«تشيلكوت» دليل على انهيار الإمبراطورية الأمريكية
تم نشر التقرير الرسمي للجنة حكومية يرأسها السير جون تشيلكوت في المملكة المتحدة حول حرب العراق. وأظهر تقرير تشيلكوت رسمياً إن الغزو البريطاني للعراق جرى تحت ضغط الولايات المتحدة، وهو متعارض مع المصالح الوطنية للبلاد. إذ لم يكن هناك أي سبب لغزو العراق، سوى النزعة إلى اللحاق بواشنطن.
يقول التقرير بوضوح أن قرار استخدام القوة، وهذا قرار خطير جداً بالنسبة لأية حكومة، قد سبب جدلاً عميقاً فيما يتعلق بالعراق، وأصبح الجدل أكثر إثارةً عندما تبين لاحقاً أن برامج العراق لتطوير وإنتاج المواد الكيميائية والبيولوجية والأسلحة النووية كان قد تم تفكيكه فعلاً.
ترى لجنة التحقيق أن الخيارات الدبلوماسية لم تكن قد استنفدت في تلك المرحلة. ولم يكن العراق ذا صلة بشبكات إرهابية دولية. وقال التقرير إن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل يمكن استخدامها في أعمال إرهابية، ولم يكن يشكل أي تهديد على المملكة المتحدة. وقد كان هذا رأي أجهزة الاستخبارات البريطانية:
قال السير ديفيد أوماند، منسق التعاون الأمني والاستخباراتي في مكتب رئيس الوزراء 2002-2005 للجنة التحقيق في آذار من عام 2002، إن تقديرات الأجهزة الأمنية كانت ترى أن «التهديد الإرهابي من جهاز الاستخبارات الخاصة بصدام في حالة وقوع تدخل في العراق.. سيكون محدوداً ويمكن احتواءه».
كانت «القدرة على شن هجمات إرهابية فعالة» من قبل صدام حسين «محدودة جداً». وكانت «القدرة على الإرهاب» من قبل العراق «غير كافية لتنفيذ هجمات بيولوجية أو كيميائية ، أما محاولات الاغتيال الفردية فكانت تتم باستخدام السموم الكيماوية».
يعرفون العواقب
يؤكد التقرير أن أجهزة الاستخبارات البريطانية قدمت لرئيس الوزراء التحليلات اللازمة كلها حول الآثار المترتبة على قرار غزو العراق. وعلى وجه الخصوص، أشارت التقارير أن الإطاحة بصدام حسين قد تؤدي إلى زيادة حادة في أعداد المتطرفين وتحويل المملكة إلى هدف مفضل لهم وستتسبب بعدد كبير من الضحايا، وبتفتيت العراق.
لقد تم تقديم النصيحة لبلير، أنه من المتوقع أن يزيد الغزو من الأخطار على المملكة المتحدة ومصالحها من قبل تنظيم «القاعدة» وحلفائه. وخلص تقييم لجنة الاستخبارات المشتركة حول التصدي لآفاق المستقبل إلى ما يلي:
«..سوف تشكل القاعدة والجماعات المرتبطة أكبر تهديد إرهابي للمصالح الغربية، وسيتم ازدياد هذا التهديد من جراء عمل عسكري ضد العراق. إن التهديد الواسع من الإرهابيين سوف يزداد أيضاً في حالة نشوب حرب، وسينعكس تكثيفاً للمشاعر المعادية للولايات المتحدة والغرب في العالم الإسلامي وفي الجاليات المسلمة في الغرب. وهناك خطر بنقل المواد الكيميائية والبيولوجية أو الخبراء أثناء أو في أعقاب الصراع، وبالتالي تعزيز قدرات تنظيم القاعدة».
عمل عدواني مستند للكذب المتعمد
استند الغزو على أكاذيب متعمدة وتلاعب بالرأي العام. حيث أعلن السير، جون تشيلكوت، في عرضه لنتائج التحقيق أن سياسة المملكة المتحدة تقوم على «معلومات استخباراتية وتقييمات محددة، لم يكن الطعن فيها ممكناً، ولا يجوز ذلك».
اعتمدت المملكة المتحدة على معلومات مشوهة عمداً حول التهديد المزعوم الذي يشكله العراق. وعلى وجه الخصوص، أصر وزير الشؤون الخارجية البريطاني، جاك سترو، في ذلك الوقت على تشويه المعلومات الواردة في الوثائق الرسمية، من أجل إقناع صانعي السياسات والجمهور على الحاجة للعمل في العراق:
عندما رأى مشروع ورقة الدول الموقعة على أسلحة الدمار الشامل في 8 آذار، علق السيد سترو: «جيد، ولكن لا ينبغي أن يكون العراق أولاً، وأيضاً لا ينبغي أن يكون لديه أكثر من نص؟ إن الورقة تحتوي على وجود تهديد استثنائي من العراق. وهو لم يقم بذلك حتى الآن».
في 18 آذار، قرر سترو أن الورقة التي تخص العراق ينبغي أن تصدر قبل التعامل مع البلدان الأخرى المعنية. ويوم 22 آذار، نصح سترو بأن الأدلة لن تقنع الرأي العام بأن هناك تهديداً وشيكاً من العراق. فتم تأجيل النشر.
دمى الولايات المتحدة
كان السبب الوحيد لغزو العراق هو الرغبة العارمة لدى الولايات المتحدة للقيام بذلك. ويبين التقرير بوضوح كيف تغيرت وجهة نظر القيادة البريطانية في العراق تحت تأثير الجانب الأمريكي، حيث دعت الاستراتيجية إلى فرض «عقوبات ذكية» قبل الغزو. وفي الوقت نفسه، ذكرت المخابرات البريطانية أن العراق لا يشكل أي خطر حقيقي.
وقال تشيلكوت إن قرار بلير بالمشاركة في غزو العراق تأثر برغبته في حماية العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد برر الدعم غير المشروط بالقلق من أن المناطق الحيوية للتعاون بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة قد تتضرر إذا لم تقدم المملكة المتحدة الدعم الكامل للولايات المتحدة في العراق.
كان الاعتقاد أن أفضل وسيلة للتأثير على السياسة الأمريكية لتتجه نحو الاتجاه الصحيح هو الدعم الكامل وغير المشروط من المملكة المتحدة والسعي إلى إقناعها من الداخل.
رياح التغيير
رسمياً، فقد كان ينبغي أن ينتهي التحقيق العام لتشيلكوت قبل سبع سنوات. إلا إنه قد جرى تأجيل نشره مرات عدة بسبب موقف الولايات المتحدة. والآن أصبح بتصرف الرأي العام. وهكذا، فإنه يعكس تراجع الهيمنة الأمريكية لأن تراجع الحليف الأكثر ولاء- المملكة المتحدة- في العامين الماضيين يدل على أن انهيار النظام الذي مقره الولايات المتحدة هو مسألة وقت، والعالم يستعد لعالم جديد.
إن نشر هذا التقرير الرسمي من اللجنة التي شكلتها حكومة غوردون براون، يشكل حالة تعتمدها النخبة البريطانية الحريصة على النأي بنفسها عن الولايات المتحدة وسياساتها. وداخل تلك النخبة التي لديها علاقات وثيقة جداً مع الولايات المتحدة. وفي الحقيقة فإن في المملكة المتحدة أشخاص يتطلعون نحو مستقبل ما بعد الولايات المتحدة، وهم ذاتهم الذين دفعوا في اتجاه قرار بريطانيا للمشاركة في المشروع الصيني للاستثمار في البنية التحتية في البنك الآسيوي، خلافاً لإرادة الولايات المتحدة.
تجدر الإشارة إلى أن قيادة المملكة المتحدة قد أصبحت تابعة طوعاً للولايات المتحدة، وسلمت للأميركيين دور السلطة في البحر. لذلك لا شيء سيمنعها من مغادرة الولايات المتحدة عندما ترى ذلك ضرورياً. حيث إن ضعف الولايات المتحدة أدخل قواعد جديدة للعبة. وهذه القواعد يفضل إنشاؤها عندما تكون العملية لا رجعة فيها. والتغيرات في بريطانيا تظهر هذه الحقيقة علناً.
*نقلاً عن موقع «Katehon.com» بتصرف