«اعتقال أكثر من 850 من كوادرنا لن يمنعنا عن مواصلة الكفاح والمقاومة..» الرفيق د. ماهر الطاهر: «نحتاج إلى حوار فلسطيني وطني شامل يضع القوى أمام مسؤولياتها»
ماذا بعد توقيع اتفاق مكة بين فتح حماس؟ أين دور فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية مما جرى ويجري على الساحة الداخلية الفلسطينية وكيف يمكنها أن تتدخل لإعادة الصراع إلى جبهة الأساسية؟ ما هي حدود الأزمة الفلسطينية وما علاقتها بصراع المشاريع في المنطقة؟ لماذا ضعف الأداء العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وما ضرورة رد الاعتبار لمنهج المقاومة الفلسطينية المسلحة؟ أسئلة توجهت بها قاسيون إلى الرفيق الدكتور ماهر الطاهر عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان الحوار التالي:
د. ماهر الطاهر، في ضوء فشل الاتفاقات السابقة بين فتح وحماس، إلى أي حد يستطيع المواطن الفلسطيني أن يضمن صمود اتفاق مكة بين الجانبين، وما هي برأيك عوامل ذلك؟
الحركتان كلاهما تدركان اليوم أن ما جرى من اقتتال دموي كان جريمة كبرى وترك انعكاسات سلبية كثيرة في الداخل الفلسطيني وفي الشتات. ولقد جرى في مرات عديدة الحديث عن وقف الاقتتال ولكن كان في مرات عديدة يتكرر.. في هذه المرة جرى اتفاق في مكة ونحن مرتاحون بالتوصل لاتفاق يوقف الاقتتال، لكن بصراحة أقول إنه كان ينبغي أن يجري حوار وطني فلسطيني شامل لترتيب البيت الداخلي، لأن المشاكل التي نواجهها بالأساس ناتجة عن خلافات سياسية وعدم وجود برنامج قواسم مشتركة، يجمع القوى الوطنية والإسلامية كافة. وإن جذر المشكلة السياسية هو أن اتفاق مكة هو اتفاق ثنائي بين فتح وحماس. ونحن نأمل أن يصمد هذا الاتفاق وأن لا تتكرر المشكلة تلك وأرجح أن يتم الالتزام بهذا الاتفاق ـ بالمعنى الميداني. ولكنه بصراحة لن يحل مشكلات الساحة الفلسطينية لأننا مازلنا بحاجة إلى حوار وطني فلسطيني شامل لوضع جميع القوى أمام مسؤولياتها والتوصل إلى برنامج قواسم مشتركة سياسي يقوم على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية ويقوم على قاعدة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية...
. . . وما هي معالم هذا البرنامج وعناصره؟
هناك وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باسم وثيقة الأسرى، الأسرى داخل سجون الاحتلال. هذه الوثيقة تم نقاشها في إطار الفصائل والقوى الفلسطينية وتم الاتفاق عليها، ولكن بصراحة فإن الاتفاق الذي جرى في مكة وكتاب التكليف الذي سيُعطى لرئيس الوزراء يتحدث عن احترام الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و«إسرائيل». ونحن لسنا مع هذا الاتجاه على اعتبار أن وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني لا تتحدث عن التزام أو احترام لهذه الاتفاقيات، وبالتالي فنحن نعتقد أنه جرى هبوط في السقف السياسي عن وثيقة الوفاق الوطني وهذا الهبوط لا مبرر له لأن الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني يمارسان ضغط على الشعب الفلسطيني ليقدم تنازلات ويقبل بالإملاءات الأمريكية الصهيونية، من شاكلة قرارات اللجنة الرباعية التي تدعو إلى نبذ ما يسمى بالعنف والإرهاب والالتزام بالاتفاقات الموقعة وإلخ..
نحن نقول إن هناك وثيقة وفاق وطني وهي التي تم التوافق عليها بين غالبية الفصائل الفلسطينية، وهي التي ينبغي أن تشكل برنامج الحد الأدنى الذي يمكن أن نقبل به، وإن أي هبوط عن وثيقة الوفاق الوطني ليس مقبولاً بالنسبة لنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...
. . . وما ضرورة وحجم دور المقاومة المسلحة في هذا الوثيقة؟
ضمن إطار وثيقة الوفاق الوطني هناك حديث واضح عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة ونحن في الجبهة الشعبية نرى بأن حق المقاومة حق مقدس وخط أساسي من خطوط عملنا في المرحلة القادمة، لأن إسرائيل تريد بالأساس وقف الانتفاضة ووقف المقاومة ضد الاحتلال وهذا ما لا ينبغي علينا القبول به بأي شكل من الأشكال. ولذلك نحن في الجبهة شعبية كنا ولا زلنا نؤكد باستمرار على حق المقاومة بالنسبة للشعب الفلسطيني. طالما أننا نخضع للاحتلال فمن حقنا وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي أن نقاوم هذا الاحتلال بمختلف الوسائل وفي مقدمتها الكفاح المسلح.
إذا ربطنا بين هذه القضية وسابقتها نلاحظ أن الفصائل الفلسطينية أبدت رأيها عموماً بما جرى مؤخراً، ولكن كيف يمكن لها أن تتدخل لإعادة الأمور باتجاه الصراع الأساسي مع المحتل الصهيوني؟
أعتقد أنه من المطلوب أن يتم حوار وطني فلسطيني شامل، مثلما هو مطلوب العمل لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. ونحن في الجبهة الشعبية نعتبر أن الموضوع الأساسي هو موضوع منظمة التحرير بوصفه المدخل الأساسي والضروري لأن منظمة التحرير هي الغطاء الجامع والموحد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهي المرجعية العليا للشعب الفلسطيني، وهي ممثل الشعب الفلسطيني. مطلوب أن نعمل على إعادة بناء المنظمة وتفعيل مؤسساتها والإعداد لعقد مجلس وطني فلسطيني (برلمان) تشارك به كافة القوى الوطنية والإسلامية من أجل ترتيب البيت الداخلي والاتفاق على برنامج عمل سياسي لمنظمة التحرير يقوم على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية هذا برأينا هو الطريق الأساسي لمعالجة الأوضاع الداخلية في الساحة الفلسطينية.
ولكن يبدو واضحاً أن الساحة الداخلية الفلسطينية شأنها شأن ساحات عربية أخرى دخلت طور تنازع مشروعين أساسيين في المنطقة، مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الصهيوني بوسائله وأدواته وأزلامه والمشروع المضاد المقاوم، كيف ترون في الجبهة الشعبية مجريات هذا الصراع وآفاقه، على المستويين الفلسطيني والإقليمي؟
أوافقك الرأي أن الإدارة الأمريكية تعمل من أجل فرض ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد التي تحدثت عنه رايس إبان العدوان الصهيوني على لبنان، وبالتالي هناك مخطط ومشروع أمريكي يستهدف السيطرة على المنطقة وإخضاعها بما ينسجم مع المصالح والمخططات الأمريكية، ومن هنا جاء احتلال العراق، ومن هنا جاء العدوان الصهيوني الغاشم على لبنان، ومن هنا جاءت الاعتداءات الصهيونية المتكررة في فلسطين والحرب الهمجية التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني، ومن هنا موضوع الضغوطات المتواصلة على سورية بسبب مواقفها المتمسكة بالحقوق. ولذلك فإننا أمام مشروع يستهدف فعلاً إخضاع المنطقة والسيطرة عليها لأن هذا المشروع يواجه بمقاومة باسلة سواء من الشعب العراقي أو من الشعب اللبناني أو الشعب الفلسطيني وصمود سورية أيضاً في مواجهة هذا المخطط، وبالتالي هناك فعلاً مشروعين: مشروع أمريكي إسرائيلي ومشروع مقاومة وممانعة سواء على المستوى الفلسطيني أو المستوى العربي. وهنا أرى أن قوى المقاومة سواء في العراق أو لبنان وفلسطين وأيضاً من خلال التحالفات العربية، علينا أن نعمل لبناء جبهة واسعة تضم كل القوى المناهضة للمشروع الأمريكي الصهيوني من أجل التصدي لهذا المشروع وهو الذي يتعسر ويواجه عقبات حقيقية، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مأزقاً فعلياً في العراق وقد بدأ يعطي انعكاساته على صعيد الساحة الأمريكية. وكذلك فإن هذا المشروع يتعثر في فلسطين أيضاً ويواجه بمقاومة. وفي لبنان أيضاً فشل المشروع الأمريكي عندما صمدت المقاومة اللبنانية وسجلت درساً كبيراً في القدرة على المقاومة والصمود وإلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي الذي لم يتمكن من تحقيق أي هدف من أهدافه. وبالتالي فإن المطلوب من كل قوى الممانعة هو أن تعمل على بناء جبهة متراصة لمواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
اسمح لنا بسؤال أخير سؤال أخير، هل ضعفت القدرة العسكرية لدى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي التي نفذت عمليات بطولية لا تزال صورها حاضرة في الوجدان العربي ككل؟
لا شك أن التطورات الكبيرة التي حصلت في المنطقة والتي حصلت في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سابقاً والتطورات العاصفة على المستويين الدولي والعربي، تركت بمجملها تأثيراتها على مختلف القوى الثورية في العالم. وبالتالي فإن قوى اليسار بشكل عام عاشت ولا تزال ظروفاً صعبة. ولكن على الرغم من ذلك فإننا نلحظ أن هناك في أمريكا اللاتينية نمواً للقوى التقدمية واليسارية التي تسجل يوماً بعد يوم انتصارات لافتة للنظر. ومما لا شك فيه أننا في منطقتنا وبوصفنا جبهة شعبية، كتيار مقاوم ذي تنظيم مستقل، نعيش ظروفاً صعبة، وبالتالي نواجه صعوبات كبيرة على المستويات والأصعدة المختلفة. وأنا أعترف بأن فاعليتنا الميدانية العسكرية تراجعت لأسباب موضوعية ولأسباب ذاتية أيضاً بحكم الضربات المتواصلة التي تعرضنا لها باغتيال الأمين العام السابق، الشهيد أبو علي مصطفى على أرض الوطن، واعتقال الأمين العام أحمد سعادات، واختطافه من سجن أريحا، ومن ثم اعتقال نائب الأمين العام عبد الرحيم مرزوق، واعتقال عدد كبير من القيادات في الضفة الفلسطينية من أعضاء في المكتب السياسي وأعضاء في اللجنة المركزية واعتقال أكثر من 850 كادر من نشطائنا على أرض الوطن في الضفة الفلسطينية وحدها. ولاشك أن هذه الضربات المتتالية التي وجهها العدو الصهيوني لها آثار سلبية، ولكن رغم كل الظروف الصعبة التي نعيشها لازلنا نعمل بكل إمكاناتنا لمواصلة الكفاح ومواصلة المقاومة. ونحن على ثقة أننا سنتمكن من مواجهة هذه الظروف المعقدة المحيطة بنا.
ونحن بدورنا نتمنى لكم كل النجاح في تحقيق أهدافكم النضالية التي هي أهدافنا في نهاية المطاف لما فيه من تدعيم لجبهة الكفاح ضد العدو المشترك .
■ حاوره: جهاد أسعد محمد