرائيل»، فإن واشنطن وتل أبيب ردت التحية على السادات ومن والاه من الحكام العرب. وبعض «المثقفين المعتدلين» بالمذابح والاحتلال من عملية الليطاني 1978 إلى احتلال العراق 2003، والحرب المفتوحة على المقاومة أينما وجدت بحجة الحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
... واللافت هنا إن دور «المعتدلين العرب» لم يعد يقتصر على التواطؤ المستتر، بل سبقوا الغزاة بوصفهم للمقاومين الأبطال بالمغامرين والمقامرين والتهورين. وحتى بعد أن حققت المقاومة اللبنانية انتصاراً غير مسبوق على جيش الاحتلال باعتراف الصهاينة أنفسهم، ليس فقط لم يقتنع هؤلاء بهذا الانتصار، بل انتقلوا إلى استخدام السلاح الأخطر رداً على الانتصار في حرب تموز ألا وهو سلاح الطائفية وبأن ما حدث «هو مؤامرة شيعية على السنة...!!».
وإذا كانت وزيرة الخارجية الأمريكية قد أنجزت جولتها الثامنة على «المعتدلين العرب» من الرياض إلى بيروت وأطعمت بعضهم على مائدتها وحددت لهم الأدوار المطلوبة منهم في إطار المواجهة مع المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان وتهديد سورية وإيران، فإن أمير قطر يستقبل هذه الأيام بحفاوة علنية شمعون بيرس جزّار أطفال قانا ومهندس سلاح الذرة الإسرائيلي والقيادي في جميع الحروب التي شنها الكيان الصهيوني ضد العرب.
... عودة على بدء... نحن في سورية أيضاً لدينا «معتدلين» مثل أقرانهم على الساحة العربية. فمنذ أن تجرأ بعض هؤلاء على القول: «بأن شمس الحرية بدأت تسطع على العالم وإن أمريكا اعترفت بخطأ دعمها للأنظمة الدكتاتورية...» بدأ بعض «المعتدلين» في سورية يشككون بجدوى خيار المقاومة ويحذرون من عواقبه وصولاً إلى التشكيك بوطنية من يطالب بوضع قضية تحرير الجولان كأولوية وطنية على جدول الأولويات العملية. ولعل الدور الأخطر الذي يلعبه «المعتدلون» في سورية حتى الآن، هو منع أية إمكانية لخلق اقتصاد مقاوم عبر الهجوم المتدرج على لقمة الشعب واللهاث وراء تكريس نهج الليبرالية الجديدة التي تفضي إلى الخراب الاقتصادي العام وأضعاف مناعة الوطن وهو جل ما يخطط له التحالف الامبريالي الأمريكي ـ الصهيوني ضد سورية ومنعها من استلام زمام المبادرة الاستراتيجية والتزام وتوحيد خيار المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى سورية إلى العراق إلى إعادة الاعتبار إلى مفهوم حركات التحرر الوطني في المنطقة ضد مشروع الشرق الأوسط الكبير وما يتضمنه من قنابل عنقودية طائفية وعرقية ومذهبية!    

آخر تعديل على السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2016 15:04