أية فرصة انفتحت في تركيا؟
سعد خطّار سعد خطّار

أية فرصة انفتحت في تركيا؟

مضى أسبوعان تقريباً على إفشال محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا. ورغم ما تشيعه الحكومة التركية عن «تسوية الأمور» في الداخل ضد مصلحة المنقلبين، إلا أن مؤشرات عدة وخطيرة خرجت خلال الأيام القليلة الماضية، تشي باحتمال تفجير الوضع التركي داخلياً، كنتيجة مباشرة لمثول صواعق التفجير أمام العيان.

 

لا بد من التذكير أن محاولة الانقلاب، في أحد جوانبها المتعلقة بالتوقيت، كانت قد جاءت كرد فعل على بوادر الاستدارة التركية التي أبداها المسؤولون في البلاد في الاتجاه الروسي. فبعد سلسلة التورطات التي وقعت فيها تركيا، ووصول الأزمة الاقتصادية الاجتماعية السياسية إلى حدودها القصوى في الداخل التركي، يبدو أن تياراً في داخل الدولة وداخل الحزب الحاكم قد استنتج أنه لا مناص بعد الآن من تأخير الاستدارة التي استحق توقيتها موضوعياً.

لا نريد المحرقة..!

على طول الخط، لم تقدم واشنطن لأتباعها في المنطقة سوى المزيد والمزيد من التورطات في الملفات التي لا تريد أن تدخل هي في «معمعاتها» المباشرة، إلا أنه من الواضح أن هذا التوجه قد وصل فعلياً إلى مرحلة باتت تهدد بإحراق هذه الدول نفسها في حال استمرت في السير بالاتجاه الأمريكي.

استراتيجياً، تضررت العلاقات التركية- الروسية كثيراً بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية فوق الأراضي السورية، وتضررت تلك العلاقات أكثر من تأخير استحقاق الاعتذار الذي كان يجب أن يتم فوراً. غير أن حبل النجاة التي تمثله روسيا بالنسبة للدول التي تدور في فلك واشنطن، كان قد انعكس في تقديم هذا الاعتذار أخيراً، وعودة الحديث عملياً عن المشاريع الاستراتيجية الضخمة التي تجمع الجانبين الروسي والتركي.

وإن كان الموقف الرافض لمحاولة الانقلاب قد بدا ثابتاً ليس للسلطة التركية فحسب، بل حتى بالنسبة لأشد معارضيها في الداخل، غير أن ذلك لم يمنع من تنامي الشكوك حول طبيعة التوجهات التي ستقوم بها الحكومة التركية على الصعيد الداخلي، إذ أن فرصةً ذهبية قد انفتحت في الداخل للملمة الجراح ووقف نزيف القتال العسكري الدائر في جنوب شرق البلاد، وكذلك الخلاف السياسي المحتدم بين المعارضة والحزب الحاكم حول الكثير من القضايا.

حتى الآن، لا يمكن التنبؤ بما سينحو في اتجاهه الرئيس التركي، وإذا ما كانت محاولة الانقلاب هذه ستستثمر داخلياً في قمع أية أصوات معارضة، إلا إن المنطق القاضي بالحفاظ على البلاد يستدعي فعلياً حشد الجهود جميعها ورص الصفوف في مواجهة ما يمكن أن يخرج مجدداً من المحاولات الأمريكية للعب على خط التفجير التركي الداخلي.

الخيار الثالث.. 

لا يمنع رصّ الصفوف

أجرت صحيفة «حرييت» التركية المعارضة، يوم الثلاثاء 26/7، لقاءً صحفياً مع الرئيس المشترك لحزب «الشعوب الديمقراطي»، صلاح الدين ديمرطاش، أكد خلالها أن بعض الأعضاء، السابقين والحاليين، في حزب «العدالة والتنمية» قد دعمت محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا يوم الجمعة 15/7.

ولفت ديمرطاش إلى أن محاولة الإنقلاب لم يكن لها أن تكون لولا وجود دعم سياسي وراءها، مشدداً إلى أن ذلك: «ليس تحليلاً فقط، إنما يعتمد على المعلومات والتقديرات.. هناك احتمال كبير جداً أن يكون المنفذون قد تلقوا دعماً من مجموعة قوية داخل حزب العدالة والتنمية»، مضيفاً أن «التحقيق البرلماني بمحاولة الانقلاب قد يكشف عن تفاصيل غير معروفة سابقاً عن الجناح السياسي لمحاولة الانقلاب هذه».

وأشار ديمرطاش إلى أنه «بعد إعلان حالة الطوارئ يمكن أن تستخدم السلطة ذلك لتضييق الخناق على القوى المعارضة»، متعهداً بـ«مواصلة النضال ضد الانقلابيين، وفي وجه العدالة والتنمية». وشدد ديمرطاش على وجود «خيار ثالث: لا انقلاب ولا دكتاتورية»، مضيفاً إن حزبه سيعقد سلسلة من الاجتماعات الحاشدة تحت هذا الشعار.

ماذا عن الجنوب الشرقي؟

لكن ما بدا لافتاً في حديث ديمرطاش كان حول الصراع المسلح الدائر في جنوب شرق تركيا بين قوات الأمن التركي وحزب العمال الكردستاني، إذ أكد الرئيس المشترك لـ«الشعوب الديمقراطي» أن «مثل هذه الحروب، تبقي على الأرضية التي تعيد إنتاج مثل هذه المحاولات الانقلابية»، مشدداً على أنه «يجب علينا إيجاد وسيلة فعالة لإيقاف هذا كله. يمكننا أن نجتمع مع المسؤولين الحكوميين جميعهم إذا لزم الأمر. ويمكننا أن نرسل وفوداً إلى إمرالي وقنديل، من أجل الانفتاح على استئناف عملية السلام»، لافتاً إلى «حقيقة أن حزب العمال الكردستاني قد أوقف إلى حدٍ كبير أنشطته العسكرية كلها جنوب شرق البلاد في أعقاب محاولة الانقلاب يوم 15 تموز، وهذا يجب أن يكون له معنى»، وعقّب: «ظهرت فرصة جديدة لتركيا لبذل جهدٍ كبير في سبيل حماية السلم الداخلي لدينا».