بيونغ يانغ ولغز كسب الوقت

باختلاف زوايا النظر للموضوع وشموليتها تتباين قراءة مستجدات ما يعرف بالملف النووي الكوري الديمقراطي وما واكبه من محادثات سداسية، والتي خلصت إلى ما يجري تداوله إعلامياً بوقف البرنامج المذكور.

فوق الطاولة تخلت بيونغ يانغ عن برنامجها النووي ووعدت بتفكيك منشأتها النووية الرئيسية مقابل وعود غربية، أمريكية بالتزويد بالنفط والطاقة، بموازاة تمكن واشنطن بالاستعانة بحلفائها من دفع الأولى نحو التخلي أيضاً حتى عن شرطها بالتعامل الندي والمباشر مع الثانية..

تحت الطاولة عملياً، تحتفظ بيونغ يانغ بكافة أوراق ملفها النووي وكل التقدم الذي أحرزته بهذا المجال بدليل أنها أكدت «مستدركة» أنها بصدد التعليق المؤقت وليس الوقف النهائي لبرنامجها النووي. وهي تحمل هذه الأوراق  لكي تبرزها رغم وجود المفتشين العائدين افتراضاً، في أي وقت تحاول فيه واشنطن ممارسة الضغط الابتزازي عليها سواء في هذا الملف أو غيره، بدليل أن كريستوفر هيل المفاوض الأمريكي في المحادثات السداسية تحدث عن أن الملف لم ينته وأن اتفاق بكين الأخير هو بداية طريق طويل ينبغي على بيونغ يانغ إثبات حسن النوايا فيه والوفاء بتعهداتها.

وفيما بين المستويين ومقابل الترحيب الرسمي المعلن من جانب البيت الأبيض هناك أصوات أمريكية تنتقد بوش لموافقته على اتفاق بكين لأنه يظهر ضعف واشنطن حسب تصريحات السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، إلى جانب أصوات أخرى أشارت إلى أن بيونغ يانغ استطاعت انتزاع الاعتراف الأمريكي بها ورفعها عن لائحة العقوبات، لتظهر بالتالي بين ثنايا حدي الموضوع معطيات تبدو أكثر عمقاً، تشير إلى أن بيونغ يانغ تثبت أنها أكثر مهارة في لعبة كسب الوقت مع واشنطن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأولى تحتاج لإحداث ثغرة في طوق محاصرتها دولياً، والثانية المأزومة في العراق وأفغانستان تلهث في بحثها عن نصر ما لتسويقه في الداخل والخارج، ولكن بيونغ يانغ بعد التقاط الأنفاس ستمتلك أكثر من خيار في التنصل من الاتفاق وإعادة الأمور إلى المربع الأول، فهي تتعامل مع أربعة أطراف أخرى غير واشنطن، فإذا ما تعرضت لضغط من أي منها سيكون ذلك سبباً وجيهاً مثل قضية المفقودين أو المختطفين التي تلوح بها طوكيو أو مثل أي شرط تعجيزي في المحادثات المزمع استئنافها حول إعادة توحيد شطري كورية مع سيؤول، في حين أن واشنطن ستحتاج لإقناع شركائها في الاتفاق (وهم عملياً خصومها الاستراتيجيين في كل من موسكو وبكين)، بخصوص أي خطوة تصعيدية تريد اتخاذها بحق كورية الديمقراطية.

لكن ربما يكون السؤال الأبرز هو لماذا مع اقتراب العدوان على إيران تعقد بيونغ يانغ هذه التسوية لتظهر كأنها خطوة استراتيجية تراجعية؟ بعض معالم الجواب ربما تحتاج لمنظور آخر يضع المسألة في إطارها الأوسع. وبهذا المعنى فإن بيونغ يانغ عادت إلى لعبة تمرير الكرات مع طهران (المغضوب عليها أمريكياً إسرائيلياً هي الأخرى بذريعة برنامجها النووي) ومع المؤسسة العسكرية الروسية ذات الاتجاهات الوطنية المناهضة لسياسات الكرملين والطغمة المالية المتنفذة في روسيا، وذلك من أجل إيحاء البيت الأبيض أنه انتهى أو يكاد من المسألة الكورية النووية، فتلتقط بيونغ يانغ بعضاً من أنفاسها.  أي أن هذه الجبهة غير المعلنة المناهضة لواشنطن تريد تشتيت  الضربة الأمريكية والعودة لا حقاً  إلى حالة الفرز الحقيقي للقوى على المستويين الإقليمي والدولي في إطار صراع كوني مع مشروع الهيمنة الأمريكية، وهو صراع يمتد من منطقة شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية مروراً بأفريقيا والمنطقة العربية التي لا ترتقي، بالمناسبة، أو لا تريد أنظمتها، بالأحرى، الارتقاء إلى مستوى اللعب مع الكبار وتوفير مقدماته ومسلتزماته.

للحديث بقية، فالملف لن ينتهي على المدى المنظور.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:08