ماذا سيقدّم «مؤتمر كوبنهاغن» لإبقاء غضب المناخ دون حدود الكارثة؟
يوصف مؤتمر قمة تغير المناخ الذي تنظمه الأمم المتحدة في كوبنهاغن بين 7-18 كانون الأول الجاري، بأنه الفرصة الوحيدة والأخيرة لإنقاذ العالم.. مندوبو 192 بلداً باتوا جاهزين للتفاوض بغية محاولة التوصل إلى اتفاق يضمن إبقاء درجة حرارة الأرض منخفضة دون حدود الكارثة.
يُشكل المؤتمر دعوة إلى «التوحّد في مواجهة الخطر المشترك الذي يهدد الأرض، كما في قصص الأطفال المصوَّرة. إنه ليس نيزكاً أو غزواً فضائياً، إلا أنه يُنزل ضرراً كبيراً بكوكبنا، ومجتمعاتنا، وأولادنا، وأحفادنا»، حسب تصريح «تود ستيرن»، الممثل الأول للرئيس أوباما في المفاوضات المناخية.. هذا ما قيل في آذار الماضي. إنما، منذ ذاك الحين، صب الرئيس اهتمامه على الرعاية الصحية منصرفاً عن قضية التغير المناخي! وهاهو مؤتمر كوبنهاغن ينعقد قبل حتى أن يلتئم شمل الكونغرس لمناقشة ورقة العمل المهلهلة عن المناخ التي صاغها «لوبي الفحم»، وبعد أن تخلى ساسة الولايات المتحدة عن تصريح بطلهم المفاوض، ساعين إلى تخفيض توقعات التوصل إلى اتفاق جدي في المؤتمر. فهو مجرد لقاء، «لا هو الناهي، ولا هو الأخير»! حسب تعبير ستيفن تشو، سكرتير الطاقة الأمريكي.
في جميع الأحوال، مع ضعف الثقة بممارسات الحكومة الأمريكية، ينظر الناشطون من أجل المناخ إلى مؤتمر كوبنهاغن كمناسبة مختلفة نوعياً. فعدا عن أنه سيكون أضخم تجمع بيئي في التاريخ، يمثل المؤتمر بالنسبة لهم فرصة للتخلص من أنصاف الحلول المناسبة «للبيزنس» (مثل ماصّات الكربون والمقايضة بالانبعاثات الغازية)، ولاستعادة زمام المبادرة عن طريق تقديم حلول فعالة وعملية، واقتراحات وأفكار تتعلق بالتخلي عن الفحم والنفط وحفظهما في باطن الأرض، وبعيدة عن إيجاد أسواق جديدة للتلوث.
الدَّين المناخي
أكثر الأفكار ذكاء وعمليةً، عدا عن كونها خلافية، فكرة «الدَّين المناخي»، التي تعني دفع الدول الغنية تعويضاً عن أزمة المناخ للدول الفقيرة. تمثل هذه الفكرة نقلةً متقدمة في الأسلوب والمضمون، بين أوساط ناشطي التغير المناخي. خاصة أن اختصاصيي البيئة الأمريكيين، يتجاهلون اختلاف المسؤوليات عن الاحتباس الحراري، على أساس أننا نشترك جميعاً على هذا الكوكب الأزرق الهش! وبالتالي، علينا أن نتعاون جميعاً بالتساوي لإنقاذه! لكن تحالف حكومات إفريقيا وأمريكا اللاتينية، يقرّ بتفاوت المسؤوليات عن الدين المناخي بين الدول، متمركزاً حول بؤرة التناقض بين أولئك الذين تسببوا بأزمة المناخ (الدول المتقدمة) وأولئك الذين يعانون من أسوأ آثارها (البلدان النامية). مع العلم أن خبراء البنك الدولي يقرون بأن «البلدان النامية تتحمل نسبة 75-80 بالمائة» من الضرر الناتج عن الاحتباس الحراري،«رغم أنها مسؤولة عن أقل من ثلث الغازات المنبعثة في الجو فقط».
إذاً، مفهوم الدين المناخي يتعلق بمن يدفع الفاتورة (؟). تقول الحركة التي تتبنى الفكرة بأن كل التكاليف المتأتية عن تبني نمط إيكولوجي مختلف، يجب أن تتحملها الدول التي خلقت الأزمة، بدءاً من بناء الصادات البحرية، حتى التحول التام إلى تقنيات نظيفة ومرتفعة التكلفة. وكما تقول ليدي ناسبيل، إحدى منسِّقات منظمة «جوبيلي ساوث» العالمية، التي نظمت العديد من الاحتجاجات لأجل إجراء إصلاحات مناخية: «ليس علينا أن نتسول ما نحن بحاجة له، إنه دَين لنا لا علينا، لأننا نعالج أزمة ليست من صنعنا. الدين المناخي ليس عملاً خيرياً أو إحساناً».
أما شارون لوريميتا، المحامية عن قبائل «مآساي» في كينيا التي خسرت خمسة ملايين رأس من الماشية بسبب الجفاف خلال السنوات الأخيرة، فتطرح القضية بشكل أكثر حدّة «إن مجتمع مآساي لا يعتمد على السيارات ذات الدفع الرباعي، ولا يسافر بالطائرات في العطل، نحن لم نتسبب بتغير المناخ، لكننا نعاني منه. هذا ظلم، ويجب أن ينتهي فوراً».
بالعلم والمنطق
مثل كل النقاشات المتعلقة بالتغير المناخي، ينطلق النقاش حول قضية الدين المناخي من العِلم. قبل الثورة الصناعية، كانت كثافة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو، السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، 280 جزء/مليون. اليوم وصل إلى 387 جزء/مليون، أعلى من المستوى الآمن بكثير، ويستمر بالارتفاع. تشكل الدول المتقدمة أقل من 20% من سكان العالم، لكنها أصدرت 75% من الغازات الملوِّثة التي أفقدت المناخ استقراره. (الولايات المتحدة بمفردها، تشكل 5% من سكان العالم فقط، وتساهم بربع كمية الكربون المنبعث في الجو). وحتى الدول النامية، مثل الصين والهند، التي شرعت أيضاً بإطلاق كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون، يقول المنطق العقلي إنها ليست مسؤولة بالقدر نفسه عن تكاليف تنظيف الجو، لأنها لم تساهم إلا بجزء يسيرٍ، خلال مائتي عام من التلويث الذي أدى إلى الأزمة.
كثيراً ما تحدث اقتصاديو أمريكا اللاتينية اليساريون عن شكل ما من أشكال «الدين الإيكولوجي» المترتب على القوى الغربية سداده للقارة، تعويضاً عن قرون من الاستعمار الأراضي ونبش ثروات الأرض الباطنية. لكن النقاش الجاري حالياً عن الدين المناخي أكثر تحديداً ووضوحاً، بفضل الدراسات الكثيرة التي تحدد كمية الغازات المنبعثة ومن أطلقها وكيف أطلقها. «من المثير أننا نستطيع التحدث بالأرقام. إذ يمكننا قياس انبعاث غاز الكربون بالطن، وتحديد التكاليف المادية الناجمة عنه».. وفقاً لأنتونيو هيل، خبير شؤون المناخ في «أوكسفام».
وترتدي القدر نفسه من الأهمية، الفكرة التي ساندها اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة لمناقشة التغير المناخي، وصادقت عليها 192 دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. فالاجتماع لم يكتفِ بالتأكيد على أن «الدول المتقدمة هي المسؤولة تاريخياً عن الكمية الأكبر من انبعاث الغازات عالمياً»، بل أوضح أيضاً أن كل الإجراءات التي ستتخذ لحل القضية يجب أن تقوم «على أسس عادلة وفقاً لمعايير المسؤولية العامة إنما المتفاوتة».
نجمة الجنوب.. بوليفارية
يلتف حول مطلب التعويض هذا تحالفٌ واسع الطيف من المنظمات العالمية الكبيرة، من أصدقاء الأرض إلى مجلس الكنائس العالمي، إضافة إلى علماء المناخ وخبراء الاقتصاد السياسي، الذين يرتبط معظمهم بـ«شبكة العالم الثالث» التي تتصدر التحالف. وحتى وقت قريب، لم تكن أي من الحكومات موافقة على إدراج الدين المناخي في اتفاقية كوبنهاغن.
لكن تغيّر الوضع في حزيران الماضي، عندما اعتلت رئيسة وفد المفاوضين البوليفيين، المنصة في اجتماع بون، ألمانيا، التفاوضي حول المناخ (نظمته الأمم المتحدة). أنجيليكا نافارو البالغة 36 عاماً من العمر فقط، مرتدية سترة سوداء بسيطة، بدت أشبه بالهبيين من حيث مظهرها الخارجي، مقارنة بمظهر البيروقراطيين والموظفين المدنيين. وبمزجها آخر ما توصلت إليه علوم المناخ مع شرح الآثار الكارثية لذوبان الجليد على مخزون مياه مدينتين رئيسيتين في بوليفيا، أوضحت أنجيليكا الأسباب التي ترتِّب على الدول المتقدمة مديونية أزمة مناخية ضخمة.
«ملايين الناس، سكان الجزر الصغيرة، والبلدان الأقل نمواً، وشعوب البلدان والمدن الداخلية مثل البرازيل والهند والصين، وفي كافة أنحاء العالم، يعانون أزمات لم تكن يوماً من صنعهم»، هذا ما رمته أنجيليكا في غرفة التفاوض المغلقة، إضافة إلى قولها إن بوليفيا لا يمكنها أن تقلع بنموها الاقتصادي بمصادر طاقة ملوثة للبيئة ورخيصة كما فعلت الدول الغنية، لأن ذلك يؤدي إلى تعميق أزمة المناخ، وفي الوقت ذاته، بوليفيا غير قادرة على تحمل التكاليف الباهظة للتحول إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
واسترسلت المفاوضة البوليفية بالقول إن الحل يكمن في تسديد الدين بثلاثة سبل: تدفع الدول الغنية تكاليف تبني خيار الانتقال إلى مناخ أفضل؛ وتخفض انبعاث الغازات لديها تخفيضاً كبيراً كي «توفر مجالاً بيئياً رحباً» للحياة في البلدان النامية؛ وتدفع لبلدان العالم الثالث ما يكفي لتمكين هذه البلدان من تجاوز الاعتماد على مصادر الطاقة الاستخراجية والاتجاه مباشرة نحو اعتماد البدائل الأنظف. «لا نستطيع، ولن نتخلى عن حقنا بحصتنا من المجال البيئي مقابل وعد مستقبلي بتقديم التكنولوجيا لنا».
العقد الأغلى
تلقف الناشطون الخطاب في كافة أرجاء العالم. وخلال الأشهر التالية، تبنت حكومات سيريلانكا، فنزويلا، الباراغواي، وماليزيا، مفهوم الدين المناخي. وأصدرت أكثر من 240 منظمة بيئية وتنموية بياناً يطالب الدول الغنية بتسديد ديونها المناخية، وقررت 49 دولة من الدول الأقل نمواً اعتبار الدين المناخي خط التفاوض الأخير في كوبنهاغن.
وكانت أنجيليكاقد أعلنت في نهاية خطابها: «إذا كنا نريد كبح الانبعاث الغازي خلال العقد القادم، فنحن بحاجة إلى أشمل وأكبر تعبئة في التاريخ. نحتاج خطة مارشال لكوكب الأرض. يتعين على هذه الخطة تمويل التحول التكنولوجي بمعدلات لم يسبق لها مثيل. يجب أن توضع التكنولوجيا على أرض كل بلد، كي نضمن خفض الانبعاثات الغازية، ورفع نوعية الحياة الإنسانية في الوقت نفسه. أمامنا عقد واحد فقط».
عقد باهظ الثمن! يقدّر البنك الدولي المبالغ المترتبة على الدول المتقدمة بسبب التغير المناخي بمائة مليار دولار سنوياً، تتضمن كل التكاليف، من المحاصيل التالفة بسبب الفيضانات إلى ملاريا بعوض مياه المستنقعات. أما التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة فسيرفع التكلفة كثيراً، إلى حد ستمائة مليار دولار سنوياً، طيلة العقد القادم، حسب تقديرات فريق باحثي الأمم المتحدة. وبخلاف تعويض البنوك الأمريكية، الذي نقل الثروة العامة ببساطة إلى صناديق أثرى المؤسسات المالية العالمية، يغذي تسديد الدين المناخي حركة التحول البيئي العالمي، التحول الضروري من أجل إنقاذ الكوكب.
حقوق.. لا قروض!
يشير الناشطون إلى وجود مجال واسع من المبادرات الخضراء الممكنة إذا سددت الدول الغنية ديونها المناخية. في الهند، يمكن لمحطات صغيرة لتوليد الطاقة، تشتغل على الطاقة الشمسية أو البيوماس، توليد كهرباء شبه خالية من الكربون، لأربعمائة مليون هندي محرومين حتى اليوم من نور المصباح.
وفي مدن كثيرة من القاهرة إلى مانيلا، يمكن تقديم الدعم المالي لجيوش جامعي القمامة المعدمين الذين يحفظون حوالي 80% من القمامة والمخلفات في بعض المناطق بعيداً عن مهب الرياح، في حاويات ضخمة ومواقد إحراق النفايات التي تطلق ملوِّثات الاحتباس الحراري في الجو. وبدرجة أوسع، يصبح بالإمكان، على امتداد العالم النامي، تحويل محطات توليد الطاقة المعتمدة على إحراق الفحم إلى منشآت فعالة تستخدم التكنولوجيا المتوفرة لتخفيض كمية الغازات المنبعثة منها بمقدار الثلث على الأقل.
ولضمان سير الإصلاحات المناخية يصر الخبراء على استقلالية التعويضات عن النظام الحالي للمساعدات الدولية. فالأموال المخصصة للمناخ لا يمكن أن تدرج ضمن برنامج المساعدات القائم، كتلك المخصصة للتوعية عن مخاطر مرض نقص المناعة. المهم، يجب تقديم الاعتمادات المالية كمنح لا كقروض، فآخر ما تحتاجه الدول النامية هو المزيد من الديون.
وأبعد من ذلك، لا يجوز أن يدير المشبوهون التقليديون عملية منح الأموال مثل البنك الدولي وبرنامج المساعدات الأمريكية «يو إس إيد»، الذين يمررون دائماً مشاريعهم المعدة وفقاً لأجندة الغرب، إنما يتعين التحكم بها من قِبل هيئة الأمم المتحدة، حيث تتقدم الدول النامية لإيضاح كيفية صرف الاعتمادات المالية مباشرة.
أنت أولاً!
دون هذا النوع من الضمانات لا معنى للإصلاحات. ودون إصلاحات حقيقية، يرجح أن تنهار مفاوضات كوبنهاغن، الثابتة حتى الآن في حالة من الركود. فالولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول النامية مثل الهند والصين دخلت لعبة «أنت أولاً» الصبيانية: نحن لا نقبل تخفيض كمية الغاز التي نطلقها، قبل أن يتوقفوا هم عن إطلاق غازاتهم ويخضعوا للرقابة الدولية!
وبدوره، الطرف الثاني لا يتزحزح عن موقفه، إلا إذا توقفت الدول الغنية عن تلويث البيئة وأبقت تمويلاً جدياً وكفيلاً بمساعدتهم على الالتزام باستحقاقات التغير المناخي، والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة. «بلا أموال، لا اتفاق».. هكذا يقول أحد أكبر مسؤولي البيئة في جنوب إفريقيا. أما رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، فأعلن باسم الاتحاد الإفريقي «وغير ذلك، نحن مستعدون لمغادرة الطاولة».
فيما مضى، أقرّ الرئيس أوباما بمبدأ المسؤولية عن الدين المناخي وعلى من يقع. وأكد في أيلول الماضي، بخطابه في الأمم المتحدة «نعم، الدول المتقدمة التي تسببت بالكثير من الضرر لمناخنا طيلة القرن المنصرم، ما زالت تتحمل مسؤولية الريادة... تقع علينا مسؤولية تأمين المساعدة المالية والتقنية لمساعدة هذه الدول [النامية] على التصدي لآثار التغير المناخي، واتباع وسائل تنمية منخفضة الكربون».
ومع اقتراب موعد كوبنهاغن، ظهر موقف الولايات المتحدة التفاوضي متجاهلاً لمائتي عام من انبعاث غير محدود للغازات، وكأنها لم تكن يوماً! وسخِر رئيس المفاوضين الأمريكيين، تود ستيرن، من اقتراح الأفارقة والصينيين أن تدفع الدول المتقدمة 400 مليار دولار سنوياً، واصفاً الاقتراح بأنه «غير معقول بتاتاً، ولا يمت للواقع بصلة»، ودون أن يقدم حتى اقتراحاً بديلاً على الطاولة، بخلاف الاتحاد الأوروبي الذي قدم عرْضاً بقيمة 22 مليار دولار. إنما كل ما تقدّمَ به مفاوضو الولايات المتحدة يكفي لإيضاح وجهة نظرهم بأن تغطية تكاليف التغير المناخي هي مسألة رغبة لا واجب.
حصون المستقبل
لكن تجنب تكلفة التغير المناخي الباهظة ستتبعه تكاليف أخرى. إذ ينظر الجيش الأمريكي ووكالات المخابرات إلى الاحتباس الحراري كتهديد رئيسي لأمن الولايات المتحدة. فمع ارتفاع منسوب البحار وانتشار الجفاف، تزداد حدة المنافسة على الغذاء والمياه بين عدد كبير من أفقر دول العالم، لتصبح مناطق «موبوءة بالفوضى وعدم الاستقرار، والتمرد، وأمراء الحروب» وفقاً لما أوردته دراسة صدرت عن «مركز التحليلات البحرية» تحت إشراف الجنرال أنتوني زيني، في عام 2007.
أما التقرير الأسبق، الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية، في عام 2003، فكان قد تنبأ بأن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية ستلجأ غالباً إلى «بناء حصون دفاعية حول بلدانها» لمنع دخول ملايين النازحين إليها، المنكوبين بسبب تغير المناخ، الهاربين من الجوع والحروب. إن هذه البلدان ومصدِّرات الحروب لن تكون رخيصة التكلفة. هذا إذا جاز لنا تجاهل لا أخلاقية تشييد الحصون عالية التقنية لحماية أنفسنا من أزمة نحن بلونا العالم بها!
ما لم نسدد ديوننا المناخية، وبسرعة، فربما نجد أنفسنا، وقد نزل فوق رؤوسنا غضب المناخ. وهو ما عبر عنه مؤخراً السيناتور جون كيري بالقول «برأيي، تلقينا سلفاً استياء دبلوماسيي البلدان التي تتحمل تكاليف انبعاث الغازات عندنا. يمكنني أن أخبركم من تجربتي: إنها انتقادات واقعية وشائعة. وليس صعباً فهم كيفية تبلورها في صيغة جديدة قاسية وخطرة وشاملة من صيغ العداء للولايات المتحدة الأمريكية. هذا يشكل تهديداً إضافياً لنا. ولنتذكر: إن البقاع الأقل مسؤولية عن تغير المناخ، والأقل جاهزية لمعالجة آثاره، هي الأكثر تضرراً منه».
حرب خفية
هذا هو باختصار محتوى الجدل الدائر حول الدين المناخي. لطالما توفرت مبررات لفظ الجار الشمالي لبلدان العالم النامي، مع نزوعنا الدائم نحو الإطاحة بحكوماتها، وغزو أراضيها ونهب ثرواتها الطبيعية. إنما لم يسبق أن وُجدت مسألة مثيرة للاستفزاز سياسياً مثل رفض الناس الذين يتنعمون بالعيش في الدول الغنية تقديم بعض التضحيات لتفادي وقوع كارثة مناخية وشيكة. في بنغلاديش والمالديف وبوليفيا والقطب الشمالي، تخريبنا للمناخ مسؤول مباشرة عن تدمير وسائل وسبل عيش شعوبها، ومع ذلك نواصل!!
خارج حدودنا، لا تبدو أزمة المناخ مثل النيزك أو غزاة الفضاء الذين تخيلهم تود ستيرن مندفعين باتجاه كوكب الأرض. بل تبدو كحرب طويلة وسرية شنها الأغنياء ضد الفقراء. ولذلك، بغض النظر عما سيحدث في كوبنهاغن، سيواصل الفقراء مطالبتهم المحقة بالتعويض. وكما ذكرت المحللة السياسية إيلانا سولومون المنضمة حديثاً إلى مجموعة «آكشن إيد»: «يتعلق الأمر بمدى تحمّل العالم الغني لمسؤوليته عن الضرر الذي تسبب به، إنها أموال الشعوب الفقيرة المتضررة من تغير المناخ. إنها تعويض لهم».
ترجمة وإعداد: موفق إسماعيل