انجازات مؤتمر الحزب الوطني الحاكم في مصر والخصخصة: «كمن يبيع كل ملابسه تعرياً كي يشتري حذاءً»
وسط ضوضاء لا سابق لها من أجهزة الإعلام الرسمية، انعقد ماسمي بالمؤتمر التاسع للجماعة الحاكمة، أي حزب السلطة.
انعقد هذا الشيىء في ظل تفاقم الأزمة الشاملة ووسط هالة واسعة من الدعاية بأن ساعة انفراجها باتت وشيكة، بل كثر الحديث عن الطفرات الهائلة التي تحققت في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتي لم يلمس المواطن أي أثر لها..
ولذلك فإنه رغم الضجيج الإعلامي، لم يكن لهذا المؤتمر أي صدى لدى الجماهير، التي لم تعره أي اهتمام لأن الموضوع برمته لايخصها. الملامح الأساسية للمؤتمر الذي تكلف انعقاده أكثر من نصف مليون دولار في اليوم الواحد تركز في ملامح عدة:
1 - الإبراز الفج الذي يثير الدهشة لوريث السلطة، والذي وضعه الإعلام الحكومي في صدارة المشهد أكثر من أي شخص، بدءاً من تولي رئاسة جلسات إلى تصريحات ومؤتمرات صحفية، وتركيز الكاميرات عليه في كل حركة.
كان سبق هذا الأمر القيام بالغارة الواسعة التي أسفرت عن أحكام بالحبس على كل من تسول له نفسه أن ينتقد، ومحاولة وضع هالة من الحصانة – بل القداسة – على الجماعة الحاكمة..
بل لقد كان التركيز الأساسي على السنوات الخمس الأخيرة من عمر الموصوف بالحزب، أي منذ مؤتمر عام 2002 الذي تولى الوريث منصب أمين لجنة السياسات التي تم استخدامها لتضم مجموعة الليبراليين الجدد ورجال الأعمال، والتي جاءت تحت شعار الإصلاح والليبرالية. وكأن هذا التاريخ وهذه السنوات هي بداية الخلق أو سفر التكوين المصري، رغم أنها السنوات الأكثر صعوبة في حياة الشعب والوطن.
ولذا نسألهم: من كان يحكم ويتحكم في كل سياسات البلاد طوال ربع قرن، ولماذا لا يقدمون للمحاكمة؟
لكن ماحدث يؤكد أنه تم في إطار خطة التوريث. وهو أمر مرفوض شعبياً كما نرفضه نحن حتى لو نصبت لنا المشانق.
2 - تصوير الواقع الحالي بصورة مزيفة، فرئيس الوزراء يقرر: «نجحنا في اجتذاب استثمارات 10 أضعاف ما كنا من ثلاث سنوات.. ونحن في مرحلة نمو بلغت 7%، وسنزيد هذه النسبة خلال العام القادم لأن حجم الشركات التي زادت تجاوزت استثماراتها 133 مليار جنيه كرؤؤس أموال وصادراتنا زادت بنسبة 20% وبلغت 22 مليار دولار..
كما أعلن رئيس الوزراء أن الإيرادات غير التقليدية التي دخلت الخزانة العامة هذا العام وصلت إلى 76 مليار جنيه، «جاءت من بيع رخصة الشركة الثالثة للمحمول وعوائد الخصخصة مثل بيع بنك الإسكندرية وأسهم الاتصالات ورخص المصانع الجديدة مثل مصنع الأسمنت وبيع بعض قطع الأراضي الاستثمارية».
أعتقد أن هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق، ولكن للتذكير فإنه أثناء انعقاد ذاك المؤتمر غرقت أكثر من سفينة صيد تحمل مئات الشباب المصري لأوروبا هرباً ًمن جحيم الفقر والبطالة.
وبينما يدعون أنهم يبيعون الأصول لإقامة أصول جديدة «أطلق وزير الاستثمار على الخصخصة اسم إدارة أصول قطاع الأعمال العام» أي يبيعون الاقتصاد لإقامة البنية الأساسية. وهكذا يزيفون، وهم في ذلك كمن يبيع كل ملابسه ويصبح عارياً تماماً كي يشترى حذاءً. ونحن لانعترض على شراء الحذاء ولا على إقامة مشاريع البنية التحتية، ولكن مصر كانت في مرحلة الحروب تبني وتنمي وتقيم البنية الأساسية وتحقق مكاسب اجتماعية للعمال والفلاحين وغيرهم، وتستوعب كل خريجي الجامعات... الخ. وفي «عهد السلام والرخاء» نجد أن الصورة على العكس تماماً.
ولا ندري بعد تمام بيع كل شيء من أين تنفق هذه الحكومة التي تحقق معظم مواردها من لحمنا الحي.
3 - الوعود التي حفلت بها التصريحات والصحف الحكومية من أن «المواطن المصري هو محور رؤية الحزب في العمل الوطني»!! وسياسات (الوطني) الزراعية ستنصف الفلاح المصري أخيراً، «المؤتمر التاسع للحزب الوطني يوحي بحل مشاكل المصريين بالخارج»، «وسياسات المؤتمر ومواجهاته لقضايا الوطن مبنية على أسس علمية». و«تستقبل 850 ألف شاب خلال العام القادم» و«وصول الدعم لمستحقيه» و«العدالة الاجتماعية».
«نجتاز مرحلة انتقالية على طريق الإصلاح» «اقتصادنا تجاوز سنوات الركود.. فأين نحن مما كنا فيه من 5 سنوات؟» كلام مرسل بلا معنى.
المهم أن هذا المسمى «مؤتمر» هو في الحقيقة أقل من «زوبعة في فنجان». هدفه الأساسي هو تكريس مقدمات التوريث، وزاد من خلاله دور رجال الأعمال (محبذي التوريث) وبجوار ذلك تمسك بكل السياسات التخريبية، ولم يستفد من تجارب دول سلكت هذا الطريق وأصابها الدمار. لقد أصيب هؤلاء بعمى البصر والبصيرة والصمم وفقدان الإحساس بالخطر. وهم أول من يعرف أن ما يفعلوه ليس أكثر من تدمير. فلا ما ذكروه من تقدم صحيح ولا وعودهم سوف تأتي بأية نتيجة إيجابية في ظل السياسات التي يصرون عليها. ومفتاح الموقف والخروج من الأزمة الطاحنة يكمن في تغيير شامل لن تقبل عليه هذه السلطة. لأن الهدف الوحيد لهم هو النهب والكسب وليس الوطن، هو أرصدتهم في بنوك الغرب وليس العمل لأجل مصالح الشعب.