مصير أوباما..
خيم الإحباط ليلة الثلاثاء ذاك بسبب اتخاذ الرئيس أوباما قرار توسيع نطاق الحرب في أفغانستان. القرار الخالي من عنصر المفاجأة، ليس قراراً منفصلاً عن السياسات الخارجية والعسكرية الأمريكية، رغم أنه نتاج شأن داخلي أمريكي.
تم انتخاب أوباما رئيساً بعد التزامه بوعد خوض «الحرب الصحيحة» في أفغانستان، خلال عمله على إنهاء «الحرب الخاطئة» في العراق. وصار بإمكانه القول حالَ انتخابه بأنه ارتكب خطأ في السابق، واكتشف الآن خطأ الحربين، وأنه سيعمل على إنهائهما كلاهما. إنما لم تظهر إشارة واحدة تدل على أنه توصل إلى مثل هذه النتيجة.
لا شك أن انتقاءه الجنرال ستانلي ماك-كريستال لقيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، واعتماده إياه لتقييم الأوضاع في كابول، قد أتيا بناء على توصيات وزير الدفاع روبرت غيتس، ورئيس القيادة العسكرية الجنرال ديفيد بترايوس. وفور عودة ماك-كريستال إلى الولايات المتحدة تمّ تسريب تقريره، واشتراطه إرسال أربعين ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، وإلا لن يستطيع ضمان النصر (صرح في اليوم التالي لخطاب أوباما في 1/كانون الأول، أن التعزيزات التي وعد بها الرئيس «كافية»!).
الرئيس المنتخب حديثاً، الفاقد للخبرة العسكرية كلياً، والمشغول بالأزمة الاقتصادية العالمية وبخططه لإصلاح نظام الرعاية الصحية، وجد نفسه، بالضبط، حيث تريد وضعه تلك العصبة المهيمنة في البنتاغون، المستمتعة بمساعدتها المحافظين الجدد على الانبعاث من القبور.
بالنسبة لهم، أفغانستان ليست مجرد حرب حالية فقط، بل هي الحرب- الفرصة التي تحمل مفعولاً رجعياً يسمح لهم بإعادة الاعتبار لحرب فيتنام. إذ يعتقد العديد من المعلقين العسكريين والمدنيين أن الهزيمة في فيتنام نتجت عن «طعنة في الظهر» سددتها صحافة وتلفزيونات فترة الستينيات والسبعينيات، والكونغرس المذعور، وإدارة نيكسون التي فاوضت هانوي وصولاً إلى وقف إطلاق النار ساعةَ لاح أفق النصر الأمريكي (برأي أولئك المجادلين)! وكانت صيغتهم البِدعة آنذاك (كما الآن) مفاجأة العدو بـ«دفعة» جديدة من القوات، ثم تطهير المنطقة من المسلحين، والسيطرة عليها من خلال قوات محلية تمنع عودة أعمال المقاومة.
وفي حالتنا الراهنة، المؤيدون الرئيسيون لوجهة النظر هذه هم عسكر الساعة، الجنرالان بترايوس وماك-كريستال، ومنظـّر وزارة الدفاع الأسترالي ديفيد كيلكولين، العائمون جميعهم فوق أمواج «دفعة» مشابهة في العراق، وكَسبِ أمريكا الواضح لقاعدة إستراتيجية دائمة في ذاك البلد. وها هم الآن متأهبون لإحراز نصر عسكري كفيل بتشكيل أفغانستان وديعة مُعادة البناء! وباكستان مقوَّمة! ولم لا؟
برأي كاتب هذه السطور، أمرٌ مشكوك فيه أن يتمكنوا من إنجاز كل ذلك. لكن ها قد تم منحهم الفرصة التي طلبوها. أما الأمر الذي يبدو أنهم لا يحملونه على محمل الجد ويسيئون تقديره هو أن الرئيس بالمقابل، من خلال تلبية كل طلباتهم، يوجب عليهم تسليمه الاستحقاق. إنهم مجبرون على النجاح.
فماذا لو تعثرت الحملة العسكرية؟ أو لم تباشر القوات الأمريكية عودتها من أفغانستان في عام 2011؟
ماذا لو اكتشف الجنرال ماك-كريستال ضرورة طلب تعزيزات عسكرية إضافية، في عام 2010، أو 2011؟
ماذا لو سببت الحرب، وهو الاحتمال الأكثر شؤماً، أزمة وانهياراً سياسياً في باكستان؟ ثم ماذا لو أنّ الهند، وهو الاحتمال القائم جدياً، تورطت في النزاع، مسببة بذلك اندلاع أزمة إقليمية؟
خلال الأشهر العشرة الأخيرة، كان باراك أوباما يعايش الوضع الصعب ذاته الذي مرّ به ليندون جونسون، بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي في عام 1963. حين كان جونسون يخطط لتنفيذ برنامج إصلاح اجتماعي طموح، بما فيه سن تشريعات الحقوق المدنية، متطلعاً من خلال تنفيذه إلى حجز مكان مناسب له في التاريخ إلى جانب فرانكلين روزفلت.
كسياسي ريفي من تكساس، عامّي وشعبيّ بالفطرة، خشي جونسون أن تقوم «حشود هارفارد» المسيطرة على مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية، بوصم سياسته الخارجية بـ«الجبن» وانعدام الكفاءة، في حال رفضه التدخل العسكري في فيتنام. وخوفه كان مبرراً بعدما تم إخباره بأن عليه إنقاذ شرف الأمة! وتوصل طاقمه الموروث عن كينيدي إلى إقناعه أخيراً بوجوب إرساله دفعة جديدة من القوات العسكرية إلى فيتنام لتوسيع الحرب. والنتيجة معروفة.
جونسون محبط العزيمة، الذي توفي إثر نوبة قلبية في عام 1973، كان قد ذوى واهناً مع الدورة الانتخابية التالية في عام 1968، وانتهائها إلى تنصيب ريتشارد نيكسون رئيساً وهو الذي شطح أكثر في تصعيد العمليات الحربية وتوسيعها باحتلال كمبوديا. والنتيجة معروفة.