غل وأزمة الهوية التركية
يأتي انتخاب عبد الله غل رئيساً جديداً لتركيا ليضعها أمام مفترق جديد فيما يتعلق بهويتها وسياساتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية على حد سواء، ولاسيما مع تنوعها الاجتماعي والعرقي والحزبي في إطار من الديمقراطية السياسية التي تغيب عنها المعالم الطبقية.
الرجل القادم من خلفيات حزبية إسلامية لم يفلح حتى الساعة في طمأنة مخاوف خصومه العلمانيين سواء في صفوف الأحزاب السياسية المعارضة أو في مؤسسة الجيش النافذة في تركيا، ولكن انتخابه قوبل بترحاب دولي ولاسيما من جانب واشنطن التي ستسعى لاستغلال أي بلبلة لاحقة محتملة يحدثها أدائه الرئاسي واقتناص خصومه لها وانعكاس ذلك على استقرار تركيا لصالح استهدافها أمريكياً- وهي حليفة واشنطن التقليدية- بمخططات التفتيت والشرذمة.
ويبدو أن تعهد غل باحترام النظام العلماني الذي تأسست عليه الجمهورية التركية المعاصرة سيضعه في تناقض مع التوجهات الإسلامية لحزبه، في وقت لا يستطيع معارضوه ومعارضو حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه انتقاد أدائه الاقتصادي الذي ساعد في جذب الاستثمارات لتركيا وخلصها من نسبة كبيرة من ديونها الباهظة التي ترتبت سابقاً على إتباع وصفات وديون صندوق النقد والبنك الدوليين.
وفي دفاعه عن «المصالح القومية» التركية سيجد غل نفسه في تناقض مع منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية وجيرانه الإقليميين ولاسيما بخصوص ملفات تتعلق بالعراق وشماله وتهديد تركيا المستمر باجتياحه، وبفلسطين ووضع القدس فيها مثلاً، إلى جانب الموقف من أي عدوان على إيران أو سورية أو كليهما، ودائماً على خلفية ارتباط المؤسسة العسكرية التركية بتحالف مع إسرائيل باتفاقات تعاون ثنائي ومع واشنطن التي تقود حلف الأطلسي الذي تشكل فيه تركيا أكبر تعداد عسكري.
ويشكل فيما سبق جملة من التناقضات والتجاذبات التي ستحكم مستقبل تركيا في ظل ثنائي إسلامي حكومياً ورئاسياً لن يروق للكثيرين ولاسيما أولئك الأوربيين المتحفظين على انضمام ذلك البلد للأسرة الأوربية، وهو الذي تنقسم أساساً كبرى وأشهر مدنه، اسطنبول، إلى قسمين غير محددين جغرافياً، واحد شرقي والآخر غربي.