«إشكالات» معبر رفح
ثلاثة أيام فقط سارت فيها الأمور على ما يرام في معبر رفح، بعد فتحه بشكل دائم اعتباراً من يوم 28 مايو/ أيار الماضي، تنفيذاً للقرار الذي اتخذته القيادة المصرية. في اليوم الرابع فاجأ الجانب المصري المنتظرين على المعبر بأنه أُغلق دون إخطار الجانب الفلسطيني بذلك، ودون إبداء الأسباب. نسب إلى محافظ سيناء قوله بعدها إن الإغلاق جاء بسبب «أعمال الترميم والصيانة». فيما بدا رداً على الإغلاق المصري، أغلق الجانب الفلسطيني المعبر ثلاثة أيام أخرى، قيل إنه جاء «احتجاجاً على تراجع السلطات المصرية عن التسهيلات التي أعلنت عنها لتشغيل المعبر»، تراجع أدى إلى بطء الإجراءات الإدارية، وتخفيض عدد المسافرين، وإعادة المدرجين على كشوفات أمن الدولة الممنوعين من السفر. بعد ذلك، وتحديداً يوم الأربعاء 8 يونيو/ حزيران الجاري، أعلن الجانب الفلسطيني عن إعادة فتح المعبر من دون تقديم أي تفسير. لم نعرف من الذي تراجع، ولا كيف سويت الأمور، وهل عادت التسهيلات التي طالب الجانب الفلسطيني بعودتها أم لم تعد، وما إذا سنفاجأ من جديد بعد أيام بإشكال جديد. قيل لاحقاً إنه تم التوصل إلى «تفاهمات» يلتزم بها الطرفان. إن ذلك يطرح تساؤلاً عن الأسباب الحقيقية للإغلاق وإعادة الفتح، ويشي بأن «شيئاً ما» في الصورة ناقص لا يعرفه الناس يدفع إلى البحث عنه لأجل فهم أفضل للمسألة.
لم يدخل القرار المصري الفرحة إلى قلوب الفلسطينيين في قطاع غزة وخارجه، بل أدخلها إلى قلوب كل الوطنيين والقوميين العرب، وأيضاً إلى قلوب أحرار العالم الذين رأوا في فرض الحصار على القطاع خضوعاً للسياسة «الإسرائيلية» المعادية لحقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وجريمة في حق الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني. لكنه لا يقلّ أهمية في ذلك القرار، بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب، أنهم رأوا فيه ملمحاً على جانب كبير من الأهمية من ملامح سياسة مصر الخارجية في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير الشعبية، من حيث استجابتها لمقتضيات السيادة المصرية ومصالح مصر الوطنية والقومية بعيداً عن الإملاءات «الإسرائيلية» والأمريكية.
وكان قد لوحظ أن الاحتفال باتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» جاء قبل أيام من إعلان فتح المعبر بشكل دائم، وأصبح اليوم معروفاً أن فتح المعبر كان جزءاً «رئيساً» من اتفاق المصالحة بقدر ما كان أداة فعالة من أدوات تحقيقها. وبعدهما، أي بعد المصالحة وفتح المعبر، توالت التهديدات «الإسرائيلية» على مصر من كبار المسؤولين الصهاينة السياسيين والعسكريين، وبدأ الحديث عن «الخرق المصري لاتفاق 2005» وما سيخلقه فتح المعبر، كما المصالحة، من «إشكاليات وتداعيات على الأمن الإسرائيلي»، خصوصاً أن مصر «من دون وجود مراقبة فعالة على المعبر» لن تستطيع وحدها أن تحفظ الأمن في سيناء التي ستقع تحت سيطرة «المنظمات الإرهابية العالمية». وبدأت الوفود الإسرائيلية تصل إلى القاهرة، وكانت الأنباء المتسربة تفيد أن المصالحة الفلسطينية وفتح المعبر، إضافة إلى موضوع تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، كانت أهم موضوعات المحادثات التي دارت بين السلطات المصرية وتلك الوفود. ويثير الانتباه، في الأثناء، تصريح أدلى به السفير المصري في رام الله، ياسر عثمان، يوم 2 يونيو/ حزيران الجاري قال فيه: «يجب أن يكون واضحاً أن تأليف الحكومة الفلسطينية الجديدة وتنفيذ اتفاق المصالحة على الأرض، سيكون المدخل لمزيد من التسهيلات، بما في ذلك تسهيلات جديدة في معبر رفح وعلى الوضع في قطاع غزة».
لقد مضى على توقيع اتفاق المصالحة مدة كافية لتنفيذ ولو بعض بنود الاتفاق، لكن الحقيقة أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى اليوم، ويمكن لأي مراقب أن يتوقع أسباب التأخير. فمثلاً، كان من المفروض أن يفرج عن كل المعتقلين لدى الطرفين الموقعين على الاتفاق خلال أسبوع، لكن ما نقلته الأخبار أفاد أن عمليات الاعتقال بينهما لم تتوقف. كذلك، كان من المفترض أن تتشكل «لجنة أمنية» تعيد هيكلة ودمج الأجهزة الأمنية يترأسها مصري، لكننا لم نسمع عن تشكيل هذه اللجنة. أيضاً هناك موضوع تشكيل الحكومة الانتقالية المتعثر حتى الآن.
لقد وقع «الإشكال» الأخير في وقت تعثرت فيه خطوات تنفيذ اتفاق المصالحة، ثم أعيد فتح المعبر متزامناً مع الإعلان عن تحديد موعد لعقد اجتماع بين «فتح» و«حماس» في القاهرة لبحث تشكيل الحكومة. هذا يجعل منطقياً التساؤل حول ما إذا كان إغلاق المعبر من الجانب المصري، ثم من الجانب الفلسطيني وشكوى الأخير من عودة «العراقيل المصرية» ومطالبته بالعودة إلى التسهيلات التي تضمنها إعلان فتح المعبر بشكل دائم... له صلة بـ«الإشكال» الأخير. كذلك، فإن عودة الحديث ولو من الجانب «الإسرائيلي» عن اتفاق 2005، يدفع على التساؤل إن كان هناك من يريد، غير الجانب «الإسرائيلي»، «تفعيل الاتفاق» بما يعنيه من عودة المراقبين الأوربيين، ودور قوات الأمن التابعة لسلطة رام الله كقوة مسؤولة عن المعبر، وهو ما سبق ورفضته حكومة غزة.
في كلمات، هل ما جرى في الأيام الأخيرة كان بسبب «أعمال الترميم والصيانة»، أم بسبب «الإجراءات الإدارية»؟ بسبب التأخر في تنفيذ اتفاق المصالحة، أم بسبب «القرارات السياسية»؟ هل كان فتح المعبر مشروطاً بالعودة إلى اتفاق 2005 أو أن النية كانت مبيتة لإعادة إحيائه، أم أن ذلك أصبح مطلوباً في وقت لاحق؟ كلها تساؤلات برسم الإجابة.