الجدران في العراق: حلقة جديدة من سلسلة التقسيم والتفتيت

بعيداً عن الإحصائيات الرسمية المعلنة ومع وصول أعداد ضحايا الاحتلال الأنغلو أمريكي من العراقيين إلى أرقام فلكية وكذلك أعداد القتلى في صفوف قوات الاحتلال على امتداد أكثر من أربعة أعوام من الغزو تتوالى فصول الفشل الأمريكي في العراق المترافقة مع محاولات واشنطن فرض مشروعها التقسيمي-التفتيتي للعراق والمنطقة بقوة البطش العسكري تحت مسميات «مكافحة الإرهاب» والخطط الأمنية وجدران العزل والفصل الطائفي تحت الدواعي والمبررات الأمنية ذاتها، ويجري كل ذلك على أرضية من فقدان الأمن والاستقرار واستمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للعراقيين ووصول أعداد المهجرين واللاجئين منهم في الداخل وإلى الخارج إلى مستويات فلكية هي الأخرى (1.5 مليون وافد عراقي في سورية وحدها).

وفي مقابل عودة الهجمات التي يشنها المقاومون العراقيون استهدافاً لقوات الاحتلال إلى كثافتها (أكثر من 75 جندي أمريكي قتيل حسبما أعلن رسمياً خلال نيسان الجاري وحتى الساعة) تزداد الهجمات الإجرامية التي تطال العراقيين ودائماً على أساس استهداف طائفي يجري تصويرها على أنها سلسلة متوالية من الفعل ورد الفعل عبر عمليات تفجير وتفخيخ وتحكم عن بعد وهجمات «انتحارية» لم يُعلن يوماً عن اسم أو جثة أو هدف منفذها (لأنه غالباً سيكون مواطناً عراقياً بريئاً جرى تفخيخ سيارته أو مركبته دون أن يدري على الحواجز العسكرية الأمريكية لتنفجر لاحقاً موقعة المزيد من الضحايا العراقيين بين قتيل وجريح بمعدل 100 شخص يومياً على الأقل).

هذا الواقع من الاضطراب والفوضى الأمنية المستفلحة التي يسببها استمرار تعنت قوات الاحتلال وقيادتها في واشنطن بالبقاء في العراق مع رفض الانسحاب منه أو الشروع بجدولته، تتخذه تلك القيادات ذريعة للمضي بمخططها لتفتيت العراق وتكريس أرضياته بهدف امتلاك مصادر ثرواته بعد الاستيلاء عليها.

وضمن هذا السياق يمكن فهم المنطق الكامن وراء إقامة الجدار العزل في منطقة الأعظمية في العاصمة بغداد والذي بدىء بتنفيذه من ضمن عشرات الجدران الأخرى من شاكلته بطول خمسة كيلومترات وارتفاع ثلاثة أمتار وبكتل اسمنتية زنة الواحدة منها طنان. والغاية المعلنة هي حماية الطوائف والمجموعات العرقية العراقية من بعضها بعضاً أي تقسيم بغداد إلى كانتونات طائفية مغلقة أو غيتوهات عنصرية تستوحي التجربة الصهيونية الإسرائيلية المطبقة تاريخياً في فلسطين المحتلة بشكل مادي مباشر أو بشكل غير ملموس في الدول ذات الكثافات اليهودية العالية في العالم وحتى بعض تجارب «أوربا الحرة» كما في فرنسا مثلاً بالنسبة لأحياء الفقر والمهاجرين فيها ودائماً على أساس عنصري.

وتأتي هذه التطورات بعد التمهيد لتقسيم العراق وبشكل «دستوري» على أساس فيدرالي، بموافقة ومشاركة أزلام الاحتلال من الأحزاب والقوى والتيارات وغالبية الشخصيات العراقية التي روجت أو قبلت بالثنائية الوهمية أصلاً (يا أمريكا يا صدام؟!) أي (إما القبول بحكم الغزاة أو المضي تحت حكم الطغاة) فارضين على الشعب العراقي والمنطقة واحدة من أكبر المؤامرات عليهما في التاريخ المعاصر.

بطبيعة الحال، وفيما لا تكترث واشنطن لكل المطالب والأصوات التي ارتفعت من جانب أصحاب العلاقة أنفسهم، أي أهالي تلك المناطق الذين اظهروا وعيهم وإدراكهم لهذا المخطط الاستعماري ورفضهم له، فإن سلطات وقوات الاحتلال على الأرض تعمل على محور تكاملي آخر في الاتجاه ذاته يتمثل في ترحيل أو إجبار العراقيين على الرحيل من مناطقهم في هجرتين ثنائيتي الاتجاه أما للداخل وإما للخارج باتجاه دول الجوار، بمعنى تصدير أزمة العراقيين الناجمة عن الاحتلال بهذين الاتجاهين لخلق فوضى فيهما تؤسس للاحتقان والتنفيس على أسس الاستياء وردود الأفعال ذاتها، بما يجعل سكان المدن العراقية أو المدن في دول الجوار لا ترى المشكلة في وجود الاحتلال (الذي اعتيد على وجوده) وإنما في العراقيين الوافدين كونهم باتوا يشكلون عبئاً إضافياً ومشاكل لها خصوصياتها وقانونياتها الذاتية وهي التي تصبح واضحة ومعاشة بشكل مباشر وواضح أكثر من وجود المحتل ذاته، وهو ما يعيدنا إلى التذكير بأن المشروع الأمريكي الذي يستخدم كل الأدوات والوسائل حتى أكثرها قذارة تجري إعاقته ولكنه لم يفشل بعد وهو ما يستدعي استمرار التنبه له ودعم أسباب مقاومته بمختلف الأشكال والوسائل.

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 11:20