محمد الجندي محمد الجندي

الانتصار...

ار والمجازر، مما خلفته العسكرية الإسرائيلية، قد يسبب الألم الشديد لدى المرء، الألم المترافق بالاشمئزاز من كل من نظر إلى الكارثة وبقي لا مبالياً، والمترافق بالعجز عن فعل أي شيء. والكارثة ليست فقط في عدد الذين استشهدوا والذين أصيبوا، والذين بقوا دون مأوى. إنها أيضاً في الجوع وفي التسمم، وفي ضعف الإمكانات الخدمية من كل نوع. المصاب يشمل كل سكان غزة.

الإدارة الإسرائيلية تدعي الانتصار. على ماذا انتصرت؟ انتصرت على الأطفال؟ على الشعب الأعزل؟ على البيوت، التي هدمت فوق ساكنيها؟ على المزارع؟ على الأشجار؟ («على طواحين الهواء» التي انتصر عليها دون كيشوت). إنه انتصار الجزار على الذبيحة... وانتصارها هذا ليس بعضلاتها، وإنما بعضلات الإدارة الأمريكية. نعم هناك انتصار آخر هو الانتصار على القانون الدولي، على الاتفاقيات والأعراف الدولية، على مهمة مجلس الأمن، الذي بموجب ميثاق الأمم المتحدة مكلف بحفظ السلام العالمي، ومعاقبة العدوان، وعلى مختلف الإدارات المتطورة والثالثية، التي وقفت لا مبالية بالإبادة التي تجري على غزة، التي ليست سوى معسكر اعتقال إسرائيلي محاصر. أيضاً هذا الانتصار هو بعضلات الإدارة الأمريكية. وما دامت هذه مهيمنة على العالم، فإن بلدان العالم بمجموعها مهددة.

من جهة أخرى، لاريب أن بطولة المقاومة الفلسطينية في غزة كانت أسطورية، قد انتصرت بأنها صدت العدوان، وربما ستنتصر أيضاً إذا ما تجدد العدوان، وسيتجدد لأن منطق العسكرية الإسرائيلية هو إبادة الشعب الفلسطيني. ولكن ألا تشوه الكارثة التي حلت بالشعب هذا الانتصار؟ الصمود مطلوب، وليس لشعوب العالم غيره، كي تصد العدوان، الذي يقع عليها. غير أن الصمود لا يعني الاستلام للموت فهذا نقيض له. إن الصمود هو مؤسسة مفتاحية تعنى بالناس، بحمايتهم، بمأواهم، بمختلف الخدمات الضرورية لهم. طبعاً لا يمكن في كل الاحتمالات إلا أن يسقط الكثير من الضحايا، غير أن هناك فرقاً بين أن تذهب الضحايا هدراً، وأن تذهب كجزء من ضريبة المعركة.

الشعب جزء لا يتجزأ من المقاومة، ومن دونه تصبح المقاومة عارية أمام الجلادين، وأخذ الشعب في الاعتبار ليس لهذا السبب فقط، وإنما لأن المقاومة ليست معركة وانتهى الأمر، إنها معركة الشعب الفلسطيني طويلة الأجل، التي يجب أن تنتصر على الاستعمار بكل ترساناته.

لا يكفي أن يلتف الشعب الفلسطيني حول المقاومة، وإنما أيضاً من الضروري أن تكون المقاومة طليعة له، وأن يشغل المرء مكان الطليعة، فإن ذلك يتطلب عملاً صعباً، وسعة أفق متناسبة مع المهمة، التي تتصدى الطليعة لها، ألا وهي تحرير الشعب الفلسطيني، وانتزاع حقه في تقرير المصير، من فكي الاستعمار الدولي.

وحدة الشعب الفلسطيني هي ضرورية، ضرورة حياة أو موت، فليس أمام الشعب الفلسطيني خيار سوى الوحدة، ولكن هناك فرق كبير بين وحدة تشده إلى الحظيرة الإسرائيلية، وأخرى تشده إلى خط المقاومة.

والشعب الفلسطيني ليس فقط في غزة، أو في الضفة، وإنما هو في الشتات، في كل البلدان تقريباً. والمؤسسة التي تمثل الشعب الفلسطيني هي منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، التي همشت وحُرفت مهمتها إلى درجة كبيرة. الآن المفترض بجميع الفصائل الفلسطينية أن تعيد بناء (م.ت.ف)، وتحقق فيها نقلة نوعية، تجعل منها مؤسسة نضالية طليعية للشعب الفلسطيني، ترفض الاستعمار وتحاربه.

العسكرية الإسرائيلية هي ملحق طائفي بالإدارة الأمريكية، ولا يمكن فصله عنها، ومد اليد لتلك الإدارة يتناقض مع كل أفق للشعب الفلسطيني. وسيلة الشعب الفلسطيني هي النضال، والنضال فقط. والانتصار هو انتصار الشعب في النهاية.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 01:42