مصالحات أم هدنة؟
... بعد ازدياد تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة، وكسر شوكة العدوانية الإسرائيلية وانتصار المقاومة اللبنانية على نظرية الردع الإسرائيلية في حرب تموز، وكذلك في أعقاب أحداث القوقاز واستقالة أيهود أولمرت وفشل واشنطن في فرض عقوبات على إيران، وقبل ذلك «بعد صلح الدوحة العشائري» برعاية عربية ودولية، تعبدت الطريق أمام حمى المصالحات الكلاسيكية بين القوى المتصارعة ذاتها في لبنان!
بداية يجب التأكيد على أن الاعتراف السياسي- بغض النظر عن صدقيته من عدمها- بسلاح المقاومة من قوى 14 شباط ليس منّةً من أحد، ولا يعتبر بأية حال من الأحوال تنازلاً من ذلك الفريق الذي حاول بشتى السبل انتزاع هذا السلاح أو إبطال مفعوله المادي والمعنوي ضد العدوان الإسرائيلي المستمر ضد لبنان بأشكال مختلفة.
... ومن جانب آخر لم يخرج أحد من المتصالحين، على الرأي العالم اللبناني والعربي، للاعتراف بفشل الرهان لبنانياً على انتصار المشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة، خصوصاً بعد تداعيات حرب تموز على الإستراتيجية الأمريكية وعلى بنية الكيان الصهيوني الداخلية أمنياً وعسكرياً وسياسياً (تصريحات أولمرت الأخيرة نموذجاً).
... وإذا كنا مع ترسيخ السلم الأهلي في لبنان، وقطع دابر الفتنة في المجتمع اللبناني وتعزيز الوحدة الوطنية فيه على أسس راسخة ودائمة، فإننا نسجل الملاحظات التالية على شكل وجوهر المصالحات الجارية الآن على الساحة اللبنانية:
ـ عندما يخرج ممثلو الأطراف المتصالحة إلى وسائل الإعلام بالقول: «إن المصالحة الحاصلة لا تلغي الأسس السياسية لتحالفات كل فريق من الفرقاء»، هذا يعني بجلاء أن جوهر ما يجري هو هدنة مؤقتة بين أطراف سياسية يحاول الطرف الأضعف فيها كسب الوقت والرهان مجدداً على التغيرات الإقليمية (هذا إن كانت لصالحه) للاستمرار في مشروعه السياسي المرتبط بالخارج!
ـ إذا أخذنا بالتحليل مجمل البيانات الصادرة غداة كل حفلة مصالحة نلاحظ بوضوح غياب أي ذكر للوضع الاجتماعي- الاقتصادي المتدهور للشعب اللبناني والذي يعيش أكثر من 60 بالمئة منه تحت خط الفقر، في حين تتمركز الثروة بأيدي طغمة مالية فاسدة قليلة العدد كبيرة النفوذ تملك مليارات الدولارات قادرة على تمويل مليشياتها القديمة والحديثة.
ـ وهذا يقودنا إلى استنتاج غاية في الأهمية هو أن الطبقة السياسية اللبنانية اتفقت على استمرار تقاسم السلطة والثروة على حساب الناس العاديين ومن جيوبهم ومستقبل أجيالهم، وإذا عرفنا أن كل ما يقال عن قانون الانتخابات المزمع إقراره قريباً لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون طالما أنه يحافظ على «الكوتا الطائفية والإقطاع السياسي والمناطقي» بعيداً عن أي قرار لأي مستوى من مستويات النسبية أو تخفيض سن الاقتراع.
ـ إذا تجاوزنا الأمنيات والكلام المعسول الذي نسمعه ونقرؤه ونشاهده عبر وسائل الإعلام اللبنانية والعربية حول الإشادة «بالمصالحات اللبنانية»، لابد من التذكير بأن حطب ووقود الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك أضاحي الحروب العدوانية الصهيونية ضد لبنان هم من أبنائه الفقراء، ومن حق هؤلاء أن تكون لهم كلمة الفصل في تقرير مستقبل بلدهم وشكل ومضمون الكيان السياسي اللبناني.
ـ وحتى يصل الشعب اللبناني إلى ما أشرنا إليه لابد من مشروع وطني جامع يرتكز على حقوق المواطنة بدل حقوق الطائفة، وعلى العدالة في توزيع الثروة، بدل نهبها المنظم والمستمر منذ قيام الكيان اللبناني عام 1943 من جانب الإقطاع السياسي- الطائفي.
ـ وأخيراً والأهم، لابد من الاعتراف الحقيقي وليس اللفظي بأن الخطر الصهيوني القديم- الجديد يمكن تحويله إلى عنصر توحيد حقيقي لصفوف الشعب اللبناني المستهدف الأول بالتفتيت والتجزيء والاحتراب والنهب من الخارج والداخل وهذا ما أثبتته وقائع حرب تموز 2006، حيث توحد الشعب اللبناني- رغماً عن رغبة بعض قياداته- في مواجهة العدوان دون أية مصالحات ظاهرها «تبويس اللحى» وباطنها تقطيع الوقت والمحافظة على الأنصار بالأصفر الرنان!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.