عن مشروع الشرق الأوسط الجديد -2-
طالعتنا جريدة الأهرام (المصرية) صباح السبت 10 آذار بخبر نصه (طالب السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية السلطات الإسرائيلية بالتحقيق الفوري وتقديم تقرير شامل في قضية ضلوع وحدة للجيش الإسرائيلي في قتل الأسرى المصريين خلال حرب حزيران 1967، لإظهار الحقيقة كاملة.
وشدد على ضرورة أن تنظر الحكومة الإسرائيلية في القضية وتتخذ الإجراءات المناسبة فيها، حتى تحصل على ثقة الشعب المصري). وأوضح وزير الخارجية الذي عاد إلى القاهرة من تونس، (إن قطع العلاقات مع إسرائيل ليس المنهج الأمثل، مؤكدا قدرة مصر على التحدث والاتصال واستيعاب المسائل).
ومن حق القارئ أن يتساءل: ما علاقة هذا الخبر بمشروع الشرق الأوسط الجديد؟
والحقيقة أن هذا الخبر يجسد جوهر وعمق المشروع (السلام الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية)، ذلك أن الأحداث المتفرقة الجارية إنما تمثل أنساقاً معينة وسياقات معينة، وبالتالي فلا يجب أن نتعامل معها كأحداث مبعثرة، فنغضب من الحدث ثم ننساه بحدث جديد، وهكذا. فهذا الخبر بألفاظه المنتقاة بعناية يؤكد أن صاحبه يندفع بسرعة الضوء إلى حيث يريد العدو الأمريكي الصهيوني لمصر، التي يريدها عاجزة مشلولة تتسول العطف من عدوها، يريدها العدو بليدة الحس لاتنفعل مهما أصاب أبناءها، يريدها بوضوح ميتة.
الوزير بموقفه هذا يعبر عن نفسه وعن السلطة التي ينتمي إليها، وعن طبقة الكمبرادور الذليلة الغاصبة للثروة وللسلطة في بلادنا.
لا أعرف ما هي الإجراءات المناسبة التي يريدها أبو الغيط من الدولة اليهودية، ولا أعرف إذا كان يدرك أن الدولة اليهودية لن تحصل أبدا على ثقة الشعب المصري، مثلما أن الشعب المصري لا يثق في حكومة أبو الغيط والطبقة التي تمثلها.
فإذا كان لايعرف هذه الأمور، فالأولي به أن يصمت وألا يتعمد استفزاز الناس بالقول (إن قطع العلاقات مع إسرائيل ليس المنهج الأمثل) وتأكيده على (قدرة مصر على التحدث والاتصال واستيعاب المسائل).
فالعدو أقام الدنيا حينما تم أسر جندي في غزة، وشن حربا وحشية بحجة أسر اثنين من جنوده في لبنان. ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا ما تم أي انتقاد للكيان اليهودي أو فضح أي أكذوبة يهودية، ويعمل على تدمير من قام بهذا بسلاح معاداة السامية!!
أما أبو الغيط فهو لاينفعل أبدا لقتل المئات من أبنائنا الأسرى العزل لأنه دبلوماسي جدا جدا!!!
هنا نصل إلى بيت القصيد، إلى العلاقة بين الخبر وعنوان الموضوع. ذلك أن أبو الغيط برقته وعذوبته في التعامل مع هذه القضية الخطيرة إنما يوفر الشروط الموضوعية لمشروع (الشرق الأوسط الجديد) بتكريس المفهوم الإسرائيلي للسلام (أي الخضوع الذليل).
والأخطر تقويض الدولة الوطنية بتصفية ما تبقي من عناصر قوتها بنفي أي إرادة أو استعداد لحماية أمنها الوطني.
إن عناصر مشروع ( الشرق الأوسط الجديد) تتسرب إلى الجسد المصري والعربي بهدوء، تتخلل مسامه دون حاجة إلى مؤتمرات وأساليب تقليدية وبوسائل مراوغة. تقتحم على المستوى الاقتصادي والسياسي. فإذا كانت الكويز والبترول والغاز والسياحة وغيرها في مجال الاقتصاد هي من عناصر المشروع، فان موقف أبو الغيط والمواقف الكثيرة الشبيهة في السياسة هي تنفيذ للمطلب الإسرائيلي وهو السلام على الطريقة الإسرائيلية.
وبالتالي فان رصد ومعرفة الخطوط العامة لهذا المشروع الكارثة (نوقشت في مؤتمر الدار البيضاء وتضمنتها وثائق إسرائيلية ومصرية)، معرفة هذه الخطوط هي التي ستمكننا من رصد ما يجري تنفيذه بإعلان وبغير إعلان. لعل ذلك يحفزنا إلى المقاومة.
ينهض المشروع على أربعة دعائم هي:
● مشروعات التكامل الاقتصادي (بشكل يكرس التبادل غير المتكافئ).
● إطلاق قوى السوق وتوظيفها بشكل انتقائي.
● شبكات بنية تحتية على المستوى الإقليمي.
● مؤسسات إقليمية مشتركة أهمها البنك الإقليمي للتنمية للشرق الأوسط وشمال افريقيا.
أولا: مشروعات التكامل الاقتصادي – وهي أنواع ثلاثة:
أ - تكامل شامل مقرر له أن يكون بين إسرائيل وكل من فلسطين والأردن 0
ب – تكامل بين مناطق على الحدود بين إسرائيل وبلد عربي أو أكثر. ونماذجه الميناء الحر المشترك بين إيلات والعقبة، وريفيرا البحر الأحمر حول خليج العقبة بشاطئيه المصري الأردني والشريط الساحل الإسرائيلي المحدود. لكن الأخطر هو ما يسمي منطقة أرض الأردن وحرمون، وتشمل الأجزاء الشمالية من الأردن وإسرائيل والجنوبية من لبنان وسورية، تشكل كلها كيانا اقتصاديا مشتركا وموحدا تحت إدارة مشتركة. وهو بمثابة التفاف يهدف لعدم إعادة الجولان ومايزال تحت الاحتلال جنوب لبنان. وهذا يضفي أبدية على احتلال المناطق المحتلة وإعادة مستترة للمناطق التي خرجت منها إسرائيل (سيناء وجنوب لبنان). ولكن ما يسمي إدارة مشتركة لا ينصرف إلى المشاركة في التخطيط والإدارة، وإنما التمكين للمشروع والدفاع عن مصالحه.
ج _ التكامل الوظيفي أي تقسيم العمل على أساس وظيفي، حيث تتولي البلدان العربية المراحل الأولي في العمل التي تعتمد على المواد الأولية المحلية والعمالة الرخيصة، وتتولي إسرائيل المراحل الأخيرة من العملية بما يضمن حصولها على الجانب الأكبر من القيمة.
ثانيا: إطلاق قوى السوق وتوظيفها بشكل انتقائي، وهو ما يحقق أمرين في آن واحد.
الأول هو استخدام قوى السوق دون قيود بما يضمن للطرف المتطور أكثر تكنولوجيا وإداريا إمكانية السيطرة والثاني اعتماد مبدأ التخطيط رغم تناقضه مع إطلاق قوى السوق، ولكن التخطيط هنا يوظف كحائط صد أمام التفوق العربي الهائل بالنسبة لكل من السكان الذين يقاربون خمسين ضعف سكان إسرائيل، وكذا الموارد المالية العربية، وهو ما يجعل العرب قوة عصية على الابتلاع من خلال آليات السوق وحدها. ولذلك يدخل التخطيط بدرجات متفاوتة مع الاحتفاظ بآليات السوق التقليدية خدمة لأهداف السيطرة الإسرائيلية.
ثالثا: شبكات البنية التحتية الإقليمية:
وهي شبكات لاتؤثر فقط على الأوضاع الاقتصادية بجعل إسرائيل هي القلب النابض والعقل المتحكم والمركز العصبي للنشاط الاقتصادي في المنطقة، وإنما يمتد تأثيرها بفاعلية شديدة ليطال المجالات الثقافية والمعلوماتية، والمخابراتية والأمن القومي إلى حد يرقي إلى مستوى السيطرة الإسرائيلية الفعلية على عقول شعوبنا وما يتاح لها من معلومات وما يتوفر عنها من معلومات، ويهدد بل يقوض أمنها القومي. إنها تشمل شبكات واسعة من الطرق البرية والسكك الحديدية والمواني المفتوحة والمطارات المشتركة ووسائل الاتصال، وخطوط أنابيب البترول والغاز، وخطوط الكهرباء، والمياه ومحطات تحليتها، وشبكة معلوماتية مهمتها أن تجمع معا شعوب الإقليم وأصحاب الأعمال والمؤسسات من خلال إنشاء قنوات إقليمية متعددة ومترابطة لنقل الصور والأصوات والبريد الإقليمي والمعلومات المختزنة بما يتيح التخاطب المباشر بين مراكز التوجيه الخارجية والرأي العام المحلي والعملاء.
إن هذه الشبكات مخطط لها بعناية فائقة تحول دون خروج أي بلد عربي بعد تورطه في المشروع، أو في الحد الأدنى تجعل الخروج عالي التكلفة للغاية.
رابعاً: البنك الإقليمي والمؤسسات الإقليمية المشتركة:
ومهمة البنك الإقليمي الرئيسة هي تحميل العرب تكاليف سيطرة إسرائيل عليهم. وسوف يكون نفوذ العناصر الصهيونية والأجنبية في البنك والمؤسسات الإقليمية نفوذا غالبا، إذ تتمثل المهمة الرئيسية لهذه المنظومة في الإشراف على تنفيذ مشروع (الشرق الأوسط الجديد) والإسراع بتنفيذه وتوفير مستلزماته. وهي في الواقع مؤسسات الوصاية على الإقليم. وهي تشمل بداية مكتبا إقليمياً للسياحة وغرفة تجارية إقليمية ومجلس أعمال تابعين للقطاع الخاص، ولجنة تسيير تضم ممثلي الحكومات لبحث آليات المتابعة، وأمانة تنفيذية، ومجموعتين يشكلهما مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ومنتدى دافوس. وستلحق بالبنك هيئات للنهوض بالحوار حول الإصلاح الاقتصادي والتعاون الإقليمي والمساعدة الفنية والتخطيط الاقتصادي على المدى البعيد، وقبل كل شيئ توفير الأموال اللازمة لتنفيذ المشروع.
وإلى العدد القادم...