خلف الأبواب.. إلى أين وصلت أزمة اليمن؟
يمكن تأريخ انطلاق بوادر الحل السياسي في اليمن منذ إعلان قيادة «التحالف العربي» في آذار من العام الحالي، انتهاء العمليات العسكرية الكبرى هناك، بعد عام من انطلاقها، مع بدء التجهيز لمرحلة جديدة من التحضيرات للحل السياسي، بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي «2216» الخاص بالأزمة اليمنية، والصادر في 14/نيسان/2015.
للوقوف عند آخر التطورات اليمنية، ولاستشراف كيفية سير الأمور في البلاد، لا بد بداية من وقفة عند أبرز المحطات التي مرت فيها الأزمة اليمنية، ذلك في سياق الكشف عن التبدلات التي جرت في موازين القوى الدولية والإقليمية والمحلية ضمناً.
ويبدو جلياً إن الحل السياسي في اليمن قد مر بمراحل انقطاع واستمرار، تبعاً لعوامل داخلية متعلقة بأطراف الحوار اليمني، وطبيعة المتغيرات الإقليمية المحيطة باليمن، وتحديداً في السعودية المعنية مباشرة بالأزمة اليمنية وأحد أسباب استمرارها حتى اليوم..
مسارات ما بعد العسكرة
في شهر آذار من العام الحالي، توصل «التحالف العربي» إلى «اتفاق تهدئة»، على الحدود اليمنية السعودية، وسط تكهنات ثبتت صحتها لاحقاً، عن بداية مفاوضات مباشرة بين جماعة «أنصار الله» والسعودية، تشمل وقف هجمات الجماعة على المناطق الحدودية، في مقابل وقف القصف الجوي لـ«التحالف»، على العاصمة صنعاء، وهو ما شكل بوادر الأخذ والرد بين الجماعة والسعوديين حول مآلات الحل اللاحق للأزمة اليمنية.
في الوقت نفسه، أكدت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتابعة للأمم المتحدة في تقارير متتابعة عن سوء الأوضاع الإنسانية، وانعدام الأمن الغذائي لـ14.4 مليون نسمة بحسب أحد تقارير «الفاو».
في 23/آذار أي بعد أيام من تطبيق الهدنة على الحدود اليمنية- السعودية، أعلن المبعوث الدولي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، عن هدنة تشرف عليها الأمم المتحدة في 10/نيسان، وبدء التحضيرات لجولة جديدة من المفاوضات تنطلق في الكويت في 18/نيسان، علماً بأن الأزمة اليمنية شهدت مفاوضات سياسية أسبق نسبياً في جنيف، لكنها لم تدم طويلاً، ولم تحقق أي نجاح وسط الإصرار السعودي على حسم الصراع اليمني بقوة السلاح.
هذه المرحلة من التحضيرات السياسية والهدن الميدانية، تزامنت مع تثبيت منطق وقف العمليات القتالية التي شهدتها الساحة السورية، حيث ألمح كيري قبل أيام من إعلان الهدنة في اليمن، إلى ترتيبات تشبه تلك التي طبقت في سورية.
ترسيم مسار الحل بالتحضيرات
قبل انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات اليمنية ، كان يمكن رصد جملة واسعة من التحركات داخل اليمن وخارجها لبناء قاعدة صلبة من التوافقات قبل الوصول إلى طاولة الكويت، فالهدنة الموقعة بين أنصار الله والسعوديين، استكملت نضوجها بتبادل 118 أسيراً بين الجانبين، ومن جهة أخرى، عمل السعوديون على التحضير «المنفرد»، داخل جناح الرئيس عبد ربه منصور هادي، ذلك بإقالة رئيس حكومته خالد بحاح المحسوب على الجانب الإماراتي.
وفي السياق ذاته، تحولت «التسريبات الإعلامية»، حول لقاءات بين أنصار الله والسعوديين إلى وقائع أكدها للمرة الأولى بيان رسمي هو الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة اليمنية، حيث أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في 4 نيسان المنصرم أن وفداً من جماعة أنصار الله موجود في الرياض لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار ومفاوضات السلام بين الفرقاء اليمنيين التي ستعقد في الكويت، مضيفاً حينها أن المفاوضات مع «الحوثيين» تهدف لإيجاد مخرج سياسي للأزمة في اليمن.
كما جاءت زيارة ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إلى الكويت في توقيت شهد تثبيت ركائز المسار السياسي للأزمة اليمنية، حتى أن تقارير إعلامية ذهبت إلى أن التحركات الجدية على خط الأزمة اليمنية جاء بدفع روسي إثر محادثات أجراها مع الطرف السعودي حول القضية اليمنية.
غرفة المفاوضات مغلقة على المفاوضين!
تأخر بدء المفاوضات 4 أيام عن الموعد الأولي المقرر في 18 إلى 21\نيسان، وشهدت الأيام الأولى جس نبض، وسقوف مرتفعة كما هو متوقع، وهنا بدأت البعثة الدولية بإطلاق مبادرة عملية تهدف إلى كسر حالة الجمود المحيط بطاولة المفاوضات، باقتراح نقاش البنود الخمسة التي لا تختلف «أنصار الله» والحكومة الشرعية عليها من حيث المبدأ، بشكل متوازِ، وهي: الانسحاب من المدن وتشكيل حكومة أكثر شمولاً، إضافة إلى تسليم الأسلحة الثقيلة، وبحث قضية المعتقلين والترتيبات السياسية.
والمميز في الجولات الأولى من المفاوضات كان أنها مباشرة بين الأطراف اليمنية، وهو ما ساعد على تثبيت وقف الأعمال القتالية، بحسب ولد الشيخ.
وفي سبر لنتائج الاجتماعات التي استمرت حتى عطلة عيد الفطر الماضية، يمكن القول أن فكرة عمل اللجان الخمس بالتوازي، والمدعومة بقرار من مجلس الأمن يوصي الأمم المتحدة بتحديد جدول زمني لتسيير ملفات الحوار بمهلة قدرها 30 يوماً، تبدو قد شقت طريقها لتنهي القسم الأكبر من القضايا، عملياً أو أقله بالاتفاق الناجز على الورق، وتحديداً في الملفات ذات الطابع الإنساني والمعتقلين التي تعد القضايا الأسهل بحثاً، لكنها توقفت عند المعضلة الأكبر ألا وهي قضية الترتيبات السياسية وشكل السلطة المقبلة في اليمن.
المفاوضات في مراحلها الأخيرة
بعد شهرين ونصف تقريباً من بداية المفاوضات، انتهت الجولة الأولى من المفاوضات الماراثونية، التي تخللها توقفات احتجاجية قصيرة من الوفود المفاوضة، وجاء التوقف الاضطراري بسبب حلول عيد الفطر، لكن من أجل ضمان استمرار المحادثات من حيث انتهت، جرت جملة من التحركات الإقليمية والدولية حيث انتزعت البعثة الدولية إلى اليمن، قبل مغادرة الوفود أراضي الكويت، ورقة التزامات من الأطراف اليمنية تتضمن استمرار وقف إطلاق النار وضمان العودة إلى الكويت بعد انقضاء عطلة العيد، وفي السياق نفسه التقى سفراء الدول الـ18 الراعية للتسوية السياسية بالوفد المشترك لأنصار الله وحزب الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، فيما التقى وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، توماس شانون، والمبعوث البريطاني إلى اليمن، آلن دنكن، بالوفد الحكومي الرسمي.
لكن قبل الموعد المحدد بيوم، أي في 14/تموز، أعلنت الحكومة اليمنية رسمياً عدم مشاركتها في الجولة الثانية من مفاوضات الكويت بحجة عدم توافر ظروف إنجاح المشاورات.
ومنذ ذلك التاريخ، عادت المعارك إلى الاشتداد ومازالت حتى الآن، بعد التوقف عند النقطة الأعقد في المفاوضات وهي مسألة «حكومة- رئاسة»، من حيث التمثيل والصلاحيات، حتى أن الطرفين كليهما يرفعان السقف عالياً مرتكزين إلى القرار الصادر عن مجلس الأمن 2216 والذي ما تزال أطراف التفاوض تفسر أولوياته بحسب رؤيتها السياسية. فبالنسبة لأنصار الله تبقى مسألة بحث الانتقال السياسي أولوية، بالمقابل يرى الوفد الحكومي مسألة انسحاب أنصار الله من المدن وتسليم السلاح الثقيل هي الأولوية.
في 27/تموز، استؤنفت المباحثات في الجولة الأخيرة بحسب جدول الأمم المتحدة، في الوقت الذي تشتعل فيه أغلب الجبهات، وسط تقدم لقوات هادي في تعز، مقابل تقدم آخر لأنصار الله نحو آخر معاقل قوات الرئيس هادي في محافظة إب.
وخلال هذه الأيام القليلة المتبقية والحرجة من مفاوضات الكويت، يبدو أن الأزمة اليمنية وصلت إلى حافة الهاوية، ومن المنتظر والمرجح أن تخرج الساعات الأخيرة من المفاوضات بجديد، يمنع الانحدار نحو أشهر جديدة من العنف، وذلك ليس لإنهاء الأزمة اليمنية كمهمة تعترض «المجموعة الدولية» المعنية بحل الأزمة اليمنية، بقدر ما هو درء لانفجارات أكبر قد تصل إلى مناطق شبه الجزيرة العربية كلها، وفي مقدمتها السعودية، وهو ما لا يناسب السعوديين رغم أن حلفاءً لهم، تورطوا في محاولات إشعال تركيا مؤخراً، لن يوفروا جهداً لإيصال الحريق إلى أي مكان آخر في الإقليم..!