حق العودة الفلسطيني بين المبادرات والاشتراطات
تترافق مع التحضيرات الحثيثة لعقد مؤتمر القمة العربية في الثامن والعشرين من الشهر الجاري في الرياض، حركة سياسية/دبلوماسية نشطة على أكثر من صعيد. وإذا كانت الزيارات المتعددة للمسؤولين السياسيين للعواصم صاحبة «القرار» تتصدر واجهة الصحف والنشرات الإخبارية،
فإن حركة ونشاط سكرتير مجلس الأمن القومي السعودي بندر بن سلطان نحو واشنطن عبر العاصمة الأردنية التي جمعته قبل بضعة أشهر برئيس وزراء العدو الصهيوني، تشير إلى أهمية استثنائية للملفات التي سيناقشها المجتمعون في القمة. لكن ماتناقلته المصادر الاعلامية قبل بضعة أسابيع حول تركز الحوارات على إعادة «الروح» للمبادرة السعودية- تحولت في قمة بيروت العربية قبل خمس سنوات، بعد إضافة بعض البنود لها، لتصبح مبادرة عربية- قام بدفنها مباشرة بعد إعلانها بأيام، رئيس وزراء العدو المجرم شارون تحت جنازير الدبابات التي نفذت الحملة الوحشية المسماة «السور الواقي». كما أن أكثر من مسؤول عربي، خاصة، الأمين العام للجامعة العربية، كان قد نعى أكثر في أكثر من مناسبة «مبادرة السلام العربية»!
محاولة إحياء المبادرة وجعلها محور التحرك العربي الرسمي القادم، جاء مترافقاً ومنسجماً مع المداولات والمناقشات السعودية- الحماسوية- الفتحاوية التي أثمرت اتفاق مكة. كما أن التطور الملحوظ داخل كيان العدو، في الحديث عن «المبادرة» أضاف تساؤلات جديدة عن مغزى تصريحات قادة العدو. ايهود أولمرت تحدث في جلسة اجتماح لحكومته مؤخراً (يجب التعاطي بجدية مع المبادرة لكونها تتضمن بنوداً ايجابية). تسيبي ليفني وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تعاملت مع النقاشات الدائرة حول المبادرة بـ«صورة ملموسة» كما يقول عكيفا الدار بمقالته المنشورة في «هآرتس» في السادس من الشهر الحالي. الصورة الملموسة، أظهرتها ليفني بشكل واضح وفاقع أثناء مخاطبتها لأعضاء مؤتمر«ايباك» المنعقد في واشنطن (المبادرة العربية تتضمن عناصر إيجابية، لكن المشكلة في البندين التاليين : حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بالاستناد إلى القرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة رقم 194. عدم تضمين المبادرة حلولاً لقضية اللاجئين في الدول الموجودين فيها). مانشرته صحافة العدو خلال الأيام القليلة الماضية،عن التحرك السعودي في هذا الموضوع، يثير مخاوف مشروعة لدى شعبنا وأمتنا. في جريدة «يديعوت أحرونوت» الصادرة في الرابع من هذا الشهر، كتب ايتمار آيخنر (في محاولة لرفع المعارضة «الإسرائيلية» لخطة السلام العربية يبلور الأمير السعودي بندر بن سلطان تعديلاً للمبادرة. والتعديل المرتقب الذي اطلعت عليه شخصيات «إسرائيلية»، سيرتكز على مكانة اللاجئين الفلسطينيين في التسوية الدائمة. وستعرض الخطة المعدلة بأن يتمكن اللاجئون من العودة إلى مناطق السلطة فقط، أو البقاء في أماكن سكناهم وتلقي تعويضات مالية، جزء كبير منها سيكون بتمويل سعودي. ولهذا أجرى الأمير بندر والسفير السعودي في واشنطن عادل الجبير اتصالات سرية مع الادارة الامريكية بهدف الوصول الى صيغة متفق عليها).
الجانب الفلسطيني الرسمي لم يكن بعيداً عن المشاركة بهذا الجهد السري «التعديلي». مصادر فلسطينية قالت عبر مانشرته الصحف يوم الثالث عشر من آذار الحالي (هناك «قناة سرية» للاتصالات مع مسؤولين «إسرائيليين» يجريها ياسر عبد ربه وسلام فياض مع تسيبي ليفني) وهذا ماأكده أحد مساعدي وزيرة خارجية العدو بقوله لوكالة فرانس برس (هناك اتصالات سرية، مباحثات متقطعة أحياناً، وبالتالي ليست مفاوضات)!. وضمن هذه التوجهات يمكن النظر لاجتماع عباس/أولمرت الأخير في القدس المحتلة، الذي لم يكن بعيداً عن التداول في الموضوع ذاته. بعض المراقبين أطلقوا على القمة الثنائية الأخيرة «قمة الشروط والمطالب» استناداً على ماطرحه رئيس حكومة العدو من اشتراطات على الوفد الفلسطيني في عدة موضوعات من بينها «إطلاق سراح الجندي» شاليط، وقف الصواريخ وتهريب السلاح، كما تركزت الطلبات على (شطب حق عودة اللاجئين، للبدء في مفاوضات سلام إقليمية وفقاً لمبادرة السلام العربية). لقد كانت الساعات القليلة التي اجتمع فيها عباس وأولمرت (صعبة ولم نتوصل لأية نتائج ...كما يصفها عضو الوفد المشارك محمد دحلان) وهو ما أكده أحد أعضاء مكتب محمود عباس (سمعنا أصوات طحن ولكننا لم نرَ دقيقاً).
في ظل هذه الأجواء التي تسبق انعقاد القمة، ومع صدور بعض التصريحات «الملتبسة» لأكثر من متحدث رسمي، تجاه المبادرة العربية وبنودها والتمسك بها، فإن الموقف العام للنظام العربي، باستثناء سورية أساساً، يمكن أن يكون متوافقاً مع نتائج التحرك السياسي الراهن، وهذا ماأكدته يديعوت أحرونوت في المقال ذاته المشار إليه سابقا ً(سورية تعارض إلغاء حق العودة). بل أن ماركّزَ عليه السيد الرئيس بشار الأسد أثناء لقائه مع أعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في الحادي عشر من هذا الشهر، في هذا الجانب، يؤكد مجدداً على الموقف القومي المبدئي لسورية، (إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لوطنهم يعتبر جوهر القضية الفلسطينية). (في حين أشار نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في القاهرة بعد لقاء مبارك أن سورية لن توافق على تعديل المبادرة العربية).
لهذا فإن الأوهام التي تعمل على تسويقها العديد من الجهات الدولية والإقليمية والمحلية، ستصطدم بمواقف قوى المقاومة العربية. لقد حَمَلَت الرسائل التي وجهتها ليفني من على منصة مؤتمر ايباك للحكومات العربية والاسلامية، مجموعة توجيهات – حتى لانقول أوامر- تندرج تحت بند «التطبيع أولاً» (لديكم القدرة على تغيير الواقع، لاتنتظروا السلام، ابدَؤوا التطبيع معنا الآن، وسيأتي السلام).إنها دعوة مباشرة للتنازل والاذعان والخضوع للهيمنة، وهذا ماستعمل من أجله كوندوليزا رايس خلال زيارتها المتوقعة للمنطقة بعد أسبوع تقريباً.
إن قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وبلداتهم التي هُجّروا منها، كانت وستبقى جذر النضال الوطني الفلسطيني، فحق العودة إلى الديار الأصلية لايمتلك التصرف به أو المفاوضة بشأنه أحد. إنه حق فردي وجماعي لايسقط بالتقادم، ولايحق لأي كان حكومة أو دولة أو سلطة الإنابة عن أي مواطن فلسطيني في التنازل عنه. إن الرد على كل المحاولات الجارية يكون بتطوير وتفعيل عمل الهيئات واللجان الشعبية الناشطة بالدفاع عن هذا الحق. ووضع قضية عودة اللاجئين في صلب النشاط الثقافي/السياسي للقوى والأحزاب السياسية، وربط كل ذلك بالنضال الوطني لتحرير الأرض المحتلة .