الأرض الفلسطينية في أيامها الخالدة

أحيا الفلسطينيون في الثلاثين من آذار/ مارس الذكرى الرابعة والثلاثين للهبة الشعبية الواسعة التي شهدتها الأراضي العربية الفلسطينية المنكوبة باحتلال عام 1948. في هذا اليوم الخالد في حياة أبناء الشعب والأمة، نستحضر جميعاً، العوامل التي شكلت على مدى عقود الاحتلال، التربة الخصبة التي نمت وترعرت فيها الأفكار الرافضة لوجود الكيان الاحتلالي/ الاجلائي.

فسياسات القمع والتمييز ومصادرة الأراضي، التي أعقبت سنوات عديدة من الحكم العسكري، وفرت على مدى عقود من النضالات الوطنية والمطلبية، أسس المواجهة المنتظرة. ولهذا جاءت قرارات مصادرة أكثر 21000 دونم من الأراضي التابعة للبلدات والقرى العربية (سخنين،عرابة البطوف، ديرحنا وعرب السواعد وغيرها) في«شباط/ فبراير1976» لتشكل صاعق التفجير للهبة الكبرى التي اشتبك خلالها الآلاف من المتظاهرين العرب مع قوات القمع الصهيونية، مما أدى لسقوط ستة شهداء ومئات الجرحى. لقد أنارت كوكبة من أبناء وبنات الشعب (الشهيد رجا أبو ريا، والشهيد خضر خلايلة، والشهيدة خديجة شواهنة وجميعهم من «سخنين» والشهيد خير أحمد حسن من «عرابة البطوف»، والشهيد محسن طه من «كفر كنا»، والشهيد رأفت علي زهدي من قرية «نور شمس» الذي سقط مضرجاً بدمائه في بلدة «الطيبة») درب الكفاح الوطني، وحددت بدقة ملامح النضال المستقبلي القادم.

على امتداد أرض فلسطين التاريخية، جدّد الفلسطينيون في هذا اليوم المجيد، الاحتفاء بأرضهم وشهدائهم. فمن بلدة «سخنين» في الجليل، إلى بلدات وقرى النقب «راهط والعراقيب»، توحدت القوى الشعبية في مواجهة مخططات تهويد الأرض وصهينتها، والسياسات العنصرية/ الاقصائية التي تستهدف المواطنين العرب. فماتشهده الأراضي المحتلة عام 1948 من تصعيد خطير في سياسة التمييز العنصري، والقمع، والحصار الجغرافي والاقتصادي، وتقليص الخدمات في مجالات الصحة، التعليم، البناء، التخطيط،، هدم البيوت، ومصادرة الأراضي، يشير إلى تنامي موجة العداء اللإنسانية، والتي تندرج تحت برنامج التطهير العرقي. وقد أشار التقرير السنوي الصادر قبل أسبوعين تقريباً في اليوم العالمي للنضال ضد العنصرية، على أن العام المنصرم قد شهد ارتفاع نسبة الأحداث العنصرية ضد الفلسطينيين بما نسبته 28% عن عام 2008. كما أن عام 2009 شكل علامة بارزة في العقد الأخير على تنامي موجة الحوادث العنصرية ضد العرب «286 حادثاً»، ترافقت مع صدور 21 قانوناً عنصرياً وتمييزياً ضدهم. لقد نفذت حكومة العدو خلال العام الأخير، إجراءات هدم عشرات المنازل، وأصدرت العديد من أوامر الاخلاء بحق السكان العرب، بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي. وفي ظل الحديث الخطير والكارثي عن تبادل المناطق مع سلطة رام الله، قامت حكومة العدو بهدم عدد غير قليل من البيوت العربية في منطقة المثلث، المتاخمة لخط الحدود «الخط الأخضر».

وفي مواجهة تلك الممارسات العنصرية العدوانية، واجه المواطنون العرب جرافات الهدم العنصرية الصهيونية بإرادة وصمود عاليين، تجلى في مدينة «أم الفحم» قبل بضعة أسابيع، حين أجبر السكان، من خلال وحدتهم وصمودهم، التراجع على قوات الأمن التي جاءت لتنفيذ اوامر الهدم في أحد احياء المدينة.

إن معركة التشبث بالأرض، ومواجهة القوانين التعسفية، تتطلب إعادة انتاج لسياسات المواجهة الجماهيرية الواسعة. ولهذا فإن الدعوة التي طرحتها بعض القوى السياسية لاعلان الإضراب العام في ذكرى يوم الأرض، كانت واحدة من تلك الأساليب الكفاحية التي تتلاءم مع المحاولات الجادة للارتقاء بنهج المواجهة لمرحلة جديدة . (إن أحد دروس يوم الأرض هو انه لا يكفي لإحقاق الحقوق  ان تكون جماهير شعبنا ضحية الظلم والغبن التاريخي المتواصل، بل أن الأمر الحاسم هو أن تقوم الضحية بواجبها أيضاً في مقاومة الظلم وأن تكون مناضلة. لأنه لا حراك محلياً أو عالمياً دون هذه الركيزة ولأن الحقوق– حقوق الشعوب– تنتزع من الظالم وفقط بالنضال الشعبي) كما جاء في بيان «اتحاد الجمعيات العربية- اتجاه» الصادر في  ذكرى يوم الأرض. إن المعارك التي يخوضها أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، من أجل تعزيز صمودهم وثباتهم على ارضهم، تتطلب المزيد من التلاحم والوعي في مواجهة سياسات حكومات الاحتلال والعنصرية. لأن قضية الأرض كما يقول «جمال زحالقة» القيادي في «التجمع الوطني الديمقراطي» (تبقى خط المواجهة الرئيس بيننا وبين الدولة، التي صادرت أكثر من 80 في المئة من أرضنا ونقلتها باتجاه واحد من العرب إلى اليهود. مطلبنا ونضالنا اليوم هو ليس للدفاع عما تبقى لنا من أرض، بل لاستعادة الأرض التي سلبت منا بحكم قوانين صممت لاغتيال العدالة. سرقة الأرض هي قانون من صناعة «الديمقراطية الإسرائيلية»).

لقد أكدت المواجهات المفتوحة طوال أيام السنة، بين الشعب الفلسطيني وكيان العدو، على امتداد الوطن المحتل، في الجليل والنقب والمثلث ومدن الساحل والقدس، وغزة التي عمّدت هذه الذكرى بشهيد وعدة جرحى، على أن البقاء على الأرض والانغراس فيها، رغم وحشية العدوان العسكري، والفوسفور الأبيض، والقوانين النازية الجديدة التي وضعت  أكثر من 85% من أرض فلسطين التاريخية تحت سيطرة حكومة العدو، هي معركة حياة وعزة وكرامة. لأن على هذه الأرض مايستحق الحياة.