وقاحات متكاملة
قرر رئيس ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، بعد لقائه الأخير بميتشل، الموافقة على استئناف المفاوضات، وأكد نتنياهو ذلك ممتدحاً أبا مازن، ولكنه أكد على رفضه الشروط المسبقة، ليعلن مع أركان حكومته مواصلة إقامة المستوطنات بالقدس المحتلة، على نحو شبه متزامن مع إعلانه لقاء الرئيس مبارك مثنياً على دوره وجهده لإحلال «السلام».
المفارقة أنه ما إن غادر ميتشل «إسرائيل» حتى بدأت «البشائر» أن نتنياهو «رضخ» لمطلب وقف الاستيطان، وأصبح الباب «مفتوحاً» لتحقيق «الوعود» بالسلام الشامل.
وفي الوقت نفسه تجددت صرخات التهديد والوعيد الموجهة ضد سورية وحزب الله، وشارك في ذلك الكونغرس الأميركي وغيتس وزير الدفاع الأمريكي.
وزف ساركوزي خلال وجوده بالصين «بشرى» اقتراب فرض العقوبات على إيران، تلك العقوبات التي رسم معالمها وزير الحرب الإسرائيلي عندما أعلن بزهو في واشنطن أنه يريدها قصيرة الأمد وذلك تعبيراً عن أنه يريدها قاسية وواسعة النطاق وغير محددة في مجال من المجالات.
ورغم خصوصيات زيارة ساركوزي للصين إلا أن ما يمكن استخلاصه هو تكاملية الأنشطة الامبريالية الصهيونية، ووحدة الأهداف بين تلك القوى التي يجمعها هاجس الأزمة المستمرة والتي تشكل بوقائعها وأبعادها النوابض الآنية والأسباب الأساسية للاندفاع من جديد نحو تكثيف الأعمال العدوانية في مختلف المجالات للسيطرة الكاملة على منطقتنا والتخلص من كل «العوائق» وأصبحت تلك العوائق في غاية الوضوح.
إن تلك الهجمة الامبريالية الصهيونية تتوخى فكفكة صفوف قوى المقاومة والممانعة، وترمي إلى فرض الاستسلام باسم السلام والتخلص من النظام الإيراني بتوجهاته المعادية وغير المنسجمة مع «المصالح الأمريكية» الآنية والبعيدة المدى، كما تهدف إلى محاولة ثني الشعب السوري عن ثوابته الوطنية التي يعلنها النظام مؤكداً مراراً تمسكه بها.
إذا صح ما قيل عن تباينات بين خطة أوباما وخطة نتنياهو، إذا صح ذلك، فإن البعد الحقيقي وراء أخبار ما تقوم به إدارة أوباما وساركوزي هو أن الخطة الأمريكية في محتوياتها الأساسية ومآلها وصيرورتها إنما تخدم «إسرائيل» ومصالحها أكثر مما تتضمنه خطة نتنياهو من مصالح صهيونية، فالخطة الأمريكية تبقي «إسرائيل» الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، وتخرج للعلن التحالف الأميركي الإسرائيلي «العربي» وتنهي قضية اللاجئين والقدس وفق ما تريده «إسرائيل»ـ وتفتح الأبواب واسعة أمام الدور المحوري لإسرائيل في المنطقة وتعمم الانفتاح بكل ميادينه ومجالاته السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها. كما أن الخطة الأميركية تؤمن «لإسرائيل» الفضاءات الواسعة للتدخل في قضايا المنطقة كبيرها وصغيرها، ويرتبط بها أو ينجم عنها وضع يتيح «لإسرائيل» التدخل المباشر في المجريات الوطنية الخاصة بهذه الدولة العربية أو تلك، وتضع حداً أمام تطور الرأي العام العالمي الذي بات ينبذ ضروب العنصرية التي تمارسها «إسرائيل» كما يضع حداً أمام تصاعد العداء للولايات المتحدة في أوساط الجماهير العربية.
وما دامت الخطة الأميركية تتضمن تحطيم الإرادة الوطنية، وفرض الاستسلام لخططها الصهيونية، فمن الحري القول إن ذلك الوضع أنضج بكل أبعاده ضرورات جديدة ينبغي ملاقاتها وطنياً وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واتضحت أهمية الالتفات العميق لكل المسائل الداخلية والإقليمية، بما يلبي ويخدم مواجهة تلك الهجمة الأميركية الصهيونية وإحباطها.
لم تنته شهية مبارك وغيره لأخذ سورية إلى مستنقعهم وذلك لأن عاملاً هاماً أخد ينضج أكثر من أي وقت، ألا وهو النهوض الوطني للشعب المصري والذي يعتبر صمود قوى المقاومة والممانعة عاملاً مؤثراً وفاعلاً فيه بصورة مباشرة وغير مباشرة. إنهم يخططون إلى ضربة موجعة من شأنها إحباط النهوض في مختلف ميادين الشعوب العربية التي أخذت تنفض عن كاهلها أثار الإحباط واليأس وتستعيد الثقة بذاتها وبقدراتها على مواجهة التحالف الجديد وخطط الإمبريالية الصهيونية.