رجل من هذا الزمان..
في الوقت الذي تطال الفضائح بأنواعها السياسية والعسكرية والمالية وحتى الأخلاقية رموز ومساعدي معسكر «آل المحافظين الجدد» بحلفائهم وأتباعهم وذيولهم، يطل على العالم من جديد هوغو شافيز ليؤكد هويته «رجلاً من طراز آخر»، رجل ينتقل بمقاومة المشروع الإمبريالي الأمريكي الكوني من مواقع الدفاع إلى مواقع الهجوم ولكن ليس على أساس خطوة «فردية استعراضية انتحارية» كما سيرغب بتصويرها الانهزاميون في عالمنا العربي، بل مدعوماً ومدفوعاً ومعبراً عن إرادة الملايين من أبناء جلدته في قارة أمريكا اللاتينية الحاملين لمشروع «البديل البوليفاري».
وهكذا وفي أحدث نقلاته الهجومية أعلن شافيز انسحاب بلاده من البنك وصندوق النقد الدوليين بوصفهما «وسائل إمبريالية تهدف إلى استغلال الدول الفقيرة»، في صفعة تتجاوز هاتين المؤسستين الناهبتين للشعوب ومقدراتها عبر تاريخهما إلى كل أدعياء استحالة الانسحاب منهما ومواجهتهما تحت ذريعة الخوف من أن «تقع الدول النامية في مطب الانعزال والضعف الاقتصادي».
ولم يكن شافيز وحيداً على الخشبة بل جاء قراره بعد أيام فقط من قرار مماثل اتخذه رئيس الإكوادور رافائيل كوريا بطرد ممثل البنك الدولي في كيتو بتهمة الابتزاز، بعد أن أعلن أواخر الشهر الماضي حملة عالمية بقيادته ضد ذلك البنك تبدأ بطرد ممثله في بلاده, مؤكداً أن الإكوادور ليست مستعمرة لأحد ولن تتساهل مع ابتزاز البيروقراطية الدولية.
أما شافيز الذي يدرك مكامن قوة بلاده من بشر وموارد فقد سبق له أن سدد بعيد وصوله للسلطة في عام 1999 بوقت قصير كل ما بذمة فنزويلا لهاتين المؤسستين بل وأكثر من ذلك بثمانية ملايين دولار، وبات من موقع القوي الآن يطالبهما برد ما لفنزويلا في ذمتهما... ولعل أحد أبرز مكامن قوته في ذلك هو خلو سجل حكومته من فضائح النهب والفساد والإفساد والإثراء غير المشروع.. وإلى آخر قوائم أمراض السلطة في دول العالم الثالث؟
وبالمثل لم تأت خطوة الانسحاب منقطعة عما يعززها:
● إعلان الزعيم الفنزويلي بمناسبة عيد العمال زيادة الحد الأدنى للأجور في بلاده بنسبة 20% لتصبح الأعلى في أمريكا اللاتينية (286 دولار) إلى جانب خفض ساعات العمل من ثماني إلى ست ساعات تدريجياً على مدى ثلاث سنوات، مع تضمين الشيك الإجباري الخاص بوجبات غداء العمال داخل عقد العمل.
● إنهاء فنزويلا سيطرة شركات النفط العالمية الكبرى (الأميركية كونوكو فيليبس وشيفرون وإكسون موبيل والبريطانية بي بي والنرويجية ستات أويل والفرنسية توتال) على مشاريع في حزام أورينوكو النفطي الضخم في إطار سياسة تأميم أكبر احتياطي نفطي عالمي. وتبلغ قيمة المشاريع الأربعة التي تمت السيطرة عليها أكثر من 30 مليار دولار وتنتج 600 ألف برميل نفط يوميا.
● إعلان شافيز أن فنزويلا بصدد تطوير أنظمة صاروخية لحماية نفسها ضد أي خطط خارجية من جانب الولايات المتحدة للهجوم على بلاده. وذلك غداة اختبار فنزويلا لصاروخ متوسط المدى.
وهكذا فإن الرجل، الذي لاتزال القنوات اليمينية في بلاده تهاجمه وتتربص به دون أن يقمعها كون ديمقراطيته تستند إلى قاعدة شعبية تزداد اتساعاً، يبني منظومة كاملة متكاملة لمواجهة المشروع الاستعماري الأمريكي، منظومة تقوم على قاعدة الكرامة الوطنية ليس بإطار الشعار على أهميته ولكن بنقله إلى حيز التطبيق في مختلف القضايا الوطنية، والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية ولكن بمشروع ينحاز طبقياً بوضوح لصالح فقراء فنزويلا أي الأغلبية الساحقة من سكانها أصحاب المصلحة الحقيقية في السيادة والاستقلال الوطني.
أي أن الرجل الذي يمتلك رؤية طبقية صحيحة تتعلق بإمكانية هزيمة المشروع الكوني الإمبريالي، أسس خطابه وصاغ شعارات المرحلة بشكل صحيح، والأهم أنه ربط ذلك بخطة منهجية متسارعة في تدرجها في إطار الممارسة والتطبيق، ليؤسس لاشتراكية من طراز جديد تتناسب مع أمريكا اللاتينية، من ضمن تحولات اجتماعية أخرى ستجد طريقها للظهور في العالم باعتبارها البديل الموضوعي الوحيد الذي يفرض نفسه للحفاظ على البشرية في وجه عتو الرأسمالية وغلوها.
..وهل هناك من يتحدث عن الاشتراكية بعد؟ ألم تَمُت ويَنعِها المحافظون والليبراليون الجدد؟ وهل هناك بداية انسداد أفق للإمبريالية مقابل بداية انفتاحه أمام الشعوب؟
هل سمعت أو قرأت شيئاً من هذا المنطق في مكان ما من قبل؟.. (راجع وثائق المؤتمر الاستثنائي للشيوعيين السوريين).
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.