محمد الجندي محمد الجندي

أهلاً مستر تشيني

الكعبة والأقصى يرحبان بك. ألم يرحب بك خادم الحرمين الشريفين؟ فهو يملك باسمهما، ويمارس السياسة باسمهما، ويأمر وينهى باسمهما: هو الحارس الأمين لهما. أهلاًَ مستر تشيني، الوسام الرفيع هو أقل ما يمكن تقديمه لك. شكراً لدورك الكبير في احتلال العراق! شكراً لدورك الكبير في احتلال أفغانستان! وشكراً لدورك في الاحتكارات البترولية.

شكراً لحرصك الكبير على أمن إسرائيل ضد عدوانية الفلسطينيين، الذين يهددون ذلك الأمن العزيز الغالي بقنابلهم النووية وبصواريخهم العابرة للقارات وبأقمارهم الصناعية وبغزوهم للفضاء.

طبعاً ليس الترحيب الكبير بالمستر ديك تشيني هو المشكلة، فالإدارات العربية، وإدارات العالم عموماً، ترحب بمختلف المسؤولين الأمريكيين، بدءاً بصغارهم ووصولاً إلى رموزهم الأساسية. السفراء الأمريكيون يأمرون وينهون في أي بلد وجدوا فيه تقريباً. سيادة أغلب البلدان منتهكة، ورغبات الإدارة الأمريكية أصبحت قوانين دولية.

هذا واقع، وأغلب شعوب العالم ترزح تحت وطأته اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. والتمرد على هذا الواقع ليس مسألة إيديولوجية (تعجبنا أمريكا أو لا تعجبنا، يعجبنا النظام الأمريكي أولا يعجبنا، نحن مع الرأسمالية الدولية أو ضدها..الخ). إنه مسألة مصيرية. العراقيون والأفغان والفلسطينيون، حتى لو أعجبتهم أمريكا، وهي قد أعجبت قطاعات مهمة من الرأي العام فيهم، فإنهم لا يستطيعون العيش تحت سيطرتهم، ونحن لا نعني بذلك الزعماء، فهؤلاء يعيشون مدللين ماداموا مفيدين للإدارة الأمريكية ضد شعوبهم، وإنما نعني الناس العاديين، المحاصرين، المتعقلين، المهدمة بيوتهم، المشردين. فجميع هؤلاء، سواء أَكانوا معجبين أو غير معجبين بأمريكا يذوقون مرارة الحياة في ظل سيطرتها. أيضاً البلدان، التي لم تحل عليها بعد فضائل الاحتلال الأمريكي، فإن شعوبها تعاني بوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تدني مستويات المعيشة ونقص المواد والخدمات ذات الضرورة الأولية (السكن، الخبز، الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية...الخ) وفقر البلد والدولة ككل.

عدا ذلك، فإن من لم تصل إليهم فضائل الاحتلال الأمريكي، ليسوا ناجحين، وخصوصاً في الشرق الأوسط، حيث الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية تريدان كل شيء، ومن الجملة منابع البترول، ما معنى الشرق الأوسط الجديد، الذي تنادي به الإدارة الأمريكية؟ سيكون، إذا ما نجحت مخططات الإدارة الأمريكية، شرق أوسط جديد تماماً: لا مكان للبلدان الحالية فيه، لأنها سوف تمزق إلى مشيخات طائفية ـ عنصرية. ربما يوغوسلافيا السابقة ستكون أقل تمزيقاً من الشرق الأوسط الأمريكي الجديد. وبما أن ذلك لا يمكن أن يمر دون مقاومة، فإن الثمن الدموي سيكون كبيراً جداً، وهو من الآن كبير، هل الثمن الذي يدفعه العراقيون والفلسطينيون صغير؟

طبعاً لن ترتجف شعرة في رأس الإدارة الأمريكية ضد التدمير المنهجي لكامل المنطقة. يقول جلعاد شارون (ابن ارئيل شارون) في يديعوت أحرنوت 23/3/2008، إن الشيطان، الذي خرج من الزجاجة لا يمكن الوصول معه إلى حل وسط، ويجب إعادته إلى الزجاجة ودفنه في الرمال العربية. وهذا يتكلم بالحقيقة بلسان العسكرية الإسرائيلية المتفقة في الأهداف مع الإدارة الأمريكية. فمستقبل الوطنيين، أياً كانوا، في المنطقة العربية هو أن يدفنوا في الرمال العربية.

وجلعاد المذكور تكلم عن المبدأ ولم يتكلم عن الطريق الطويل أو القصير للوصول إلى «دفن الشيطان في الرمال العربية». الطريق يمر عبر مجازر طائفية ـ عنصرية يرتكبها أبناء المنطقة ضد بعضهم البعض تمهيداً لإضعاف المنطقة، وجعلها هدفاً سهلاً للضربة القاضية.

ربما من السهل أن يعرف المرء أن الشرق الأوسط مهدد مصيرياً، ولكن ليس من السهل أن يعرف المرء ما العمل ضد ذلك.

الأوراق مختلطة بشكل غير مسبوق. هناك من يرى الخلاص عن طريق الإدارة الأمريكية (أياً يكن نوع الخلاص)، وهناك من يرى عدم الجدوى في أي موقف معاد للإدارة الأمريكية، وهناك من يرى العداء لأمريكا (أي للأمريكيين- وهو الموقف الطائفي) لا للإدارة الأمريكية، ويلتقي بذلك مع الإدارة الأمريكية نفسها في مقولة صدام الحضارات وفي تأليب الرأي العام الأمريكي ضد «الإرهاب».

ربما البوصلة السليمة بالنسبة للتنظيمات والتشكيلات السياسية المعادية للاستعمار، هي أن يقف المرء اجتماعياً وسياسياً ونضالياً ضد عدوانية الإدارة الأمريكية، سواء باستخدامها القوة العسكرية (الأمريكية أو الإسرائيلية) أو بنشاطاتها التخريبية، وأخطرها الطائفية والعنصرية؛ وكل ما عدا ذلك يحل تلقائياً، إذا ما زال الخطر الاستعماري. البوصلة السليمة هي في الدفاع عن المصير، الدفاع الذي يشترك فيه مع شعوب العالم شرطاً أساسياً للتخلص من الاستعمار.

وإذا ما تبنى المناضلون بمختلف أطيافهم هذه البوصلة، يكون كل شيء ثانوياً وزائلاً، ومن الجملة الترحيب المبالغ به بالسيد ديك تشيني.