سباق الحل في اليمن.. تعويل أمريكي على التحكم بالوقت
أسئلة كثيرة تدور حول ماهية وطبيعة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في المعركة الجارية اليوم على أرض اليمن: ما هي المصلحة الأمريكية من دعم «التحالف العربي» وغاراته اليومية الدامية، ثم عن أي حل سياسي تبحث الإدارة الأمريكية في اليمن؟
تبدو الولايات المتحدة وكأنها مجبرة اليوم على الدخول الفاعل على خط التسويات في اليمن، إذ تبدي، ولو إعلامياً، جهداً حثيثاً للتوصل مع حلفائها من دول «مجلس التعاون الخليجي» إلى حل وسط يفضي إلى أن يأخذ في الحسبان ضرورات الطرفين كليهما، في إطار الصراع الاستراتيجي الجاري على الصعيد العالمي بين واشنطن وحلفائها من جهة، وموسكو وبكين وحلفائهما، من جهة أخرى.
بالجواب عن السؤال الأول، حول استمرار الدعم الأمريكي لدموية طيران «التحالف العربي»، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة تدرك عدم الجدوى السياسية- وحتى العسكرية- من النشاط السعودي في اليمن، غير أن الاستمرار في الدعم كان مرتبطاً بوضع الولايات المتحدة في الإقليم ككل. أي أن واشنطن ترى ملفات المنطقة بكليتها، وعليه، فإن الطائل الوحيد كان حينها هو في تقنين الحلول السياسية القادمة، وتحديداً الملف السوري المرشح الأكبر لحيازة النموذج الأول من الحلول السياسية.
لا تتحمل الولايات المتحدة تحول الملفين اليمني والسوري إلى نماذج للحلول السياسية في الوقت نفسه، تلك النماذج التي من شأنها أن تعمَّم لاحقاً على أية أزمة تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إشعالها، كما تفعل اليوم في أوروبا الشرقية، وشرق آسيا على وجه التحديد.
إذاً، فإن ما يمكن أن يطلق عليه «التقنين» في سيل الحلول السياسية هو الطائل المنطقي الأوحد من وجهة النظر الأمريكية حيال الأزمة اليمنية، فما مستجدات الرؤى الأمريكية في هذا الملف الذي شغل حيزاً هاماً من المعركة الاستراتيجية الدائرة بين القطبين العالميين؟
«الحرج» من اندفاع الحلفاء
قبل الخوض في «المبادرة» التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، من السعودية حيال الأزمة اليمنية، يجدر المرور سريعاً على حال سلوك «التحالف العربي» في حربه على اليمن في الأشهر القليلة الماضية، فالتحالف أغار في 15/آب الماضي على مستشفى رسمي في شمال اليمن، ما أسفر عن مقتل نحو 20 من العاملين والمرضى في المستشفى، وهو ما استدعى في وقت لاحق من الشهر نفسه، دعوة المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة، زيد رعد الحسين، إلى تشكيل «لجنة دولية مستقلة»، للتحقيق في انتهاك حقوق الإنسان باليمن، وقالت المفوضية في تقرير لها أن «ضربات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن كانت أهم سبب لمقتل 3799 مدنياً، وإصابة 6711 في الحرب حتى الآن». فماذا يعني ذلك بالنسبة للولايات المتحدة؟
صحيح أن الولايات المتحدة لن تتوانى في محاولات إشغال العالم المتشكل حديثاً بمزيد من الحروب، بما تحمله من كوارث إنسانية، لكن فجاجة «التحالف العربي» التي تأتي تماماً عكس السياق الذي يسير فيه العمل الروسي- الأمريكي المشترك- بالضرورة- لحل القضايا العالقة في المنطقة، تدفع إلى مزيد من «الإحراج» الأمريكي في هذا الصدد، حيث يبدو اللاعب الأمريكي أقل قدرة على ضبط حلفائه مقارنة مع خصمه الاستراتيجي.
ومن سيل التصريحات الأمريكية الداعية إلى الحل السياسي في اليمن لا يمكن القول بـ«توبة أمريكية» في الخليج، كما يحاول البعض أن يصوّر الموضوع، إذ أنه وبالنظر إلى سلوك الولايات المتحدة في أوروبا الشرقية وشرق آسيا، فإن العمل الأمريكي جارٍ على قدم وساق لنشر الفوضى في أي مكان في العالم، مهما كانت الأثمان، لكن الحديث عن الملف اليمني الذي يسترعي اهتماماً كبيراً من الناحية الإنسانية على الصعيد الدولي، هو حديث عن إحدى الملفات المغلقة موضوعياً في وجه أي تقدم أمريكي، فبالتالي لا داعي أمريكياً لتحمل أوزار الاندفاع الدموي لحليفهم الخليجي- السعودي تحديداً.
وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت قد لجأت إلى سحب مستشارين عسكريين تابعين لها من الرياض، حيث كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية التي تقودها السعودية في اليمن. وبغض النظر عن صحة النوايا الأمريكية من عدمها، حيال هذا الموضوع، فإن الإعلان بحد ذاته يؤكد «الحرج» الذي تعاني منه الولايات المتحدة، نتيجة دعمها لـ«التحالف العربي»، بقيادة السعودية.
هذا الجزء المعروض آنفاً على أهميته، لا يمكن أن يكون الدافع الرئيسي لقدوم كيري إلى السعودية بموعد لم يكن على جدول أعماله نهاية الشهر الفائت، لكن ضرورات أخرى سياسية بالدرجة الأولى دفعت الوزير الأمريكي لحمل أطروحة سياسية أكثر ليونة من سابقاتها ووضعها على طاولة المفاوضات الباردة من جديد.
التزامن جوهر المقترح الأمريكي
اقتراح الوزير الأمريكي، الذي جاء بعد مشاورات مع السعوديين والبريطانيين، حيال الملف اليمني، لا يخرج ببنوده عما جاء في القرار الدولي 2216 الخاص بالأزمة اليمنية، والذي يتضمن فكرتين أساسيتين، الأولى هي: تشكيل حكومة وحدة وطنية، وسحب السلاح من المدن، لكن الجديد في الاقتراح هو في إشارة كيري إلى تزامن المهمتين، لكسر الجمود الذي لازم اجتماعات الكويت في تحديد الأولويات، وتبدو هذه الصيغة من حيث الشكل جديدة، لكن المبعوث الدولي طرح الفكرة ذاتها في بداية اجتماعات الكويت قبل أكثر من ثلاثة أشهر، لكن الجديد المطروح حالياً هو في وجود طرف ثالث معني بتسلم الأسلحة الثقيلة من «أنصار الله»، وهو ما يدور النقاش حوله في هذه المرحلة.
وبالعودة إلى الناحية السياسية من هذا التطور، فإن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تغطية ودعم «التحالف السعودي» شبه المنبوذ دولياً، كما كان عليه الوضع في السابق، وفي الوقت ذاته، لا يمكنها ترك حليفها في المعركة وحده دفعة واحدة، ففي ذروة «عاصفة الحزم»، استطاعت القوات المناوئة للتدخل السعودي في اليمن، الدخول إلى عمق الأراضي السعودية وتدمير مئات المواقع العسكرية المحصنة، بحسب الكثير من التقارير الغربية.
وقد أشار المتحدث الرسمي بمديرية الدفاع المدني بنجران، المقدم علي عمير، إن الإحصائيات تظهر أن القذائف، منذ بداية عمليات «عاصفة الحزم» وحتى 12/تموز قد بلغت ما يقارب 10016 قذيفة. وهو ما يشي باحتمال حرب استنزاف طويلة الأمد بين اليمن والسعودية، لن تخسر فيها اليمن وحدها!
بالتالي، فإن الحفاظ على حالة التأهب السياسي الذي صار على الأبواب في اليمن، هو ما جاء به كيري إلى السعودية، وما يعزز هذا الطرح، هو إشارة المبعوث الدولي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ أحمد، أثناء زيارته الأخيرة إلى سلطنة عمان، حيث أكد أن مشاورات السلام التي استضافتها الكويت على مدى أكثر من 90 يوماً «ليست فاشلة»، مضيفاً بأنها «تطرقت إلى كل القضايا التي أصبحت واضحة»، ليبق قرار إنهاء الأزمة قيد الإعلان قدر الإمكان على التوقيت الأمريكي، لكن تطورات ميزان القوى الدولي بعموميته، من شأنه أن تجيب عن التوقيت الحقيقي لحل الأزمة اليمنية الذي لم يعد يطابق التوقيت الأمريكي في إعلان التغيرات الدولية، فكيف الحال بالتغيرات الإقليمية!