مملكة آل سعود.. الدّور الوظيفي في إشاعة التّخلف والإرهاب والتّخاذل
المادة التالية هي مقتطفات من بحث سيصدره الكاتب ضمن كتاب بعنوان: «السعودية وصناعة الإرهاب الدولي»..
(1) كيفيّة وظروف النشأة
بعد أكثر من محاولة امتدّت حوالي قرن ونصف القرن تمكن تحالف آل سعود وآل عبد الوهاب من إقامة كيان سياسي اتسع ليشمل غالبية مساحة شبة الجزيرة العربية، متضمناً موطن الدعوة الإسلامية أي الحجاز، ومقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة أي الحرمين الشريفين (الكعبة المشرفة وقبر الرسول الكريم).
أطلق مؤسسو هذا الكيان اسم أسرة آل سعود عليه، حيث استقر لأول مرة في العصر الحديث اسم دولة منسوباً لأسرة بعينها، بعد زوال دولة «آل عثمان» في تركيا التي اغتصب مؤسسوها الخلافة الإسلامية، وحكموا بالحديد والنار جل العالم الإسلامي فأجهضوا كل إمكانيات تطوره.
بيد أن الكيان المعروف باسم المملكة العربية السعودية قد تأسس في ظروف دولية جديدة وظروف إقليمية معقدة وتحت وطأة الهجمة الاستعمارية التي جاءت كنتاج لتحول أوروبا الغربية (أو أهم دولها) وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإمبريالية.
الظروف الدولية لنشأة الكيان السعودي:
دشنت الثورة الفرنسية 1789 مرحلة جديدة في التطور الأوروبي وفي إنعاش النزعة الإمبراطورية الأوروبية في عودة هيمنتها على العالم العربي والإسلامي الذي كان عصياً على الغزو الأوروبي منذ طرد الرومان من المنطقة وإقامة الدولة العربية الإسلامية، ثم فشل الصليبيون في استمرار وجودهم في العالم العربي الذي ارتدى غطاءً دينياً رغم الحملات الست.
تحت أسوار عكا ألقى «نابليون بونابرت» خطابه الشهير الذي كان أول وعد لليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، وكان هذا الأمر يعكس على نحو ساطع حاجة أوروبا لزرع كيان يهودي (أي قائم على أساس ديني، وذي طبيعة وظيفية في خدمة الغرب الاستعماري الرأسمالي)، أي زرع الغرب في شرقنا العربي، بهدف استقرار الهيمنة الغربية عليه.
واستمرت الحملة الاستعمارية الأوروبية على البلدان العربية بحسب ما هو معروف.
بعد خفوت طال عدة عقود، وبعد مقدمات تبلور المشروع الصهيوني السياسي على يد «تيودور هرتزل» الذي تقدم به في مؤتمر «بال» بسويسرا عام 1897.
ونلاحظ هنا أن الرأسمالية كانت في هذا الوقت قد بدأت بالتحول من رأسمالية المنافسة الحرة إلى الاحتكار، أي إلى الإمبريالية، وكان تبلور هذا المشروع في هذا السياق يؤكد أن الصهيونية هي الابنة البكر للإمبريالية، سبقت الفاشية والنازية والمكارثية... إلخ.
بعد نحو عشرين عاماً - نهاية الحرب العالمية الأولى – أي عام 1917 صدر وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، كما تم افتضاح أمر مشروع سايكس- بيكو (بريطاني – فرنسي) لاقتسام العالم العربي فيما بين بريطانيا وفرنسا، وكان المشروع في حقيقته تقسيماً واقتساماً.. أي تقسيم الوطن العربي وتفتيته من ناحية، واقتسامه فيما بين الضواري الإمبرياليين من ناحية أخرى.
في خضم هذه التطورات والأحداث الهائلة كان العمل يجري على قدم وساق لإقامة الكيان الذي عرف منذ عام 1932 بـ «المملكة العربية السعودية».
ونلاحظ هنا ما يلي:
-1 إن هذه المحاولة الأخيرة لأسرتي «آل سعود» و«آل عبد الوهاب» قد جاءت متزامنة إلى حدّ يثير الانتباه مع تحول الرأسمالية إلى مرحلة الإمبريالية من ناحية، ومع كل من وعد بلفور ومشروع سايكس- بيكو من ناحية أخرى.
-2 ولذلك فإنه مما يثير الدهشة أن من أصدروا وعد بلفور (يهودي)، ومن صاغوا سايكس- بيكو (وهما وزيران بريطاني وفرنسي يهوديان)، وأن من رعى ولعب الدور الأساسي في قيام هذا الكيان «السعودية» كان «ونستون تشرشل» السياسي والقائد البريطاني البارز الذي قام بالدور الأساسي في إقامة الكيان الصهيوني، حيث كانت بريطانيا في ذلك الوقت هي القيادة المعترف بها للإمبريالية العالمية، وأصبحت يدها غير مغلولة بسبب تسوية الأمور بينها وبين منافستها التقليدية فرنسا بعد وفاقهما وبعد سايكس- بيكو.
-3 إن إنشاء هذه المملكة كان، إلى حدّ بعيد، على العكس من المحاولات السابقة الفاشلة لتحالف آل سعود وآل عبد الوهاب، إذ جاء معتمداً على المساعدة الأجنبية الغربية (بريطانيا أساساً)، ولم يكن من الممكن تمريره في ظروف صعود دور الشريف حسين أمير مكة، حيث قام البريطانيون بجرجرته إلى خارج الحجاز وإلى خارج شبه الجزيرة العربية برمتها كما هو معروف.
-4 إن إقامة هذا الكيان السعودي جاء في تضاد مع نهج سايكس- بيكو القائم على التقسيم والتفتيت، إذ قام على توحيد عدد من الأقاليم في شبة الجزيرة العربية أهمها الحجاز لتكوين مملكة شاسعة تمتد من الخليج إلى البحر الأحمر وتضم المقدسات الإسلامية، وهذا يثبت خطأ وجهات نظر البعض الذين رأوا هذه المسألة بشكل إيجابي باعتبار قيام هذا الكيان عملية توحيدية، دون إدراك بأن وراء الأكمة ما وراءها.
(2) أسس قيام الكيان
تحقق قيام هذا الكيان على الأسس التالية:
-1 العنف والإبادة:
ربما لم يتذكر عالمنا قبل قيام هذا الكيان سوى نموذجين فريدين في محاولة إقامة كيانات سياسية بعنف وصل إلى حد الوحشية والإبادة سوى ما قام به المغول، وهو ما كابدت منه منطقتنا العربية الإسلامية، وما قام به الأنجلوساكسون في أمريكا الشمالية لإقامة الولايات المتحدة الأمريكية وإبادة سكان البلاد الأصليين (الاختلاف يتركز في الكم وليس في الكيف).
قامت مملكة آل سعود بطريقة وحشية حيث تمّت إبادة آل الرشيد حكام نجد السابقين بحدّ السيف، وكذا القبائل المناوئة لحكمهم خصوصاً في الحجاز التي كانت مقاومتها أشدّ لسيطرة آل سعود ومذهبهم الوهابي، وتزخر الكتب القليلة التي تناولت نشأة هذا الكيان - رغم ندرتها وبسبب التعتيم المتعمد على الموضوع- بتصوير الوحشية التي تشيب لها رؤوس الولدان.
-2 الحكم المطلق:
ونعني به تفرد الأسرة المالكة، ويمثلها الملك عبد العزيز ثم أبناؤه من بعده وحتى الآن بسلطة مطلقة لا معقب عليها، على أساس ملكي وراثي لا يتم في ظله الاستناد إلى دستور أو مؤسسات، وتغيب فيه أية رقابة على هذا الحاكم الفرد، ويتحكم الملك الذي أطلقوا عليه لقب خادم الحرمين الشريفين -لإضفاء القداسة عليه- ومن خلفه الأسرة في الأرض وما تحتها، وفي الناس والموارد والأموال وكل شيء دون أدنى محاسبة من أي نوع، وتتلاشى أية تقسيمات بيد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لتصبح كلاً واحداً مفاتيحه في يد واحدة، وتوزعت أقاليم ومدن المملكة بأسلوب الملكية الخاصة والطابع الإقطاعي على أمراء الأسرة الساهرين على حراسة الحكم المطلق الذي تم تصويره بأنه الحكم بشرع الله.
-3 الوهابية:
ولتمرير أسلوب الحكم المطلق المنافي لتعاليم الإسلام شكلاً وموضوعاً، فقد تأسس منذ وقت مبكّر تحالف آل سعود وآل عبد الوهاب على أساس من ابتداع مذهب جديد في الإسلام، هو المذهب الوهابي القائم على التشدد والغلو في الشكل وإهدار كل ما يتعلق بالجوهر وهو العدل والمساواة بين البشر والرحمة، وتكفير الآخرين من غير أتباعهم أو المعارضين لهم تهيئة لمناخ الاستبداد وقمع لكل معارضة أو مطالب مشروعة للمسلمين، وتطلب ذلك مواقف معادية لكل إيجابيات التراث الإسلامي، واستدعاء كل ما هو سطحي وثانوي وأسطوري وسلفي (وننوه بأن السلفية تختلف كليّةً عن الأصوليّة، إذ تُفهم السلفية بأنها الاقتداء بالسلف دون مراعاة للواقع المعاش، أما الأصولية فهي استدعاء الجوهر الإيجابي للأصول وربطها بالعصر وبالظروف الموضوعية المستجدة، ويتجلى الاختلاف في ظروف العالم الإسلامي أن السلفيين المعاصرين يقومون باستدعاء كل ما هو غث وغير جوهري من التراث، بعكس الأصولية بمعناها الصحيح والتي يعتبر السيد حسن نصر الله نموذجاً لها)، وتقوم الوهابية أيضاً على النفي المطلق للموقف الإسلامي المنحاز للعلم وإعمال العقل وإشاعة الاستنارة والعدل والحرص على مصالح المسلمين.. وهكذا تم عن عمد خلط خطير بين الأهداف السياسية للأسرة الحاكمة وإرساء هيمنتها، وبين الدين الذي اعتبروا الوهابية تجسيداً له ووضعه في خدمة مصالح التحالف بين آل سعود وآل عبد الوهاب.
-4 الدّعم الإمبريالي:
قام هذا الكيان أساساً بدعم بريطاني، كانت الجهوزية الأمريكية حاضرة كما هو معروف لشغل موقع الراعي والحامي لهذا الكيان. بعد أن هوت الإمبريالية البريطانية من عرش القيادة، وضعته الإمبريالية الأمريكية في موقعه الهام من استراتيجيتها وفي قلب مصالحها الحيوية. لقد عملت الأسرة الحاكمة في هذه الدولة بوصية مؤسسها الملك عبد العزيز لأبنائه لحظة وفاته حيث أوصاهم «إياكم والخواجة.. لا تغضبوه.. وحافظوا على علاقاتكم معه.. فهو من حول الرمال الصفراء إلى أموال وثروة».
-5 الانقلاب الكامل على الجّغرافيا والتاريخ والهويّة:
كان حرص مؤسّس الكيان «عبد العزيز آل سعود» على تسمية المملكة باسم الأسرة، وتلك التسمية تحمل دلالات شديدة الأهمية، إذا تكرس على المستوى المحلي والإقليمي والدولي حالة منفصلة عما قبلها بشكل كامل، وجديدة نوعياً رغم أنها لا تتماشى مع التطور التاريخي للمجتمعات وروح العصر، وانقلاب في الموازين، فبدلاً من أن تنتسب أية أسرة لدولة وشعب، تنتسب دولة وينتسب شعب لأسرة.
وكان الحرص شديداً على الاستحواز على الحجاز الذي كان منذ بدايات الدولة الإسلامية وحتى نهايات الثلث الأول من القرن العشرين كياناً معروفاً وقائماً بذاته في ظل الكيان الأكبر وهو الدولة الإسلامية بمختلف مراحلها. لكن هذه الأسرة التي اختارت مدينة «الرياض» عاصمة لها، سرعان ما بدأت بالتدريج في طمس اسم الحجاز حتى كاد يختفي من التداول مقابل صعود اسم دولة الأسرة السعودية. ولهذا الأمر دلالات شديدة الأهمية. وبالتبعية لضم الحجاز تحققت سيطرة الأسرة على الأماكن المقدسة، على مكة والمدينة المنورة، وجرت دون رحمة إزالة لكل ما يدل على الماضي ويعتز به المسلمون. قبور آل البيت والصحابة وأضرحتهم وحتى منازلهم. ومن الملاحظ الآن أن القنوات التليفزيونية لهذه المملكة (وهي كثيرة جداً) وفي إعلانها عن توقيتات برامجها (بما فيها القنوات الموجهة للأطفال) تحيل إلى أن البرنامج سيذاع حسب توقيت السعودية، وهو ما لا نراه أو نسمعه في أية دولة في عالمنا، إذ أن التوقيت يحيل إلى توقيت مدينة بعينها، في حين أن العديد من القنوات التليفزيونية غير السعودية تحيل إلى توقيت «مكة المكرمة» أي أنه رغم الاتساع الشاسع لهذه المملكة التي يختلف التوقيت فيما بين أقاليمها ومناطقها ومدنها، هناك حرص لا ينهض على أساس موضوعي على أن يكون اسم المملكة حاضراً في الأسماع إلى درجة تشي ليس فقط بالعمل على طمس اسم الحجاز من الذاكرة، ولكن أيضاً إلى إعلاء اسم الأسرة على المدن ذات القداسة بالنسبة للمسلمين. ورغم بساطة الأمر إلا أنه يحمل دلالات هامة.
(3) الكيان السعودي كيان وظيفي مواز للكيان الصهيوني
استناداً إلى ظروف النشأة والتكوين، ارتسم عميقاً خطّ الممارسات ذو الطابع السياسي لهذا الكيان، فالظروف الدولية التي أحاطت بقيامه، والمصحوبة بالمشروع الإمبريالي في المنطقة وزرع الكيان الصهيوني فيها والطريق الدموي المصاحب للتكوين والعقلية القبلية التي صاغت أسلوب الحكم المطلق، وفي إطار التكوين الفكري «الوهابي». واستناد النشأة والتكوين على الدعم الإمبريالي واستمرار هذا الدعم (الأمريكي) وصولاً إلى وضع الكيان في قلب الإستراتيجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي، وبالنظر إلى الثروة النفطية وفوائضها المالية الفلكية؛ استناداً إلى كل ذلك، فقد عملت المملكة على أن يكون أمن الأسرة واستقرار وضعها بحماية إمبريالية هي الأولوية الأولى من ناحية، وأن يكون هذا الكيان كياناً وظيفياً (يعمل في خدمة المصالح الأمريكية المتشابكة والمترابطة والمعقدة) موجوداً بالتوازي مع الكيان الصهيوني ككيان وظيفي وذراع طويلة للإمبريالية في المنطقة. إذ قام الكيانان على الأسس نفسها وبالأسلوب نفسه تقريباً.
إن ما كشفت عنه التطورات السياسية في المنطقة، يؤكد أن المشروع الإمبريالي الغربي اكتشف بحكم التجربة التاريخية للغرب الحاجة الملحة لإقامة الكيان الصهيوني (أي زرع الغرب في الشرق العربي)، وأن يتم تعزيز ذلك بكيان وظيفي آخر من الأفضل أن يكون عربياً يقام أولاً توطئة لقيام الكيان الآخر الصهيوني، وأثبتت ممارسة الكيانين: الصهيوني والسعودي أنهما كيانان وظيفيان بامتياز، وكان لكلّ منهما طريقته في الأداء، خدمة للإمبريالية وضدّ مصالح شعوب المنطقة. وينبغي التأكيد على أن البذرة الأولى لكل منهما قد نبتت ونمت مروية بالدم، دم سكان شبة الجزيرة العربية، ودم الفلسطينيين. لقد تأسّسا وخرجا إلى النور بالعنف الإرهابي الذي وصل إلى حدّ الإبادة والتشريد والتهجير...إلخ.
موقف الكيان السعودي من الكيان الصهيوني:
لم نشهد موقفاً عملياً يجسد عداء الكيان السعودي للكيان الصهيوني منذ عام 1948 ولا حتى قبل ذلك. كان دوره باهتاً يتماهى في العمق مع صانعي هذا الكيان من القوى الإمبريالية (التي صنعتهم هم أنفسهم).. بعد عام 1967 لم يتجاوز الدور تقديم الدعم المالي والموقف الدبلوماسي في المحافل الدولية.
وبعكس المبالغة الشديدة لدور الملك فيصل في حرب 1973 وأكذوبة قطع البترول العربي الذي لم يستمر إلا لأيام تعدّ على الأصابع. فقد كان ذلك الموقف نتيجة لمقايضة خسيسة لدعم أنور السادات الذي اتفق سرّاً مع فيصل بعد وفاة عبد الناصر على إنهاء المشروع الناصري بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتحررية..إلخ، وفي كل الأحوال فقد أنتجت حرب أكتوبر ما يسمى «الطفرة البترولية» التي استفادت منها الأسرة الحاكمة في الكيان السعودي مثلما استفادت منها احتكارات النفط الغربية بشكل هائل. ولم يكن الغضب المعلن من اتفاقية كامب ديفيد سوى وسيلة للحفاظ على وضع المملكة التي قدمت نفسها للعالم الإسلامي باعتبارها حامية وراعية الإسلام.
لكن هذا الموقف الباهت بدأ في التراجع منذ مدريد وأوسلو وصولاً إلى الحياد الواضح والجلي ثم التعاون الاستخباراتي مع العدو الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية الذي افتضح أمره مؤخراً، وبمصاحبة ذلك فإن السعودية وعقب أحداث سبتمبر تحول موقفها، بفعل بعض شخصيات الأسرة الحاكمة هناك، إلى الانخراط فيما سمي بالحرب على الإرهاب وصولاً إلى المناهضة العلنية للمقاومة في كل من فلسطين ولبنان التي تصب في طاحونة الأمريكيين والصهاينة، حيث يدّعون أن المقاومة إرهاب، في حين أن الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي يعتبر تحضراً ومقاومة للإرهاب وإرساءً للديمقراطية.
(4) عن الثّروة النفطيّة وعائداتها
لم يعد خافياً على أحد الحجم الهائل للثروة النفطية في باطن أراضي هذا الكيان، وهو ما أدركه الغرب الإمبريالي مبكراً، والتي قد تختلف التقديرات حول حجمها أو نسبتها من احتياطيات النفط في المنطقة العربية أو على المستوي العالمي. لكن لا أحد ينكر أن حجم هذه الثروة وعوائدها شديدة الضخامة، وهذا الأمر ذو وزن حاسم في تحديد التوجهات والممارسات السياسية لهذا الكيان، وفي وضعه في قلب الإستراتيجية الإمبريالية (الأمريكية على وجه الخصوص). كما في قلب الأمن القومي الأمريكي ذاته.
وتحقق فوائض النفط أرقاماً خيالية كل عام، تذهب وبنسبة لا تقل عن 80 % (حسب الخبراء) إلى الغرب الأمريكي أساساً، ثم الأوروبي، وهي بمثابة رافعة رئيسية للاقتصاد الأمريكي تعينه على تخطي أو علاج أزماته المتفاقمة التي تعترف بها مراكز الأبحاث الأمريكية الكبرى وحتى الإدارة الأمريكية ذاتها. في العام الماضي وصلت الفوائض السعودية المستثمرة في الولايات المتحدة والغرب ما يقارب 1.5 تريليون دولار، وسوف تزيد هذا العام عن 2.5 تريليون دولار، توظف في البورصات الأمريكية لإقالتها من عثراتها وفي أذون الخزانة وفي الشركات المتعدية الجنسيات وكودائع في البنوك، إلى جانب إنفاق هائل في شراء أسلحة من الغرب بكميات خيالية لم ولن تعرف طريقها إلى الاستخدام ضد أعداء العرب والمسلمين، وفي فتح أسواق البلاد للسلع الترفيهية الأمريكية والأوروبية إلخ.
والأهم هو التمسّك بالدولار كعملة تسعير للنفط، وبالتالي كعملة وفاء لعمليات الشراء الواسعة، وهو ما يعتبر درع الحماية لهذه العملة المترنّحة.
إن أموال النفط وفوائضه الهائلة رهينة لدى الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية مثلما احتياطي النفط فعلياً تحت يد قوات «الاحتلال» الأمريكية في المملكة وفي الخليج كلّه.
ويعتبر هذا الكيان السعودي هو عرّاب وقاطرة تجرجر وراءها كل دويلات الخليج أينما ذهبت في الاقتصاد أو في السياسة أو في نظام الحكم أو في التحالفات الدولية..