«عبد الثاني» يرتدي عباءة «الحرب»..!
«إما السلام الآن وإما الحرب في العام المقبل»... عبارة تحولت إلى «مانشيت» لدى الكثير من الصحف والمواقع الالكترونية في تغطيتها خبر تصريحات أدلى بها العاهل الأردني عبد الله الثاني لصحيفة بريطانية، عشية قدومه إلى دمشق بالتزامن مع توجه مجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى القاهرة!
«يا سلام..!»، عبد الله الثاني يتحدث عن «الحرب»، فعن أية حرب يتحدث، وبأي جيش سيخوضها؟ وهل هو يتحدث عن حرب ضد «إسرائيل» أصلاً، أي بالأحرى إلى من يوجه تهديده بـ«الحرب»، وما هو «السلام» الذي يتحدث عنه؟ وإلى من يوجه ذلك كله، وبماذا، وبمن يستقوي، وهو الذي ينطبق عليه المثل الشعبي: «شفناك فوق، وشفناك تحت»، يعني «السلبية» الأردنية الرسمية إبان عدواني تموز 2006 وغزة 2008-2009!
خلف الشعارات والعناوين البراقة سرعان ما يكشف العاهل الأردني عما يعمل على تسويقه، وهو «يستل سيف الحرب المبهبط عليه»: مشروع أمريكي «شامل للسلام في المنطقة يقضي باعتراف 57 دولة إسلامية بإسرائيل لكي يعم السلام»، ويسمي ذلك «الجائزة الكبرى» لإسرائيل مقابل الانسحاب والتوقف عن الاستيطان، مع إسقاط الحديث عن حق العودة، علماً بأن الأردن هو أكثر المتضررين من ذلك مع استمرار وجود الطروحات الإسرائيلية الأمريكية حول «الوطن البديل» والتوطين في دول الشتات والعلاقة مع الضفة الغربية..!
صحف النظام المصري «تلقفت» الطرح وروجت له بوصفه تطويراً لما يسمى «مبادرة السلام العربية»، لكي تشمل الأمتين العربية والإسلامية، في وقت أعلن فيه نتنياهو أمام مبارك في القاهرة أن للسلام مرتكزات ثلاثة: السلام والأمن والاقتصاد، وأيضاً مع إسقاط حق العودة بالمطلق، ولكن مع طرح تشكيل حلف عربي- إسرائيلي لمواجهة إيران..! في وقت باتت تتسرب فيه أحاديث عن «قنبلة» سيفجرها مبارك خلال استقباله المرتقب لأوباما في القاهرة، من شأنها إسقاط حق العودة أيضاً، مقابل تعويضات مالية لمن يريدون التخلي عنه، و«ضمانات» بألا يعود من يرفض إلا إلى أراضي «السلطة الفلسطينية».! وضمن السيناريو ذاته، جاء إعلان القيادة الفلسطينية في رام الله عن تشكيل حكومة سلام فياض، قافزة فوق الحوار الفلسطيني ومجهضة إياه، حسب تأكيد أكثر من فصيل مقاومة فلسطيني.
ما نحن أمامه، هو أن سورية، ونتيجة السلوك والتعاطي الإسرائيلي، أعلنت بشكل منطقي «موت» مبادرة السلام العربية، فجاء العاهل السعودي ليلتف على ذلك ويقول: «إنها لن تبقى على الطاولة إلى الأبد»، وبعد التطبيل والتزمير لذلك الموقف «القومجي» السعودي المفاجئ، جاء دور مبارك والعبد الثاني، ليتوليا تقديم هذه «المبادرة» بنسختها «المحسنة والمغربلة» لإكثار بذار تشبثهم بالسلطة عبر الاستقواء بالأمريكي والإسرائيلي والانتصار لمشروعهما، ودائماً على حساب الحقوق العربية والفلسطينية.
وكما كانت الحال مع مسار كامب ديفيد وصولاً لأنابوليس مروراً بأوسلو وخارطة الطريق وخطتي «ميتشيل» و«تينت»، وما أعطته من تطبيع واعتراف ونتائج ترجمها الكيان الصهيوني على الأرض تهويداً وعدواناً، أصبح مطلوباً من الدول الإسلامية التي تطالب بمحاسبة إسرائيل، أن تسلك نهج الاعتدال العربي الذي خان القضية، ولكن مع إضافة نوعية تتمثل في تثبيت صورة عدو وهمي هو إيران، واعتبار «إسرائيل» جزءاً من نسيج المنطقة بالمعنى السياسي والاقتصادي والسكاني الاجتماعي، وربما الديني، رغم اليهودية المعلنة إسرائيلياً لطابع دولة الكيان، وكل ذلك خدمة للمشروع الأمريكي الكبير.
ويبدو واضحاً أن «وحي الحرب» سقط على العاهل الأردني بينما كان في واشنطن، وسيسقط «الوحي» ذاته على أوباما خلال زيارته المرتقبة للقاهرة، ليس بوصفها مدخلاً للعالم العربي أو للعالم الإسلامي، حيث سبق له أن أعطى هذه المكرمة الأخيرة لتركيا، بل من باب تهديد دول الممانعة وقوى المقاومة للقبول بمشروع من يقفون خلفه، ولاسيما مع بدء المنظرين حول أوباما إطلاق التكهنات التبريرية له مسبقاً لما هو متوقع أن يُجبر عليه خلال مئة يوم التالية من حكمه في البيت الأبيض في ساحة تمتد من آسيا الوسطى إلى فلسطين المحتلة مروراً بباكستان والعراق.