شمس الشرق الأوسط لن تشرق على بوش
ترجمه لقاسيون: عادل بدر سليمان
يبدو أن بعض الرؤساء الأمريكيين الذين يواجهون مصاعب سياسية واقتصادية قد اعتنقوا القول المأثور: «إن أمطرت في الغرب الأوسط الأمريكي، فما عليك إلا أن تلتمس أشعة الشمس في الشرق الأوسط». لذلك فبينما كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في حزيران 1974، يغرق سياسياً وشخصياً في فضائح كانت في النهاية ستقوده إلى استقالة مذلة ، قام برحلة انتصار إلى إسرائيل وأربع دول عربية امتدت لسبعة أيام. كذلك الرئيس بيل كلينتون الذي حوصر بعدد من الفضائح في السنوات الأخيرة من ولايته الثانية، كان هو أيضاً متلهفاً لإنقاذ ميراثه كرجل دولة عبر دعوته القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى (كامب ديفيد) في تموز عام 2000، من أجل إجراء مفاوضات بغية الوصول إلى اتفاق سلام تاريخي.
لكن لا الرئيس نيكسون ولا الرئيس كلينتون استطاعا أن يدفئا الجو السياسي في واشنطن. واليوم يبدو أن الرئيس جورج دبليو بوش يرفض استخلاص العبر من أسلافه، محققاً بذلك نبوءة «سانتايانا» بأن أولئك الذين يفشلون في التعلم من أخطاء الماضي يُحكم عليهم بارتكابها مرة بعد مرة. فبوش يواصل معاناته من انخفاض نسب شعبيته لدى الأميركيين، كما أنه لا يوجد أي بصيص أمل في أن تؤدي الصور المتلفزة لرحلته إلى الشرق الأوسط إلى إنقاذ صورته المهتزة.
جاء بوش إلى الشرق الأوسط مهموماً بشيء واحد: خطة جيوسياسية كبيرة تشمل المنطقة بأكملها. فبعد أن أُصيبتْ السياسة الأمريكية التي تدعي السعي لقيام «دول حرة وديمقراطية» في المنطقة، بإخفاقات تمثلت بوصول حركات إسلامية راديكالية، وعبر انتخابات حرة، إلى سدة السلطة في العراق وفلسطين، بات يُعتقد الآن أن الإدارة الأمريكية إذا ما قامت بالعمل على إظهار وتضخيم التهديد الصادر عن تلك القوة الصاعدة المتمثلة بإيران الراديكالية، فإنه ربما يكون من شأن ذلك الوصول إلى «اتفاق استراتيجي» بين إسرائيل وبعض الأنظمة العربية «المعتدلة» كالسعودية ومصر والأردن، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى خلق حافز لتوقيع معاهدة سلام نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ترتكز الإستراتيجية الحالية على الأوهام وذلك في صورة تشبه الوهم السابق لإدارة بوش في إقامة عراق محرر ونموذج ديمقراطي لبقية دول الشرق الأوسط. تعترف الأنظمة العربية أن إسقاط الولايات المتحدة لنظام صدام حسين، والفوضى الناجمة عن ذلك قد ساعدا في الإخلال بميزان القوى في منطقة الخليج لصالح إيران. كما تعترف أن واشنطن تفتقر للوسائل المناسبة لاستعادة موازين القوى في المنطقة. وهذا تحديداً ما يفسر الخطوات الأخيرة التي قامت بها بعض الدول الخليجية ومصر باتجاه تخفيف حالة التوتر مع إيران، وقد تجلى ذلك في الزيارة المفاجئة التي قام بها إلى مصر مستشار الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، وحضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القمة السنوية الثامنة والعشرين لمنظمة التعاون الخليجي التي تتزعمها السعودية.
في هذه الأثناء، تبقى الهوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين المتعلقة بقضايا الوجود؛ مواضيع الحل النهائي كـ(القدس، المستوطنات اليهودية، واللاجئين العرب)، غير قابلة للردم. أما ما تقوم به إدارة بوش من جهود لتنشيط عملية السلام فهي لا تعدو عن كونها مجرد سلسلة من الصور الاحتفالية والحملات الدعائية جرت وتجري في أنابوليس والقدس ورام الله.
لقد ساعد نيكسون في المفاوضات التي أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومصر بعد حرب «يوم الغفران» عام 1973. كما ساعد أيضاً في فك حلف مصر مع السوفييت وجلبها لتدور في الفلك الأمريكي. ومن جانبه كلينتون ظل شخصية شعبية، إذ يتم استذكاره في كثير من الأحيان كـ«وسيط نزيه» في عملية السلام الخاصة بالشرق الأوسط. لكن سياسات بوش الفاشلة في المنطقةــ العراق، لبنان، فلسطين،ــ قد جعلت منه إحدى أكثر الشخصيات المحتقرة في الشرق الأوسط، وأسقطت الهيبة الأمريكية إلى الدرك الأسفل في العالمين العربي والإسلامي. وفي الواقع تعد نتائج سياسات بوش الشرق أوسطية مسؤولة جزئياً عن انخفاض شعبيته لدى الأمريكيين. من المؤكد أن الشمس لن تشرق على بوش في المدى المنظور- لا في الشرق الأوسط ولا في الغرب الأوسط الأميركي.
■ المصدر: هارت فورد كورانت