سيناريو الغضب العربي المستمر..
منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب على غزة في 27/12/2008 دعا السيد حسن نصر الله شعب مصر «لفتح المعابر بصدورهم العارية» وكأن السيد قد كفر وقتها, حيث تهافت أزلام النظام المصري من حملة الليبرالية الجديدة إلى إعلان الحرب عليه واتهامه بتشجيع الانقلاب على النظام المصري. وبغض النظر عن اتهامات هؤلاء, فإن ذلك لو حدث لترك آثاراً هائلة ولكانت دماء هؤلاء الشرارة التي تشعل لهيب التغيير والرد الحقيقي لا بالشعارات والاعتصامات واللطم والنحيب.. بل ستكون التعبير الحقيقي للغضب الشعبي.
21 يوماً من القتل والتدمير, صور على كل الشاشات الفضائية لأطفال يُذبحون يومياً دون رادع, وخلال هذه الفترة يتم إلهاء الشعب العربي عبر أخبار تحركات القادة العرب واندفاعاتهم لعقد قمة طارئة فيتم التفريغ التدريجي لموجات الغضب الجماهيري إلى أن وصلنا إلى إنهاء الحرب ومعها توقفت كل مظاهر الغضب العربي, ولكن... هذا مسلسل لا نهاية له ولن يتوقف إلا بالإرادة الحرة والوعي الحقيقي لفهم الآخر وطريقة تعامله ونواياه وفهمنا لذاتنا وقدراتنا الكامنة.
قد تكون فكرة القضاء على إسرائيل بالنظر إلى موازين القوى السياسية والعسكرية مسألة معقدة، بل عند الكثيرين مستحيلة ولكنها في الحقيقة قابلة للتنفيذ كفكرة نشوء إسرائيل نفسها التي كانت مستحيلة في حينه، إلا أنها تحققت بالظلم والقتل وإبادة وتهجير شعب فلسطين, وفرض سياسة القوة العسكرية. وزوال إسرائيل يمكن أن يبدأ بتحركات قد تبدو بسيطة ولكنها هامة وفعالة كاتخاذ موقف واحد موحد يقوم على الإضراب الشامل لتحقيق المطالب في قطع العلاقات مع إسرائيل وطرد السفارات ووقف التطبيع، وعلى المقاطعة الاقتصادية التامة لكل المنتجات والبضائع الأمريكية والأوربية والإسرائيلية من أجل الضغط على صناع القرار الدولي لجهة تنفيذ مطالب الشعب العربي على الأقل ضمن حدود القرارات الدولية، بمعنى حق العودة وتقرير المصير، وعلى تقديم الدعم المستمر لكل أشكال المقاومة الهادفة إلى تحرير فلسطين ورفض الانصياع لمخططات الاستسلام. وكل ذلك سيجعل إسرائيل كما كانت عام 1948 كياناً غريباً في المنطقة العربية، وتترك بقية المهمة للعنصر الديمغرافي (من حيث عدد السكان) وللإرادة الحرة لشعب فلسطين وقوته في تقديم الدروس في المقاومة والعزة والكرامة العربية, والمحصلة ستزول إسرائيل رويداً رويداً، فمسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة! وهنا تأتي ضرورة تعبئة الجماهير وتوعيتها لهذه المهمة وهي مسؤولية الأحزاب التقدمية والنقابات الممثلة لكافة قطاعات المجتمع، ومسؤولية كل مثقف عربي شريف لم يلهث وراء قتلة الضمير العربي.
لقد عُرف الإضراب الشامل منذ تاريخ طويل وأثبت فعاليته في تغيير سياسات عدد كبير من الدول كعامل رادع قوي يؤثر على طريقة تعامل الغرب معنا وقد أثبتت فعاليته في حرب تشرين. وباعتماد خيار لمقاطعة تبرز أهمية السوق العربية وما يحققه الغرب عبرها من أرباح هائلة عبر تصدير منتجاته إليها، أي أنهم بأموالنا يصنعون الأسلحة والطائرات والدبابات التي تقتلنا. والمضحك والمبكي أننا نقوم باستدامة هذا المسلسل المأساوي من الشراء والدفع و القتل... نشتري منهم، فيضربون ويقتلون ويشردون ويدمرون وعليك أنت العربي أن تقوم فيما بعد أيضاً بدفع التعويضات وبناء ما هدموه ...
قالت امرأة وهي تصرخ على شاشات التلفاز (وينكم يا عرب... وينكم يا عرب؟) وأهل غزة الصامدون أعلنوها بصراحة «لا نريد منكم شيئا سوى أن تقفوا معنا» والوقفة لا تعني الاحتجاج والتظاهر فحسب، بل هي خطوات عملية ملموسة، ففي نهاية المطاف نحن لسنا أمام مسلسل واحد فحسب بل هي مسلسلات مستمرة بإخراج أمريكي صهيوني أوروبي ذكي, وإنتاج عربي متآمر, وعلينا تغيير السيناريو!