أوكرانيا تترنح.. والجماهير تطالب برحيل أبطال «الثورة البرتقالية»

كييف، أوكرانيا– معامل الفولاذ والصناعات الكيميائية، التي كانت مرة العضلات المحركة لاقتصاد أوكرانيا، تصرف آلاف العمال، باتت مدن بكاملها دون تدفئة أو ماء لأن سكانها لم يستطيعوا أن يدفعوا قيمة فواتيرهم. خدمات النقل العام مهددة بالتوقف. تزداد الصفوف الطويلة أمام البنوك بينما تذوي العملة الوطنية.

أوكرانيا، التي اعتبرت مرة رمزاً عالمياً يمثل الديمقراطية الناشئة واقتصاد السوق الحر، تترنح الآن، ويشكل المأزق الذي تعيشه خطراً حقيقياً على اقتصادات البلدان الأوروبية الشرقية الأخرى وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. إن التظاهرات العنيفة المفاجئة التي اندلعت في أمكنة أخرى في أوروبا الشرقية وشيكة الحدوث هنا أيضاً. كان الناس يتكلمون في كل أنحاء «كييف» حول تنامي الغضب بسبب الأزمة  وتعاظم الاستياء من الحكومة التي يقولون بأنها كانت أكثر انشغالاً بنزاعات سياسية تافهة بدلاً عن العمل على حشد القوى لمواجهة الأزمة.
قال السيد كريليوك، أحد المتظاهرين، «سيكون هناك ثورة، سيؤيدها الناس لأنهم ساخطون وقد سئموا هؤلاء الحكام». كان السيد كيريليوك، 29 عاماً، يقف في الساحة المركزية نفسها حيث قامت الحشود في عام 2004 بالثورة البرتقالية، وأدى تطور الأحداث حينذاك إلى وصول حكومة مؤيدة للغرب في أوكرانيا. قال السيد كريليوك إنه كان متحمساً مؤيداً للمحتجين، لكنه الآن وآخرين قد نصبوا خياماً هنا يطالبون أبطال الثورة البرتقالية بالتخلي عن الحكم.
ليس من الصعب أن نفهم لماذا يزداد قلق قادة العالم حول القلاقل والأزمة المالية في أوكرانيا، إنها ليست بلداً صغيراً كآيسلندا أو لاتفيا. الانهيار في أوكرانيا التي يبلغ عدد سكانها 46 مليون نسمة وتملك موقعاً استراتيجياً هاماً قد يحطّم القليل المتبقي من ثقة المستثمرين في أوروبا الشرقية حيث تعاني اقتصاداتها السابقة القوية من الإجهاد الكبير، وقد يدفع روسيا للتدخل في شؤون هذا البلد، وسيكون في مقدور الكرملين أن يشير إلى أوكرانيا كمثال لما سيحدث عندما تتبع الجمهوريات السوفييتية السابقة نموذج الاقتصاد الحر.
قال أوليكس هاران، أستاذ السياسة المقارنة في جامعة كييف موهيلا «إن أوكرانيا هي المحور المركزي في دائرة استقرار أوروبا، إنها لاعب أساسي بين الاتحاد الأوروبي المتوسع وروسيا. إذا استخدمنا سيناريو مقلقاً يمكن أن نتخيل وضعاً داخلياً تحاول روسيا استغلاله لكي تهيمن على أوكرانيا. ذلك يخلق وضعاً متفجراً على حدود الاتحاد الأوروبي».
إمكانية خلق مشاكل لأوروبا من خلال الوضع في أوكرانيا تأكد في كانون الثاني 2008 عندما اختلفت أوكرانيا مع روسيا حول نقل الغاز إلى بقية أوروبا عبر أراضيها. أوقف الكرملين إمدادات الغاز لبضعة أيام تاركاً بعض بلدان أوروبا دون تدفئة. كما أوقف الكرملين إمدادات الغاز إلى أوكرانيا في عام 2006 بسبب الخلاف حول الأسعار. بينما ينهار الاقتصاد الأوكراني الذي يعتمد على تصدير الفولاذ والصناعات الكيميائية وتتعمق الأزمة في البلاد بسبب عدم ثقة الناس في الحكومة.
الرئيس فيكتور يوتشينكو، قائد الثورة البرتقالية الذي شد انتباه العالم أثناء سلسلة الأحداث الخطيرة التي مرت بها البلاد في عام 2004، هو الآن محل ازدراء وسخرية، بيّن استطلاع حديث أن غالبية الأوكرانيين يريدونه أن يستقيل. كما أن منافسيه أيضاً فقدوا شعبيتهم، بينما زاد من سخط الجماهير سنوات من الصراع السياسي.
في شباط رفض صندوق النقد الدولي أن يفرج عن الدفعة التالية البالغة 16.4 بليون دولار كقرض إنقاذ لأوكرانيا لأن الحكومة لم تلتزم بعقد كانت قد أبرمته مع البنك سابقاً يقضي بتخفيض ميزانيتها. وفي حوالي الوقت نفسه استقال وزير المالية قائلاً إن الاقتصاد أصبح «رهينة للسياسة». يتنبأ صندوق النقد الدولي بانكماش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 6% هذه السنة وقال إنه سيستمر بالعمل مع الحكومة لإيجاد طريقة لتوزيع بقية قرض الإنقاذ.
تشاهد في جميع أنحاء كييف دلائل على اشتداد حدة التوتر. اصطف في ضواحي المدينة أكثر من 200 شاحنة مع مقطوراتها، يهدد سائقوها بإغلاق الطرقات إذا لم تساعدهم الحكومة على إيفاء ديونهم التي قالوا إنها في جزء كبير منها كانت نتيجة لانخفاض قيمة العملة الأوكرانية، الهريفنيا. تفرق سائقو الشاحنات بعد أن وعدت الحكومة بمعالجة مطالبهم، لكنهم قالوا إنهم سيعودون حالاً فيما إذا تم تجاهلهم. إن الحكومة تتحمل المسؤولية عن كل هذا، قال أحد السائقين، الذي مضى عليه اثنا عشر يوماً مع المحتجين «نريد أن توافق الحكومة والبنك الوطني على تحويل الأموال المخصصة من صندوق النقد الدولي، أو على الأقل جزء منها، إلى المواطنين العاديين».
اجتمع حشد من الناس الذين بدا عليهم التوتر أمام أحد فروع بنك رودوفيد. كان هذا البنك قد أغلق بسبب العجز المالي لكن سمح للمودعين بسحب 35$ فقط في اليوم. لذلك يحتشد الناس غاضبين أمام البنك كل يوم، وبعضهم من المتقاعدين، في محاولة الحصول على أي مبلغ يستطيعون سحبه ويملؤهم الخوف من خسارة مدخراتهم التي هي كل مايملكونه. قالت أليفتينا أنتونيوك، مهندسة عمرها 58عاما، «إنها إهانة، نأتي إلى هنا كل يوم في البرد لنقف في صف طويل. إنهم لاشيء في هذا البنك سوى مجموعة لصوص». عندما سُئلت من المسؤول، قبل أن تتمكن من الإجابة قاطعها ديمتري هافريلكيف، متقاعد 78 عاماً، صائحاً: «الحل هو رحيل هذه الحكومة الرديئة، يجب استبدالهم جميعا، إنهم ببساطة لايستطيعون تحمل المسؤولية».

ترجمة حسين علي