الأول من أيار في بلداننا العربية.. «..وبأي حال عدت يا عيد؟»
عيد العمال الذي يحتفل به عمال العالم أجمع يحل علينا بطابع ومذاق خاص في وقت وصلت فيه رأسمالية البلدان المتطورة (أي البلدان الامبريالية) إلى أقصى درجات انحطاطها فما بالنا بالرأسمالية التابعة في بلداننا؟ إن برجوازية بلداننا لابد وأن تكون أكثر انحطاطا، هكذا الحال دائما بالنسبة للمتبوع والتابع. فالتابع يأخذ من المتبوع أحط ما لديه، فإذا كان التوحش والطفيلية والفساد هي صفات لصيقة بالبرجوازية الاحتكارية اليوم، وتتداوله أجهزة الإعلام (فضائح الفساد في المؤسسات المالية والاقتصادية وحتى الفساد الأخلاقي كما في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا الخ..) ولذا فان التابع أخذ عن المتبوع كل ذلك ولكن بصورة أكثر بشاعة، وتعاني من كل ذلك الطبقات العاملة في بلداننا تحت وطأة استغلال مزدوج من المتبوع الامبريالي ومن التابع البرجوازي المحلي.
برجوازياتنا المحلية تجهد نفسها– ولاءً لسادتها فيما وراء البحار– في توليد واستخلاص أقصى ما تستطيع من فائض القيمة من عرق ودم شعوبنا وطبقاتنا العاملة تحديداً، ولكن بما أنها ليست شريكاً ندياً للسادة، فإنها تعتصر أقصي ما تستطيع من فائض لتعظيم حصتها.
البرجوازية في عنفوانها كانت رغم وحشيتها تترك للطبقة العاملة القليل جداً مما يعينها على إعادة إنتاج نفسها وكانت حريصة في ذات الوقت على وجود (جيش العاطلين عن العمل) بهذه الدرجة أو تلك من الضخامة والاتساع سواء في فترات الرواج أو الكساد، لكن البرجوازية الآن في مرحلة انحطاطها أعادت إنتاج (جيش العاطلين عن العمل) بشكل بالغ الاتساع في إطار عملية إهلاك حقيقية لسكان الكوكب.
البرجوازية الآن لم تعد وسيلتها الرئيسية في ممارسة قمعها للعمال وللطبقات الشعبية، الشرطة والمحاكم والسجون، ولكن عدتها ووسيلتها الرئيسية الآن الإفقار حتى الموت جوعاً ومرضاً، دون اعتقال وتحقيق ومحاكمة وبأقل تكلفة أو بدون تكلفة والحرمان من حق العمل والعلاج المجاني والتعليم المجاني والسكن المناسب...
في مصر (كما في معظم البلدان العربية) التي أخذت باقتصاد السوق، أي بالتبعية والاستسلام أمام غول بالغ الوحشية متمثلاً في رأس المال الاحتكاري الدولي العابر للقوميات، والاستغلال المزدوج الواقع على الطبقة العاملة وسائر الكادحين حل عيد العمال في بلادنا هذا العام في ظل إضرابات دائمة وممتدة، واعتصامات واحتجاجات، لم تعد مقصورة على عمال الغزل والنسيج، أو على بعض المحافظات.
جانب من الصورة قد يوضح ما يجري
● إضراب 1300 عامل في مصانع شركة تراست للنسيج بالسويس.
● تواصل إضراب عمال شركة المنصورة أسبانيا للغزل والنسيج.
● إضراب عمال شركة سجاد دمنهور بمدينة دمنهور.
● تهديد عمال شركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى بالعودة إلى الإضراب مرة أخرى.
خارج قطاع الغزل والنسيج:
● تصدَّى 120 عاملا بإدارة الشؤون الاجتماعية بمدينة الفيوم وهددوا بالاعتصام رداً على محاولات فرع المجلس القومي للمرأة بالمحافظة الاستيلاء على الجناح الذي يشغلونه بمبنى إدارة الشؤون الاجتماعية بالمدينة.
● إضراب 200 سائق ميكروباص بمدينة الإسكندرية احتجاجاً على إغلاق الموقف الذي يستخدمونه محطة انطلاق.
● وقفة احتجاجية للقضاة بسبب تعديل قانون السلطة القضائية، واعتصامات في نادي القضاة بالقاهرة وفروعه بالأقاليم.
● وتضامن عدد من أعضاء مجلس الشعب من المعارضة والمستقلين.
غير أن العمال إزاء ما يواجهونه قد استخدموا مع الإضراب سلاح الإضراب عن الطعام، وقد تم نقل 20 عاملاً من المضربين بشركتي المنصورة – أسبانيا وتراست إلى المستشفى في حالات إعياء خطيرة.
جانب آخر من الصورة يوضح ما يجرى
عقدت اتفاقية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2000 وهي الاتفاقية المعروفة باسم (الكويز)، والتي تشترط لدخول الملابس الجاهزة المصرية إلى الأسواق الأمريكية أن تحتوى مكوناتها على نسبة معينة من الخامات الإسرائيلية، أي أنها اتفاقية لصالح الصناعات الإسرائيلية. وتكالب أصحاب مصانع الملابس لكي يعملوا في إطار هذه الاتفاقية التي تم تصويرها على أنها تخدم الصناعة والاقتصاد وسوق العمل في مصر، بعد فتح السوق الأمريكية الواسعة في تجاهل للأسواق العربية والإفريقية والأوربية (روسيا وشرق أوربا) التي كانت أسواقا تقليدية ينبغي العمل على استعادتها. فما هو حال العمال في الشركات التي تعمل في إطار اتفاقية الكويز؟ لقد ارتفعت أجورهم نسبيا ولكن بالمقابل هم محرومون من أي حماية بما فيها مظلة التأمينات الاجتماعية التي تضمن لهم معاشات تقاعدية وتعويضات في حالات العجز وهم محرومون من العلاج والتأمينات الصحية إضافة إلى أن فترة العمل لا تقل عن 12 ساعة يومياً، إلى جانب التوقيع على استقالة مسبقة وعلى استمارة إنهاء خدمة قبل الالتحاق بالعمل، أي أنه تم تكريس علاقة أشبه ما تكون بعلاقة عبودية.
غير أن عمال الكويز يواجهون باحتقار زملائهم العمال في الشركات الأخرى بسبب عملهم في شركات تتعامل مع إسرائيل.
لكن الصورة الأكثر مأساوية هي حال العمال الذين أحيلوا إلى المعاش المبكر (وهو في حقيقته فصل تعسفي باستخدام الإكراه العلني أو المستتر) حيث أن التعويضات التي يحصل عليها العمال سرعان ما تتبدد في الإنفاق على احتياجات عاجلة أو حل مشاكل متراكمة، بعدها لايجد العامل وأسرته سوى معاش يساوي ربع دخله السابق في أغلب الحالات.
هذا هو الثمن الفادح للولوج إلى ما يُسَمَّى اقتصاد السوق وسط دعاية زائفة ومبتذلة عن الإصلاح الاقتصادي (الاقتصاد تم تدميره عمداً) وتحرير الاقتصاد والديمقراطية التي يعتبرها السادة الامبرياليون الوجه الآخر لاقتصاد السوق، الاقتصاد الحر أي الوجه الآخر للرأسمالية التابعة. كل ذلك يدحض الزيف الذي يملأ الدنيا بضجيجه الكريه عن مراعاة البعد الاجتماعي والالتزام بحقوق العمال والجانب الإنساني عند إعادة الهيكلة والخصخصة وكذا التصريحات والمناشدات الموجهة إلى العمال للالتزام بالشرعية، والحوار بينهم وبين أصحاب الأعمال والحكومة بديلاً عن الإضرابات، علماً بأن العمال لا يلجؤون إلى الإضراب إلا كورقة أخيرة عادة.
هكذا حل عيد العمال ليجد العمال على هذا الحال بطالة وفقر وحرمان من حقوق سلبت منهم كانوا قد حصلوا عليها في السابق، وتم كنسها بحجة تشجيع المستثمرين، الذين لم يضيفوا شيئا ذا قيمة إلى الأصول، وإنما يحصلون على الأصول القائمة بأثمان بخسة، ثم يقومون بتقليصها حتى إنهاء معظمها، وتسريح العمال، وبيع أراضي المصانع بعد إزالتها كأراضي بناء بأثمان فادحة.
إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة في مصر، وفي البلدان العربية التي تسير في نفس الطريق، أو التي بصدد ولوج نفس الطريق، إنما تخدم (ضمن ما تخدم) هدفين للامبريالية والصهيونية: الأول هو إخضاع المنطقة لتقسيم دولي جديد للعمل يدمر ما لدينا من أصول إنتاجية وما نمتلكه من تفوق وتميز في العديد من المجالات، وصولاً إلى تهميش بلداننا تماماً لصالح الكيان الصهيوني، ويمهد الطريق أمام الهدف الثاني وهو تقليص عدد السكان في بلداننا، على طريق الإبادة دون تكلفة، تحقيقا للبرنامج المعلن للعولمة الرأسمالية التي يستهدف تقليص عدد سكان كوكب الأرض إلى 20% من سكانه.
إن الدمار الذي تحدثه هذه السياسات يلحق بكل الكادحين، يلحق العمال والفلاحين والفئات الوسطى ولكن المحرقة تبدأ بالطبقة العاملة.
قال أنجلس في تقديمه لأحد طبعات البيان الشيوعي أن (..البروليتاريا لا تستطيع أبدا أن تتحرر من نير الطبقة التي تستثمرها وتضطهدها– وهي البرجوازية– دون أن تحرر في الوقت نفسه، وإلى الأبد ، المجتمع بأسره من الاستثمار والاضطهاد...) إن هذه العبارة تكتسب الآن قيمة عالية أكثر من أي وقت مضي، مثلما يعتبر شعار (يا عمال العالم اتحدوا) هو الطريق إلى إنقاذ الجنس البشري.