غسان إبراهيم غسان إبراهيم

حرب.. نفط.. دولار..!

في ملف أعدته جريدة «العرب الأسبوعي» ونشر في العدد رقم (17) بتاريخ 27/08/2005 توقعت الدراسة المعنونة: «نفطكم ما يزال أرخص من الكوكاكولا» أن يدفع سوق النفط بالأسعار إلى 94.88 دولارا للبرميل في عام 2007 ليواصل ارتفاعه إلى 110.46 دولارا للبرميل في عام 2008 ويستمر في الارتفاع إلى 149.72 دولارا للبرميل مع حلول عام 2010.

اليوم يحق لنا أن نقول إن توقعاتنا للفترة الحالية حتى نهاية 2007 صدقت، فقد ارتفع سعر النفط إلى مستوى قياسي بلغ 98.62 دولار.. أما الفترة المتوقعة حتى 2010 فقد بدأت دلائل تحققها تلوح في الأفق.

التحليل الذي اعتمدت عليه الدراسة بني على أساسين الأول هو القيمة الوظيفية للنفط كمصدر للطاقة، وهنا قدمنا البرهان على أن سعر النفط ليس عادلاً على الإطلاق، وانه أرخص بالفعل من الكوكاكولا. والثاني هو تجاذب قوى العرض والطلب. والسعر الذي تم توقعه اتخذ على أساس آلية العرض والطلب التي تقول إن السعر سيستمر في الارتفاع طالما أن الطلب في تزايد إلى حد يزيد على طاقات الإنتاج والتكرير (العرض).

ففي حين أن قدرة الدول المنتجة على توسيع طاقة إنتاجها، فوق معدلها الحالي، محدودة وتتطلب زيادتها استثمارات طائلة غير متوفرة، فان الطلب المتزايد، وبخاصة من جانب قوى اقتصادية ناهضة كالهند والصين، سوف يدفع الأسعار في اتجاه تصاعدي.

وهذان العاملان ما يزالان قائمين حتى الآن. وسيواصلان التأثير على الأسعار حتى تصل ما يقارب 150 دولارا في غضون السنوات المقبلة.

أما إذا أخذنا بعين الاعتبار التراجع المستمر لقيمة الدولار، فإن ارتفاعا إضافيا موازيا في سعر برميل النفط سيكون هو المعادل الموضوعي الوحيد لتراجع قيمة الدولار..

ويحسن الأخذ بعين الاعتبار أن ارتفاع أسعار النفط وتراجع قيمة الدولار ليست بالضرورة شيئا ضارا للولايات المتحدة. وذلك لثلاثة أسباب على الأقل.

الأول، أن برميل النفط بقيمة 150 دولارا سيجعل من الاحتياطات الضخمة للقار (الثقيل جدا) في الولايات المتحدة مثمرة من الناحية التجارية. مما يتيح للولايات المتحدة تعويض الخسارة من مكان، بربح من مكان آخر.

والثاني، أن الذين سيدفعون ثمناً عالياً للنفط، ويحققون خسارة (نسبية)، هم المستوردون الآخرون الذين ليست لديهم احتياطات تصلح للتعويض.

والثالث، أن تراجع قيمة الدولار يعني تراجع قيمة الديون الأمريكية. وعلى سبيل المثال فان الصين تملك سندات خزانة أمريكية بقيمة 1.4 تريليون دولار. وعندما تنخفض قيمة الدولار بنسبة 20% مثلا، فان قيمة هذا الدين سوف تتراجع بنسبة مماثلة. أي أن الصين هي التي ستخسر 280 بليون دولار من قيمة أصولها. وكذلك الحال، بالنسبة لجميع الدائنين الآخرين، مثل اليابان ودول جنوب شرق آسيا الأخرى، التي تجد نفسها اليوم تدفع ثمنا اكبر للنفط، وفوق ذلك، فان قيمة الأموال التي دفعتها للولايات المتحدة تتراجع.

كما أن الولايات المتحدة تحارب في العراق وأفغانستان (حيث أنفقت ما يصل إلى 1.2 تريليون دولار) تجعل الآخرين هم الذين يدفعون معظم، أو جزءا كبيرا، من الثمن!

وكان الدولار قد خسر 39.5% من قيمته منذ عام 1990. وفي حين يبلغ مجموع الديون الأمريكية 9.122 تريليون فان ذلك يعني أن كل انخفاض بـ12% في سعر الدولار يعني أن الولايات المتحدة تحارب في العراق وأفغانستان «ببلاش»!

ولكن بمقدار ما يتعلق الأمر بسعر النفط، فان تحليل التطورات والأزمات السياسية والعسكرية في منابع النفط يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضا. وهنا سنجد أن توقعاتنا لـ 150 دولارا للبرميل ربما تكون في حدها الأدنى، ولربما سنجد أن 200 دولار للبرميل قد تكون هي الأرجح، (وهو ما أشار إليه شافيز في قمة أوبك في الرياض عندما حذر من مغبة مغامرة عسكرية أمريكية ضد إيران)

وعلى عكس الاعتقاد السائد، ستكون شركات النفط الأمريكية من بين ابرز المستفيدين، بينما تجني الخزانة الأمريكية مزيداَ من الأموال على حساب المساكين (اليابان ، الصين، كوريا، سنغافورة، الهند،..) الذين وثقوا بان الدولار عملة تصلح للادخار.

وكانت توقعات «وكالة الطاقة الدولية» ترى أن إجمالي العرض العالمي من النفط -متضمنا النفط غير التقليدي ومن أمثلته سوائل الغاز الطبيعي وفوائض التكرير- يمكن أن يكون في حالة عجز مؤكدة بحلول 2010 عن مواجهة الطلب العالمي المتزايد، وأن العالم قد يواجه بحلول العام المذكور عجزا يقدر بأكثر من 20 مليون برميل يوميا، وهو ما سيعمل على محافظة على مسيرة الارتفاع في الأسعار لتخترق جدار 150 دولاراً.

المشكلة هنا لا تكمن في العرض وإنتاج المزيد من النفط، بل في الطلب الذي يتزايد بشكل كبير ومتسارع مع ظهور دول نامية تنتج اغلب ما يحتاجه العالم من سلع، تتطلب لإنتاجها موارد نفطية، ومن جهة ثانية نجد أن الدول المتقدمة طورت من مستوى الرفاهية حيث يستهلك مواطنوها أكثر من 50 مرة ما يستهلكه مواطنو الدول النامية، بمن فيهم الصينيون. بكلام آخر، ان الطلب واصل مشوار الصعود بينما عجز العرض عن النمو ليس لوجود سياسات او برامج لتخفيض العرض بل لمحدودية الإنتاج والطاقة الاستيعابية. وهذا ما يمكن تفسيره بالنقاط التالية:

محدودية الموارد النفطية، القصور في عمليات التكرير والتصفية التي تكلف حوالي 50% من عملية الإنتاج، النقص في استثمارات توسيع الطاقة الإنتاجية للنفط، تجنب الدول المستهلكة للنفط استثمار أموالها في مشاريع نفطية مع إلقاء اللوم بشكل دائم على الدول المنتجة.

إن الارتفاع في أسعار النفط في ظل عدم وجود إستراتيجية سليمة للإنتاج والتسويق والاستخراج لدى الدول المنتجة له اثر سلبي أكثر عليها من الدول الصناعية المستهلكة، لان كل ما تجنيه من فوائض يوجه للاستثمار في القطاع النفطي بشكل أساسي وخصوصا في زيادة قدراتها الإنتاجية بدلا من التفكير في استثمارها في إنتاج وتطوير طاقات متجددة سيما أن العالم العربي غني بموارد طبيعية (الشمس، الريح، البحار..).

ان تسعير النفط بالدولار الذي يتابع مسيرته نحو الجحيم ساحباً معه كل الفوائض التي تحققها الدول المنتجة لجيوب الدول المستهلكة التي حافظت عملاتها على قيمتها بل ارتفعت بشكل مواز لانخفاض الدولار.

فاذا اضفنا الى ذلك عامل التضخم على قيمة النفط واعتبرنا ان سعر برميل النفط 100 دولار بسعر السوق لوجدنا ان ما تجنيه الدول المنتجة (وفق سعر عام 1973) هو حوالي 20 دولاراً اي ان السعر الحقيقي للنفط اقل بخمس مرات من السعر في السوق.

كما تعمد الدول المتقدمة الى فرض ضرائب على الاستهلاك النفطي بنسب عالية تتراوح بين 10-30% اي انها تعمل على ضمان هامش من الربح لمجرد الاستهلاك دون ان تنفق اي مبلغ للاستثمار في مجال الانتاج النفطي، وان انفقت اي استثمارات فهي غالبا ما تكون استثمارات بشرية (اي خبراء واستشاريين ومهندسيين..) يجنون ارباحاً مما ينتجه الاخرون. 

ونقلا عن دراسة أكاديمية أميركية، فإن الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لا يصلها إلا 13.38% في أحسن الحالات من السعر النهائي للبنزين في الدول المستوردة للنفط، "أما الباقي فهو ضرائب حكومية، ومكاسب تجنيها مصانع التكرير (في دول الغرب غالبا) وشركات النقل وتجار الجملة والتجزئة"، أي أن معظم الزيادة في سعر البنزين تذهب لغير الدول المنتجة للنفط!

وبالرغم من كل ذلك لا تتوانى الدول المستهلكة (الدول المتقدمة) ان تلقي اللوم على المنتجين وتوبخهم على تقصيرهم في اداء واجب العبودية الجديد، وهنا يجب ان لا ننسى ان هناك دولا فقيرة تدفع الثمن مضاعفا كونها تعاني من انخفاض عملاتها التي ربطت بالدولار، فتواجه الكارثة من جانبين، الاول الارتفاع في الاسعار والثاني الانخفاض في قيمة عملاتها.

■ نشرة كنعان الالكترونية/بتصرف