إبراهيم البدراوي - القاهرة إبراهيم البدراوي - القاهرة

لماذا يا سيد حسن؟

جرى «إنزال العقاب» بخلية حزب الله في مصر! لأن هذه الخلية «هددت» الأمن القومي المصري «بشكل لا سابق له»! إذ كانت تعمل على دعم ومساعدة المقاومة في غزة وهو ما يصيب «أبناء العم» بالضرر، رغم أن جريمة «شعب الله المختار» هو عودته الى «الوطن التاريخي»، واستردادهم لغالبية «أرضه» من سلالة كنعان.

هذا ظلم فظيع «لأبناء العم»، لا يجب السكوت عنه. لذا أقدمت سلطة الرئيس مبارك «المبارك» على موقفها الحازم الحاسم، لأنها رأت الكارثة أكبر بكثير مما يتصورها أحد..!

خطر المقاومة الداهم على مصر

المقاومة تشكل خطراً داهماً على سلطة الأكابر الذين استطاعوا في سنوات قلائل، وبفعل شطارتهم الاستحواذ على ثروات هائلة تقدر بالمليارات، ولذلك فإنهم وعلى مختلف الصعد يمارسون السياسات التي تؤمن لهم الاستمرار وتحقيق المزيد من الثراء والازدهار. فهل هذا عيب؟ أم العيب فينا نحن الغالبية الساحقة من المصريين الكسالى؟ خاصة وأن المقاومة بكل صورها ومستوياتها تنتقل بالعدوى، وتحمل الخطر.

في مصر، ومن وجهة نظر الأكابر المتحكمين، فإن المقاومة من أي نوع، سلمية أو غير سلمية، بالمظاهرات والاعتصامات أو الاحتجاجات تشيع السخط والوعي، وتؤدي إلى العصيان وشق عصا الطاعة. وهذا خطر محدق يعيق ويهدد «البرنامج الإصلاحي» الكبير الجاري، خاصة أن كلاً من الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي يؤتي ثماره، وبحاجة لأن يكتمل.

بفضل الإصلاح الاقتصادي لحقنا بكثير من بلدان الغرب المتقدمة في عدد من يمتلكون المليارات. ولكن والحق يقال أنهم بعكس الغربيين لم ينهبوا ثروات شعوب أخرى. كل ما في الأمر أنهم قاموا بالاستيلاء على ثروات الوطن واقتسموها مع أشقائهم الامبرياليين والصهاينة. فهل هذا عيب؟

يردد الحاقدون أن أكثر من نصف الشعب المصري تحت خط الفقر (نصفهم جياع)، وأن الكثيرين يأكلون من الزبالة، وأن الملايين قد نسوا سلعة اسمها «اللحوم»، رغم انتشار لحوم الحمير والجاموس والأبقار النافقة، واللحوم المستوردة الفاسدة، لمن يستطيع الشراء. فما العيب في ذلك؟ وهل أكل اللحوم أمر مقدس؟

يردد الحاقدون أن عشرات الملايين مصابون بأمراض قاتلة تحت وطأة تحول العلاج إلى سلعة (السرطانات– الالتهاب الكبدي الوبائي– الفشل الكلوي... الخ) من جراء إتاحة الفرصة لاستيراد الكيماويات والمبيدات والتقاوي المسرطنة من أبناء العم، مثلما هي الحال مع انهيار التعليم واتساع البطالة... الخ. كما توقفت التنمية، وأصبح كل شيء بما في ذلك الانسان ذاته مجرد سلعة تباع وتشترى، ويتناسى الحاقدون أن كل شيء متوفر لمن يستحقه، أي للنخبة الحاكمة؟ كما يتناسون أن سبب البلاء هو كثرة انجاب الفقراء الذين تسببوا في الزيادة السكانية رغم أنه لا لزوم لغالبيتهم الساحقة، بسبب أنهم يزاحمون الأكابر في الشوارع المزدحمة. والأنكى أنهم يطالبون بالخبز والحرية، ويستنكرون تصدير الغاز المصري الى أبناء العم بينما هم يتقاتلون من أجل الحصول على اسطوانة غاز بأسعار مضاعفة (القادرون منهم)... الخ.

أما الإصلاح السياسي الميمون فقد قطع شوطاً لا بأس به. تطور دستورنا بالتعديلات المشهورة بما يضمن توريث الرئاسة لـ«جمال مبارك» وإلغاء كل الحقوق الاجتماعية للكادحين، وكل ما يخص الرقابة القضائية على الانتخابات. بالمجمل إنهاء أية شبهة نزاهة في العمل السياسي.

وتجري الضغوط من أجل المزيد من التعديلات الدستورية خصوصاً فيما يتعلق بضرورة النص على أن الملكية الخاصة مصانة لا تمس وأنها الشكل الوحيد من الملكية، أياً كان المالك، مصرياً أو من أبناء العم، أو غربياً أو من أي جنسية. وإلغاء نسبة تمثيل العمال والفلاحين في كل المجالس المنتخبة، لأنها «بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» ولأنها مستعارة من النظم الشمولية ولا يوجد لها نظير في الغرب «المقدس». يتساوى في ذلك منظرو السلطة أو منظرو الفئات الوسطى الاصلاحيون (صراحة أو ضمناً).

هكذا يتكامل الإصلاح الاقتصادي مع الاصلاح السياسي، والنتيجة هي التمكين للطبقة المهيمنة وسادتهم في استمرار السيطرة.

تحت وطأة المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات اليومية، طالب أعضاء من حزب الجماعة الحاكمة بإطلاق الرصاص على المتظاهرين. وإزاء الهجوم المضاد على هؤلاء الذين أفصحوا عن اكتمال جنين «الفاشية» في أحشاء السلطة المأزومة، سارع بعض أقطابها لاستنكارهذه التصريحات التي جرت تحت قبة البرلمان. وازداد الترويج للسماح بتوسيع حرية «النباح» دون أي عدول عما تكرس من واقع طبقي– اجتماعي. أي السماح في أضيق الحدود للتنفيس عن الغضب، وهو ما يتبناه أشخاص من الطبقة الحاكمة والاصلاحيون بقصد التعتيم على الفاشية  الوليدة.

المرعب هو سريان نهج المقاومة المنتصر الذي تبناه حزب الله ومنظمات وقوى المقاومة الفلسطينية، والذي يمثل خطراً داهماً على برنامج السلطة الحاكمة في مصر. 

خطر المقاومة على

غالبية النخب العربية الحاكمة

تشكل المقاومة نهجاً وممارسة خطراً داهماً على الأوضاع العربية المزرية. لقد رأت النظم الحاكمة، وأفصح بعضها بلا خجل أن حرب يوليو 2006 كانت مغامرة وخطيئة لا تغتفر ارتكبها حزب الله. فقد تسببت– في حدها الأدنى– في نزول ثلث أبناء العم في فلسطين المحتلة إلى المخابئ لأكثر من شهر، وفرَّ الكثيرون إلى الجنوب أو إلى الخارج. وتسببت في تحطيم هيبة هذا الكيان وقادته، الذين رأيناهم على الشاشات يهرعون مذعورين كالجرذان إلى الخنادق تحت قصف أبطال المقاومة. وهو ما أصاب غالبية نظم الحكم العربية بالهلع. أما– في حده الأقصى– فقد أوقف تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يضمن السيادة للصهاينة على الاقليم كله، وأعاد بعث مطالب «إزالة إسرائيل» مرة أخرى بعد أن استراح منه الامبرياليون والصهاينة وعملاؤهم المحليون. ثم كان صمود المقاومة الباسلة في غزة المحاصرة رغم قلة الإمكانيات، ولم يتمكن العدو من تحقيق أهدافه.

هنا مكمن الخطر الذي تواجهه الامبريالية والصهيونية، وقبلهما عملاؤهم المحليون الذين يعيشون تحت رعايتهم وحمايتهم. 

«جريمة» مشرفة.. وعقاب العار

إذا كانت السلطة الحاكمة ترى في المقاومة جريمة، فإننا على العكس نراها شرفاً نعتز به. وإذا كانت ترى أن العقوبة حق، فإننا نعتبرها وصمة عار. لأن المقاومة هى أسطع وأشرف الظواهر العظيمة في عالمنا. والمقاومون هم شرفنا وعزنا وضمان بقاء أوطاننا وشعوبنا. لن نستغرق في الحديث عن الحكم ومدى قسوته، لكن الأهم هو النضال ضد النهج المعادي للمقاومة، وإيقاف مطاردة المقاومين، وضرورة إعادة مصر إلى دورها التاريخي كملاذ لكل المناضلين.

ربما يكون الأكثر مناسبة لختام المقال، هو بيت من الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي:

وللحرية الحمراء باب

بكل يد مضرجة يدق