مؤتمر بوش... كالمستجير من الرمضاء بـ...!!

ما إن صرح محمود عباس في عمان «عن إمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل خلال ستة أشهر» حتى سارع إيهود أولمرت بالإجابة عليه قائلاً: «إن تحقيق السلام مع الفلسطينيين يتطلب من عشرين إلى ثلاثين عاماً...». وقد سبق لرئيس وزراء الكيان الصهيوني في العام 1991 اسحاق شامير أن رد على تفاؤل بعض المعتدلين العرب، أمثال محمود عباس عشية مؤتمر مدريد، بأن تل أبيب لن تقبل التفاوض مع وفد عربي موحد، أو العودة إلى حدود 1967، أو البحث في قضايا القدس واللاجئين. وقد كان له ذلك بالفعل حيث شهدنا الإعلان عن مسار أوسلو السري في أيلول 1993، ووادي عربة 1994، وصولاً إلى خارطة الطريق، وجدار الفصل العنصري وأخيراً الفصل الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة الغربية المحتلتين...

... والآن، وفي ظروف أسوأ بما لا يقاس من الظروف التي عقد فيها مؤتمر مدريد يجري التطبيل والترغيب لصالح عقد ما يسمى بمؤتمر الخريف الدولي تلبية لدعوة الرئيس بوش حول القضية الفلسطينية، التي يتهالك «عرب الاعتدال» للتخلص من أعبائها ومن موجبات المواجهة مع الاحتلالين الصهيوني والأمريكي للأرض العربية، لذلك سارع معظم الحكام العرب بإعلان حماسهم لحضور المؤتمر في النصف الثاني من تشرين الثاني وبالشروط الإسرائيلية المعلنة وفي ظل المواقف الأمريكية المعروفة والتي من أبرزها:

ـ رفض المبادرة العربية ـ على كل ما فيها من تنازلات، وهي مطروحة في سوق المساومات العلنية والسرية مع واشنطن وتل أبيب. منذ خمس سنوات فجاء الرد بعد كل هذا التأخير بالإعلان عن اجتماع دولي تحضره 38 دولة يمثل حاجة أمريكية لا تلزم واشنطن في شيء وتساعدها في ضبط ساعة الأحداث في المنطقة، والتي قاربت حالة الإفلات من يدها خصوصاً بعد هزيمة الجيش الصهيوني في جنوب لبنان على أيدي المقاومة والشعب اللبناني في تموز 2006، وهي هزيمة إعاقة مخطط تفتيت المنطقة والهيمنة عليها.

ـ فرض التطبيع على النظام الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني بدون مقابل، والتخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام ورفض خيار المقاومة وإعلان المقاطعة لكل من يتبنى هذا الخيار، وهذا ما جرى التعبير عنه بعد قمة الرياض بتشكيل «وفد عربي» والذهاب إلى تل أبيب لإقناعها بالمبادرة العربية، وقد حلل ذلك، وكانت النتائج مزيداً من العدوان وتهويد الأرض والجرائم والعقوبات الجماعية ضد السكان تحت الاحتلال.

وهكذا تحولت «دول الاعتدال العربي» إلى حليف لتل أبيب وواشنطن في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة وصولاً إلى الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة والقطاع عبر تشجيع فريق عباس ـ فياض على رفض الحوار مع حركة حماس في الوقت الذي يجري فيه صائب عريقات وياسر عبد ربه مفاوضات سرية مع قادة الكيان الصهيوني تحضيراً لاجتماع الخريف والذي سيكون محطة جديدة للتخلي عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.

ـ إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لمشروع تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، على أساس عرقي ومذهبي قبل اجتماع الخريف، يعني خلق سابقة سيجري تعميمها على دول المنطقة بالتدريج بحيث تصبح علاقات التحالف الامبريالي ـ الصهيونية لاحقاً ليس مع دول وطنية موحدة ذات سيادة مركزية، بل مع كيانات مذهبية ـ عرقية مرتبطة بحبل السرة بمن أوجدها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

... ومن هنا يمكن تفسير كل هذا العداء السافر والجرائم التي تحاك ضد خيار المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وضد تأييد سورية وإيران لفصائل المقاومة في المنطقة، لأن خيار المقاومة يوحّد الشعوب في هذا الشرق ضد المشروع الإمبراطوري الأمريكي على المستوى الإقليمي والكوني، ويلحق الهزيمة الأكيدة بالمحتلين مهما عظم شأنهم العسكري وأدوات التفتيت التي يستخدمونها في العراق ولبنان وفلسطين وعلى مستوى المنطقة ككل.

وإذا كان هناك من واهمين حول «اجتماع الخريف الدولي» وما يمكن أن ينتج عنه، فإن شأن هؤلاء شأن المستجير من الرمضاء بالنار. وقد سبقت مؤتمر مدريد حرب على المنطقة وأعقبته حروب عدوانية كثيرة من بينها احتلال العراق وحرب تموز في لبنان، ويجب ألا يغيب عن الذهن أبداً أن إدارة بوش وحليفها الكيان الصهيوني يحضران لتوسيع رقعة الحرب ضد سورية ولبنان وإيران سواء قبل اجتماع الخريف أو بعده بقليل.

ومن يستبعد هذا الخيار إما واهم لا يرى من المنخل وإما راغب بأن يكون من فصيلة عرب الاعتدال التابعين الأذلاء للرأسمال المعولم والمسلح، ولكن في الطرف الآخر من المعادلة هناك خيار المقاومة الشاملة الذي يشق طريقه رغم المعيقات كافة، لأن هذا الخيار هو موضع الرهان الأول والأخير.