أصابع واشنطن والمشهد الحزبي المصري
جرت انتخابات مجلس الشورى المصري لشغل 77 مقعداً، وهو مجلس لا يحظى بدور تشريعي ملموس. قاطع حزبا الوفد والناصري هذه الانتخابات وشارك فيها الإخوان والتجمع وبعض الأحزاب المجهولة. وعكست هذه الانتخابات بصورة عميقة الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد والتي أشرت إليها في مقالات سابقة، إذ لم تتجاوز نسبة التصويت 5% برأي بعض المراقبين.
مقاطعة الجماهير لهذه الانتخابات كانت موقفاً ذاتياً، كانت تعبيراً عن أن النخبة تسير في اتجاه والجماهير تسير في اتجاه آخر ولم تكن المقاطعة استجابة لنداءات المعارضة.
إن كل إصلاح اقتصادي أو سياسي– ديمقراطي، على الموضة الجارية أي وفق الرغبة والأجندة الأمريكية يعني إرساء هيمنة الرأسمالية التابعة، بما يصحب هذه الهيمنة من استغلال وخراب وتدمير للبشر وابتعاد للجماهير عن النخبة الحاكمة والمعارضة على السواء.
بطبيعة الحال لسنا ضد إصلاح يهيئ ظروفاً أفضل لنضالنا، ولكن ما يتم ليس إصلاحاً بأي حال من الأحوال. بداية من الإصلاح الاقتصادي الذي دمر الاقتصاد، وصولاً إلى التعديلات الدستورية التي عصفت (دستورياً) بحقوق الطبقة العاملة وسائر الكادحين.
الرئيس الأمريكي الذي يواجه الفشل والهزائم في الداخل الأمريكي والخارج على السواء، لا يزال مستمراً في محاولاته لصياغة الحياة السياسية في البلدان الأخرى بهدف إرساء هيمنة البرجوازية التابعة.
ففي مدينة براغ التشيكية الأسبوع الفائت. أجرى بوش لقاء مطولاً مع سعد الدين إبراهيم (المصري الأمريكي) والذي سبق الحكم عليه بالسجن بتهمة التجسس، وكانت الإدارة الأمريكية قد مارست ضغوطاً هائلة من أجل الإفراج عنه توجت بالنجاح بحكم قضائي.
في براغ أدلى بوش بتصريحات عن الديمقراطية في العالم، غير أنه خص أيمن نور رئيس حزب الغد المسجون حالياً في مصر باهتمام خاص. ففي أي إطار جرى صعود وهبوط أيمن نور، وماهي التطورات الجديدة، وماهي الخطة الجارية بصدد الأوضاع الحزبية في مصر التي تأتي استجابة للرغبة الأمريكية؟
لمع أسم أيمن في إطار خطة الأمريكيين لإرساء ديمقراطيتهم عبر تداول السلطة بين حزبين ليبراليين، وبما يضمن تأبيد حكم البرجوازية التابعة.
بدأ القصف التمهيدي لهذا الموضوع «أي تداول السلطة عبر صناديق الانتخاب» بمعرفة اليسار الإصلاحي خصوصاً عناصر المتمولين من نشطاء ما يسمى حركة حقوق الإنسان والمجتمع المدني، الذين تعمدوا طمس بل وناهضوا وحاربوا أي توجه للنضال الطبقي والوطني، وصاغوا نظريتهم عن «السقوف المنخفضة»، أي تخفيض سقف البرنامج السياسي لليسار كلما اتجهت السلطة يميناً، وهنا جرى إسقاط واستبدال مطلب الاشتراكية بمطلب مجتمع المشاركة الشعبية، والحركة الجماهيرية بالمجتمع المدني وصولاً إلى المقايضة التاريخية بكل المبادئ والنضالات والتضحيات التي بذلت، مقايضتها بعدد قليل من مقاعد البرلمان.
وهنا أقام أيمن نور «حزب الغد» ليكون هو القطب الأخر في المعادلة الليبرالية بجانب الحزب الوطني أي حزب السلطة وبمباركتها. وكان ذلك التماهي مع ما يروج له في مصر عن ضرورة إحلال جيل الشباب ووضعه في الصدارة بما يضفيه من زخم على مسألة التوريث. ومن ثم فقد تم تنحية حزب الوفد عن هذه المعادلة لاحتفاظه بقدر من تقاليده الوطنية.
غير أن أيمن نور تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها له السلطة في علاقاته بالأمريكيين، ولذا كان لابد من كبحه، أي أن المسألة في جوهرها تجري في إطار منافسة داخل مكونات الطبقة الواحدة والمشروع الواحد.
وبدأ الإعداد لقيام قطب ليبرالي لاستكمال مخطط الحزبين الليبراليين اللذين يتداولان السلطة. وتصدى لهذه المهمة كل من الدكتور يحيى الجمل المنتمى سابقاً للتيار القومي والمشارك في تأسيس حزب التجمع، والدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني وعضو مجلس الشورى بالتعيين والشيوعي السابق. وتمت إجراءات تأسيس «حزب الجبهة الوطنية» ووافقت عليه لجنة الأحزاب بشكل سريع وغير مألوف ودون الدخول في دوامة الرفض والطعن أمام القضاء.
لكن الأمر يتخطى الآن انحصار الموضوع في حزبين ليبراليين أي الحزب الحاكم وحزب الجبهة الوطنية. إذ أن الإخوان المسلمين لهم حضور قوي على مسرح الحياة السياسية المصري. لذلك فأن اللعبة الأمريكية ومن واقع إدراك هذه الحقيقة، تسير باتجاه تسعير التنافس بين قوى ثلاث هي :
- الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم الذي يأخذ بالليبراليه الاقتصادية في أقصى درجاتها وأقسى صورها، وبالشمولية السياسية والإصرار على توريث الحكم وإستمرار الإمساك بالسلطة بكل أساليب الإكراه.
- حزب الجبهة الوطنية المؤيد لليبرالية الاقتصادية بشكل مطلق، ولكنه يأخذ قشوراً من الليبرالية السياسية بهدف تحسين صورة الرأسمالية وتأبيد هيمنتها.
- الإخوان المسلمون وهم يؤيدون الليبرالية الاقتصادية كما تمارسها السلطة ويتواصلون مع الأمريكيين ويقدمون تبريرات فقهية لذلك التواصل مستفيدين هم والأمريكيون على السواء من التجربة التركية حيث الحزب الحاكم هناك هو الفرع التركي للإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي، وهم حراس أكفياء لليبرالية الاقتصادية والتبعية بسلاح الإرهاب الفكري في المجتمع.
أما باقى الأحزاب المصرح بها سواء الوفد أو بقايا اليسار أو الأحزاب الأخرى فإن الدور المرسوم لها أن تكون مجرد ديكور لا أكثر ولا أقل.
ولذلك فإن الأمريكيين إذ يلوحون للسلطة الحاكمة بتعدد خياراتهم (الإسلام المعتدل الذي يمثله الإخوان المسلمين، أو الليبرالية المدنية التي يمثلها حزب الجبهة الوطنية، إضافة لإحياء موضوع أيمن نور)، إنما يسعون إلى ابتزاز السلطة إلى الحد الأقصى، وإشعال السباق المفتوح بين الليبراليين بمختلف منابعهم للانصياع الكامل لضمان استقرار صيغة سياسية ترسي تأبيد هيمنه الرأسمالية التابعة وكذا الإمبريالية طبعا على مقدرات البلاد.
وفي ظل التنامي المتصاعد لنضج الظروف الموضوعية فلابد من بذل جهد خارق لتجاوز تخلف الظرف الذاتي للقوى الشعبية الوطنية لضمان وتأمين تطور وطني وتقدمي وحقيقي وسلمى للبلاد وتجنيبها احتمالات الفوضى (المدمرة وغير الخلاقة) التي يساق إليها الوطن.
إن بقاء الحال على ما هو عليه قد أصبح مستحيلاً.