واشنطن OUT: الحل يطلّ من بوابة كاراباخ

واشنطن OUT: الحل يطلّ من بوابة كاراباخ

أعلن إقليم ناغورني كاراباخ الجبلي في نهاية عام 1991 استقلاله عن أذربيجان، دون أن يحظى باعتراف أية دولة، ولا حتى الجارة أرمينيا. وخلال الفترة الممتدة من 1988 إلى 1994، شهد الإقليم حرباً بين أرمينيا وأذربيجان، أوقعت نحو 30 ألف قتيل، وأدت إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص. توصل الطرفان إلى تهدئة دون توقيع اتفاقية سلام 1994 واستمرت المعارك المتقطعة بين فترة وأخرى.

ضمن محاولات لتفجير صواعق الحريق الفاشي في القفقاس، حدثت اشتباكات جديدة في شهر نيسان الماضي، والتي تعدّ أكبر عمل عسكري في المنطقة منذ عام 1994. فالرؤوس الحامية، موجودة دائماً وفي الدول كلها، تنتهز الفرص ونقاط الضعف، لتظهر على السطح بأفكارها البالية، سواء كانت طائفية أو عرقية أو عنصرية في مجملها، والتي تخدم رأس المال المالي العالمي الإجرامي، أولاً وآخيراً.

الحل في إطار المنظمة الواحدة

خلافاً لسياسة صب الزيت على النار، لعبت روسيا دوراً رئيسياً لحل الأزمة في كاراباخ بالوسائل السلمية المتاحة في هذا الإقليم، مستفيدةً من امتلاكها علاقات سياسية ودبلوماسية جيدة مع كل من باكو- ويريفان- الحليفين الاقتصاديين.

وفي الخامس من شهر نيسان الماضي، جرى في فيينا اجتماع مجموعة «مينسك» حول ناغورني كاراباخ، المكلفة بإيجاد حل لهذا النزاع. وتترأس هذه اللجنة روسيا وفرنسا والولايات المتحدة منذ عام 1992، في ظل ترحيب الطرفين الأرميني والأذربيجاني لإيجاد حل سلمي لأزمة ناغورني كاراباخ.

اللافت للنظر أن موسكو تروج لفكرة حل الصراع في منظمة واحدة ومتكاملة ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وتظهر روسيا بالفعل كلاعب قوي من أجل الشروع في هذه العملية. وفي الواقع، فإن كلاً من أرمينيا وأذربيجان أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ويعملان على تطوير الأبعاد السياسية والاقتصادية لهذه المنظمة.

وقد انضمت أرمينيا إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بهدف الحصول على دعم الكرملين حول قضية كاراباخ الجبلية، ولتعزيز العلاقة المحورية مع موسكو. أما أهمية أذربيجان بالنسبة لروسيا، فهي أيضاً واضحة جداً.

وحدة الشرق العظيم

يعتقد كثيرون في روسيا أن الاندماج في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يحمل وعداً كبيراً لأذربيجان، بحجة أن الدولة الغنية بالطاقة يمكن أن تعمل أيضاً بمثابة جسر لتعاون الاتحاد الواسع مع إيران وتركيا. في حين تأمل أذربيجان في الحصول على دفعة جديدة لتسوية النزاع، فهي تنظر جيداً لإمكانية الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ولكن كما يبدو فما يزال لديها تحديات للحصول على عضوية الكتلة التي تقودها روسيا. وبدلاً من ذلك، يبدو أن باكو تركز على تعزيز التعاون على المستوى الثنائي داخل المنظمة الأوراسية.

ومع ذلك، قدَّم الكرملين بعض التكتيكات الجديدة بناءً على اقتراح السلام الذي ألمح إليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في كاراباخ، وهي تكتيكات مدروسة جيداً، تجمع ما بين الحفاظ على جمهورية كاراباخ قائمة، كجمهورية ربما يجري الاعتراف فيها لاحقاً، وبين حقوق كلّ من أرمينيا وأذربيجان في تلك المنطقة، مما قد يؤدي إلى تغيير شامل في خارطة الوضع المعقد هناك. 

كما أن مثل هذه التسوية ستأخذ بعين الاعتبار النزاعات الإقليمية العميقة التي تحيط بالإقليم. وبذلك، يمكن لموسكو أن تظهر كيف تحول بسهولة العقبات إلى فرص للاستقرار الإقليمي وقطع عقدة أرمينيا وأذربيجان مرة واحدة وإلى الأبد.

إن حل أزمة إقليم ناغورني كاراباخ- العالقة منذ عقود- بالحل السياسي يعني أول ما يعنيه، إن انتصاراً جديداً ساحقاً لقوى السلم العالمي على قوى الحرب الفاشية الجديدة يلوح في الأفق، وأن هناك دفعاً لقاطرة التسويات السياسية كبديل عن «الحلول» العسكرية التي لا تخدم أحداً سوى الفاشية الجديدة، وتبريد قسري لتلك الرؤوس الحامية التي تريد إشعال حرب يمكن أن تمتد إلى جمهوريات منطقة القفقاس كاملة على حدود روسيا الجنوبية.

سيشكل الحل السياسي في ناغورني كاراباخ، انتصاراً على مخططات ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية المستمرة لإشعال الأزمات، وتصدير «الثورات الملونة» نحو مناطق البلقان وأوروبا الشرقية وشرق المتوسط، مما يدفع فعلياً إلى انسحابها التدريجي من هذه المناطق.

وإذا كان القطب الروسي الصيني الصاعد يتولى عملية بناء المتاريس في وجه التثمير التكتيكي والاستراتيجي الأمريكي لمحاولات التوتير في المنطقة الأوراسية عموماً، ويحافظ على سياسته في نزع صواعق التفجير وتجفيف بؤر التوتر التي يعمل «التيار الفاشي» في الإدارة الأمريكية على خلقها، ويحاول «التيار العقلاني» فيها الاستفادة إلى أقصى مدى ممكن منها، فإن الرد التاريخي على هذه الاستراتيجية الأمريكية يبقى مرهوناً بإنجاز عملية وحدة شعوب هذه المنطقة، بما يضمن حل النزاعات المختلفة «الدينية، الطائفية، القومية، العشائرية» التي غذتها القوى الاستعمارية القديمة، واستكملت الإمبريالية الأمريكية تغذيتها منذ النصف الثاني من القرن العشرين.