ما لم يقله تقرير «فينوغراد»
لقد انشغل معظم العرب ووسائل إعلامهم بتقرير «فينوغراد» وسال حبر المطابع على أطنان من الورق تحليلاً وتمحيصاً، بالعين المجردة وبالعدسات المكبرة لما احتواه ذلك التقرير المؤلف من حوالي 350 صفحة حول ما توصلت إليه لجنة فينوغراد بشأن هزيمة جيش الاحتلال في حرب تموز 2006.
توهم البعض أن التقرير موجه لنا كعرب، وعلينا التعلم من «موضوعية رجال الدولة» في الكيان الصهيوني أثناء البحث في أسباب الفشل ومعاقبة المسؤولين عنه. وأعجب البعض الآخر بـ«الديمقراطية الإسرائيلية التي تتسع لمحاسبة المسؤولين، وقارنها بالديمقراطية الأمريكية التي تفسح المجال لمرشح من أصل أسود بالتنافس على مقعد الرئاسة..»!
نذكر أنه في أعقاب حرب تشرين 1973 أيضاً كانت هناك «لجنة أغرانات» وكان موضوعها الرئيسي الكشف عن الأضرار التي لحقت بـ«هيبة الردع العسكري الإسرائيلي» والتي هي أهم مكونات وجود الكيان الصهيوني. ولكن تقرير «لجنة أغرانات» آنذاك أطاح بحكومة غولدا مئير. وهكذا كانت رغبة الإدارة الأمريكية في حينه بعد أن ضمنت خروج السادات من معادلة الصراع في أعقاب اجتماعه مع كيسينجر بعد الحرب بأيام وحصوله على تعهد السادات الشهير: «بأن 99 % من أوراق الحل بيد أمريكا، وحرب تشرين هي آخر الحروب ضد إسرائيل».
وإذا كان تقرير «فينوغراد» الآن قد عالج القضايا الكبرى نفسها التي عالجتها «لجنة أغرانات» من حيث الجوهر، فإن ما لم يتجرأ تقرير «فينوغراد» على البوح به علانية هو الدور الأمريكي في شن الحرب على لبنان والمكابرة في إطالة أمد الحرب ولاحقاً عدم السماح بسقوط حكومة «أولمرت» سواء بعد الحرب مباشرة أم في الظرف الراهن، لأن سقوط الحكومة أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في الكيان يتطلب وقتاً لا يقل عن ستة أشهر لا تتناسب مع ما تخطط له إدارة بوش من توسيع رقعة الحرب في المنطقة سواء باتجاه إيران أو لبنان وسورية بعد دخول المشروع الأمريكي في العراق مرحلة الفشل الجدي رغم كل أساليب التضليل المستخدمة لإثبات عكس ذلك...
ولإثبات ما ذهبنا إليه نذكر بأن التقرير الانتقالي لـ«لجنة فينوغراد» الصادر في 30 نيسان 2007 بحسب جريدة «معاريف» الإسرائيلية؛ «كان قد حول رئيس الوزراء أولمرت إلى مجرم قومي محكوم بالإعدام، جثة سياسية تنتظر دفنها بصمت. وها هو التقرير النهائي يبرهن على أن هذا القبر غير موجود وأن المحكوم بالموت هرب»!. والشاهد الآخر الذي يثبت علاقة الجانب السري الذي لم يعلنه التقرير ببقاء «أولمرت» في منصبه هو خطاب الأخير أمام الكنيست حيث تعهد بتطبيق تفصيلي لتوصيات تقرير «فينوغراد» والتي تنحصر في الجوانب التقنية والميدانية العسكرية. وهذا يعني وحدة المضمون بين تقرير «فينوغراد» وخطاب «أولمرت»، خصوصاً أن التقرير قدم خدمة لرئيس الوزراء لأنه لا يحاكم القرار السياسي بشن الحرب، بل يحاكم العجز عن استمرار قوة وهيبة الردع الإسرائيلي، ليس في الدفاع بل في الهجوم، وحماية التجمع الاستيطاني الصهيوني في الداخل خلال سير المعارك كما كان في جميع الحروب التي خاضها العدو الصهيوني ضد العرب.
عندما يقول التقرير: «إن الجيش الأقوى في الشرق الأوسط هزم على يد تنظيم شبه عسكري يضم بضعة آلاف من المقاتلين، وبقيت الصواريخ تتساقط على الداخل ولم تكن الدولة قادرة على حماية أمن المدنيين»، هذا يعني أن أهم ما يخشاه قادة العدو واللجان العليا على شاكلة «لجنة فينوغراد»، هو تغيير قواعد اللعبة بالاتجاه المغاير للمألوف فيما سلف من حروب. وهذا يعني بداية النهاية للمشروع الصهيوني في المنطقة.
وهنا تأتي فضائل خيار المقاومة الشاملة ـ غير الكلاسيكية ـ وأهمها:
ــ حرمان العدو من القدرة على الحرب الخاطفة.
ــ خلق إمكانية جدية لنقل المعركة لأرض العدو وحرمان المجتمع الصهيوني من الأمن وتكبيده خسائر جدية وإحداث خلل في البنية النفسية لمجتمع العدو.
ــ خلق توازن قوى جديد يفرض على العدو الاعتراف بقدرة المقاومة ليس فقط على الردع، بل بإمكانية الانتصار في الميدان والتفاوض كما في حالة فيتنام.
وفي معرض هجومه على «أولمرت» اعترف الوزير «إيلي يشاي» بقوة المقاومة وحزب الله قائلاً: «لدينا هنا حربان، نصر الله أحرز الانتصار في الحرب النفسية، أما الحرب على الأرض فلم نعد قادرين على كسبها..».
نقول لأتباع ثقافة الاستسلام وثقافة الذل أمثال (صبابين الشاي في مرجعيون)، إن عدم سقوط حكومة «أولمرت» الآن سببه عدم إقراركم بانتصار المقاومة وحزب الله، وكيلا يتحول هذا الانتصار إلى مثل يحتذى على جبهات عربية أخرى، وهذا ما تتفق عليه الآن كل من القيادتين في واشنطن وتل أبيب.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.