«محمية» شرم الشيخ» والآتي أخطر!
أسوان السد العالي، وبورسعيد المقاومة، وقناة السويس الشاهدة على تحطيم «خط بارليف»، هي أسماء ترتفع برمزيتها الوطنية لدرجة تختزن الوجدان الجمعي للشعب المصري البطل بعكس ما ترمز إليه جميع المؤتمرات والمؤامرات التي احتضنتها محمية «شرم الشيخ» المسوّرة بحرس حسني مبارك والقوات الأمريكية المشرفة على كل مناطق شبه جزيرة سيناء وقهر سكانها منذ توقيع اتفاقات «كامب ديفيد» بين يهود مصر وتماسيح المال فيها «من أهل الانفتاح» بزعامة السادات، وبين الكيان الصهيوني في أوائل الثمانينات…!
لا حاجة للاجتهاد حول نتائج «المؤتمر الدولي في شرم الشيخ» حول العراق، ولصالح من ستوظف تلك النتائج، ولا حول كيفية التحضير المسبق له منذ ما قبلقمة الرياض، وعدد الجولات التي قامت بها وزيرة الاحتلال كوندوليسا رايس بهذا الخصوص واجتماعاتها الخاصة بزعماء دول الرباعية العربية وقادة مخابراتها (مصر، السعودية، الأردن، الإمارات العربية)، تلك الدول الموكل إليها من واشنطن قيادة «النظام الرسمي العربي» نحو المزيد من التنازل والذل والمهانة ومحاولة وأد المقاومة أو على الأقل تثبيت أكتافها لتمرير الحلقات الأخطر في المشروع الأمريكي إزاء المنطقة ككل والتي تعتبرها واشنطن ساحة عمليات واحدة، رغم كل ما تطلقه وسائل الإعلام والدعاية الامبريالية-الصهيونية من قنابل دخانية لتضليل الرأي العام العالمي والعربي وتلبية بعض «رغبات المنظرين»، رافضي خيار المقاومة من خلال تضخيم أبعاد اللقاء السوري-الأمريكي لمدة نصف ساعة في شرم الشيخ، وبعض «الدردشة» مع أعضاء الوفد الإيراني، وتصوير ذلك «وكأنه تنازل» أمريكي تجاه البلدين!! فمن يصدق ذلك؟
… فإذا خرجنا من إطار الدهاء الدبلوماسي الماسوني-الأمريكي إلى جوهر الاستراتيجية الأمريكية، وكيف أصبحت أكثر وضوحاً بعد «مؤتمر شرم الشيخ»، لا بد من ملاحظة ومواجهة التطورات والمؤشرات التالية:
* لا قيمة لبيان المؤتمر الختامي بالقياس لما قالتها رايس «إن المؤتمر ناجح جداً ولم يتجرأ أحد بالمطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق قبل إنهاء مهمتها هناك…»! والمعادلة هنا بسيطة: فمن يقاوم الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة أو حتى من يطالب (مجرد مطالبة!) بخروج قوات الاحتلال من العراق هو «إرهابي- مغامر» ومن يتساوق مع المخطط الأمريكي في المنطقة هو «المعتدل والواقعي» على شاكلة بندر وعبد الله الثاني وحسني مبارك!!
* بعد أيام معدودات من مؤتمر شرم الشيخ جاءت تصريحات رايس- عبر محطة العربية- حول حماية الديمقراطية الوليدة في لبنان بزعامة فريق السنيورة، وإن المحكمة الدولية ستأتي تحت الفصل السابع، لتفقأ أعين المراهنين على تحييد الموقف الأمريكي وعقلنته، فمنذ القرار العدواني رقم 1559 وصولاً للقرار 1701 لازال الهدف هو هو: ضرب المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله وإخراج سورية من دائرة الممانعة ودعم المقاومة وإلغاء دورها الإقليمي، وضرب تحالفها مع إيران لتسهيل مهمة عزل الأخيرة وضربها عسكرياً بعد استكمالات التحضيرات السياسية لذلك (حيثيات مؤتمر شرم الشيخ، تكليف مصر والأردن بقيادة فريق «عربي» لإقناع الكيان الصهيوني بالسلام والمبادرة العربية…الخ).
* جولة مهندس الحرب على العراق نائب الرئيس ديك تشيني الجديدة في المنطقة وحصرها بدول «الرباعية العربية» والإعلان عن إرسال عشرة ألوية عسكرية جديدة للعراق، بعد تطاير «فقاعة صابون» الحزب الديمقراطي الأمريكي وكل ما قيل عن «المعركة» بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن العراق «كرمى» لعيون المعتدلين العرب، الذين تبرعوا بإسقاط الديون عن العراق وتحمل أعباء الإعمار فيه بعدما هدّمه وفتته وشرذمه الاحتلال الأمريكي نفسه والذي تجاوز عدد ضحاياه مليون شخص خلال أربع سنوات من عمر الاحتلال.
* وهنا نذكّر مجدداً بما قاله تشيني بأن «صراع أمريكا في العراق والمنطقة هو صراع وجود وسيستمر لعقود…» فهل من وضوح ووقاحة أكثر من هذا الكلام حول الإرهاب الأمريكي المستمر ضد منطقتنا وشعوبنا؟
* بعد أيام من مؤتمر شرم الشيخ صدر «تقرير فينوغراد»، الذي تضمن توصيفاً صريحاً لفشل القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهداف عدوان تموز الماضي على لبنان، وفشل الآلة العسكرية الصهيونية في كسر شوكة حزب الله والجنوب الصامد، ولكن اللافت أن حكومة أولمرت لم تسقط، ولا شك أن لإدارة جورج بوش دوراً في ذلك بقدر دورها في قرار الحرب ضد لبنان في تموز ورفضها وقف إطلاق النار إلى أن اتضحت ملامح الهزيمة المؤكدة لجيش العدو الصهيوني رغم كل ما اقترفه من جرائم حرب موصوفة. وهنا علينا ألا نستهين بتصريحات أولمرت حول «تعويض الفشل في عدوان تموز في الآتي من الأيام وإعادة الاعتبار لنظرية الردع الإسرائيلي…» ولا شك أن كلام أولمرت له علاقة مباشرة بمعرفته بمخطط واشنطن لضرب إيران والمهمة التي ستوكل للكيان الصهيوني عند ذاك باتجاه لبنان وسورية.
.... وقد يتساءل البعض- عن بساطة أوخبث مدروس- ما العمل؟ وما هي الخيارات المتاحة؟ وفي الإجابة على ذلك لا بد أولاً من التأكيد أن المخطط الإمبريالي- الصهيوني ليس قدراً لا راد له وتجربة حزب الله وأهل الجنوب في المقاومة الأسطورية لم تزل حية ومستمرة، وكذلك صواريخ المقاومة الفلسطينية أسقطت أوهام التهدئة مع المحتل، والمقاومة العراقية قبل وأثناء وبعد مؤتمر شرم الشيخ مستمرة ضد الاحتلال الأمريكي. ومن هنا نقول لا خيار أمامنا إلا في المواجهة المفروضة على شعوب هذا الشرق العظيم! ولتأخذ أمريكا وعربانها ومن والاها ما شاءوا من قرارات. فلهم «شرم شيخهم ووادي عربتهم» وقممهم. ولكن في مواجهتهم لنا ولشعوبنا خيار المقاومة المجرّب من جبال الأوراس في الجزائر إلى ميسلون والمزرعة ومجدل شمس في سورية، وبورسعيد في مصر، وجنين غراد في فلسطين وصولاً إلى مارون الراس في لبنان. ولا يمكن مواجهة العدوان الإمبريالي- الصهيوني والانتصار عليه وتحرير الأراضي المحتلة، في الظروف الحالية إلا باعتماد المقاومة الشعبية!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.