«جوني» يعزف على مزامير الاغتيالات في لبنان!
... ما إن انتهى الوزير الفرنسي برنار كوشنير من مؤتمره الصحفي في بيروت تاركاً «وديعته وحصيلة لقاءاته في أيدي البطرك والحريري وبري، لاستيلاد الرئيس التوافقي المرغوب أمريكياً وفرنسياً»، حتى طلع علينا من باريس على شاشة «ال ب سي» المملوكة للأمير الوليد بن طلال، رجل الاستخبارات الدولي جوني عبدو إياه، ليشن هجوماً مركزاً على خطاب السيد حسن نصر الله في يوم الشهيد، و«يبشر» الشعب اللبناني بالاغتيالات الفردية والجماعية من فريق 14 آذار.
... اللافت هنا هو تطابق كلام جوني عبدو مع شريكيه في الخندق الواحد وليد جنبلاط وسمير جعجع ليس فقط في «الإنذارات المبكرة» حول الاغتيالات في لبنان، بل في الرؤية القائلة بصراحة بضرورة انخراط لبنان في المشروع الأمريكي في المنطقة تحت الحجج التالية:
ـ «إن الدولة اللبنانية لا تستطيع تحمل مسؤولية المقاومة»، وهنا قلب للمفاهيم والحقائق لا يقبله إلا المنخرط فعلاً بالمشروع الأمريكي ـ الصهيوني، لأن المقاومة هي التي تحملت المسؤولية الوطنية المطلوبة من الدولة أساساً في الدفاع عن الوطن وتحرير أراضيه من الاحتلال الصهيوني عبر أكثر من عقدين ودفعت آلاف الشهداء، في حين جمع أمراء الحرب والمال المليارات من الدولار على حساب فقراء الشعب والمقاومة.
ـ «العودة إلى اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني»، وهنا التزام بما يقوله الإعلام الصهيوني وقادة العدو بعدم وجود أطماع إسرائيلية في لبنان ومياهه وأرضه وموقعه. وهكذا يجري تصوير الكيان الصهيوني وكأنه في موقع المعتدى عليه من لبنان وسورية، ويتناسى المهزومون من فريق 14 شباط ومعلميهم في «أنظمة المعتلين العرب» الأطماع الصهيونية في لبنان وسورية والمنطقة منذ وثيقة حاييم وايزمان إلى مؤتمر فرساي 1919 وصولاً إلى ما سمي «باتفاقية الهدنة» عام 1949 وما تلاها من اعتداءات واحتلالات وجرائم صهيونية ـ أمريكية بحق العرب ولبنان خصوصاً.
أما آن للعرب أن يفهموا بأن كل هدنة مع العدو الصهيوني هي وقت مستقطع يستخدمه التحالف الامبريالي ـ الصهيوني لاستجماع القوى والتحضير لعدوان صهيوني من جديد ترسيخاً للاحتلال الذي سبق، وتهويداً للأرض؟
ـ «فرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية ولا سلاح إلا سلاح الشرعية»، من الواضع أن هذا الشعار لم يطرح إلا بعد انتهاء مقولة: «قوة لبنان في ضعفه»، وبعد أن انتهت مقولة مناحيم بيغن: «احتلال لبنان لا يحتاج لأكثر من الفرقة الموسيقية في الجيش الإسرائيلي..»! وهنا ليس من المستغرب أن يطرح دعاة الانخراط في المشروع الأمريكي الترابط بين بسط سلطة الدولة و«انتزاع سلاح المقاومة»، لأنهم يريدون الدولة على شاكلة ثكنة مرجعيون و«شاي فتفت»، وليس على شاكلة أبطال مارون الراس وما جاورها من مواقع المقاومة الباسلة التي هزمت أقوى ألوية وفرق الجيش الصهيوني وليس فرقته الموسيقية... لذلك فمن يطلب نزع سلاح المقاومة بعد حرب تموز ومن لا يتبنى خيار المقاومة الشاملة هو من يقبل بالمذلة واستباحة الأوطان والأعراض وهو يدعي زوراً السيادة والاستقلال.
ـ «المقاومة ليست مستقلة في قرارها وهي جزء من محور إقليمي ضد أمريكا وإسرائيل»، في سالف الأيام كان كل تقدمي وكل معاد لأمريكا «متهم» بصداقة الاتحاد السوفييتي وبأن قراره غير مستقل، دون أن يجرؤ صاحب الاتهام الإعلان عن ارتباطه هو الواعي أو غير الواعي بالمخطط الأمريكي و السياسة الأمريكية، ولكن الآن، ونتيجة الوهم بأن قوة أمريكا «تعادل القضاء والقدر» أصبح من ارتضى لنفسه الذل والمهانة، يفاخر علناً بصداقة واشنطن ويعتذر لها إن كان قد صرح ضدها يوماً من الأيام. فالمقاومة بقدر ما هي مستقلة في قرارها بقدر ما ترتبط استراتيجية المواجهة ضد التحالف الامبريالي ـ الصهيوني مع كل من يقاوم أو من يمانع المشروع الصهيوني ـ الإمبريالي في أية بقعة من بقاع العالم. مثلما هناك رأسمال معولم مسلح معادٍ للشعوب يجب أن تكون هناك مقاومة عالمية..
فالعيب والعار ليسا على من يقدم المساعدة للمقاومة، بل على المهزومين الذين وصفوا المقاومة بالمغامرة ومازالوا يتآمرون عليها وعلى من يقدم لها العون والمساندة...
وإذا كان جوني عبدو يقرع مزامير الاغتيالات في لبنان وكأنه يستعجلها، للاستفادة منها ضد سورية وحزب الله وإيران، فإن المقاومة ومن يؤيدها عملاً وقولاً في لبنان وكل المنطقة هي الضمانة لحرية واستقلال لبنان وكسر المخطط الأمريكي ـ الصهيوني في إحدى أهم حلقاته الشرق أوسطية، ومن هنا يصبح دعم المقاومة واجباً وطنياً ملزماً لكل من يرى نفسه في الخندق المعادي للتحالف الامبريالي ـ الصهيوني.