طاقة نووية لا تمنع تسرب الهَبل جيداً
الأزمة الإيكولوجية التي تفجرت إثر تسربات إشعاعية من منشآت الطاقة النووية في اليابان نتيجة الزلزال الهائل والتسونامي الذي تلاه، تفرض على الأمريكيين مراجعة أشمل لأوضاع الطاقة النووية في بلدهم.
فلطالما تم تقديم الطاقة النووية باعتبارها البديل الأخضر لمنشآت الطاقة المعتمدة على الفحم والوقود العضوي المسببة لانبعاث كميات كبيرة من الغازات الملوثة للبيئة.
ومن بين المثقفين الشعبيين العديدين الذين ساهموا بالترويج للطاقة النووية باعتبارها طاقة نظيفة لا تساهم، بحد ذاتها، بكثير من الانبعاثات الغازية، كان هناك متخصصون مثل «ستيوارت براند»، البيئي المرموق والاستشرافي الذي اشتهر بتأسيسه «دليل الأرض الشامل» في عام 1968، و«جيمس لوفلوك»، العالم الذي أبدع «فرضية غايا»، و«باتريك مور»، مؤسس «السلام الأخضر».
وأيضاً كان هناك سياسيون بمن فيهم الرئيس باراك أوباما والناطق باسم المجلس التشريعي «جون بوهنر» وغيرهم ممن روجوا للطاقة النووية على أساس أنها آمنة وواعدة. وحسب الموقع الإلكتروني لبوهنر، فقد ثبت أن الطاقة النووية «بديل آمن، خال من الانبعاثات الكربونية، وصديقة للبيئة»!
ولكن رغم هذا الإجماع النخبوي، كشف لنا زلزال اليابان أن الطاقة النووية ليست نظيفة وواعدة بقدر ما كنا نحمل من اعتقاد. فها هي ذي المواد الناشطة إشعاعياً قد انطلقت من المفاعلات اليابانية، ومن المرجح تزايد آثار تلويثها للبيئة أسّياً. ولا نعرف بالضبط ما سيصيب اليابان تالياً، وإلى أي حد ستتأثر الولايات المتحدة جراء الكارثة.
وعلى العكس من توافق النخب السائد، توصل الكثير من الناس العاديين إلى نتيجة مناقضة بخصوص الطاقة النووية، مفادها: بما أننا، ببساطة، لا نعرف الكثير عنها، فلابد أن أخطار استخدام الطاقة النووية عظيمة جداً طالما أننا نستخدمها ونحن في حالة جهل.
في عام 1977، على سبيل المثال، اعتقل أكثر من ألف متظاهر أمريكي بسبب احتلالهم السلمي لموقع من المقرر إقامة منشأة طاقة نووية في سيبروك، نيوهامشاير، إيماناً منهم بأن الطاقة النووية قد تكون خطيرة، وسوف تستخدم لصناعة الأسلحة، وأن مساوئها كثيرة. وخلال فترة زمنية طويلة ناهض المواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا الطاقة النووية بسبب تعدد مجاهيلها.
ومن الجهة المقابلة، برزت وجهة نظر، مدفوعة بحس لائق عن المحدودية البشرية، ترى مقدار الخسارة في الرهان على الطاقة النووية، وتعيد الاعتبار للطاقة المستمدة من الشمس والرياح وحرارة جوف الأرض، وللطاقة الهيدروليكية، إضافة إلى تغيير أنماط الحياة، وإنشاء المحميات، في مواجهة آثار التغير المناخي. ورغم أن لهذه البدائل المركـّبة ضريبتها، إلا أنها بالتأكيد لا تشمل ضريبة إشعاعية.
لذلك، رغم تأكيدات النخب الثقافية وتعهدات السياسيين، يأتي الوضع الطارئ في اليابان ليدعم منظور الناس العاديين الواعين للمفاجآت التي تختزنها الطاقة النووية، وللسرعة التي تظهر فيها عواقب قصورها وإخفاقها، ودون سابق إنذار.
فلنتحلَّ بشجاعة التصرف وفقاً للمعلومات والمعارف التي نحوزها، وجرأة الاعتراف بجهل ما نجهله.
* جيسي ليرد
ناشط حقوقي أمريكي، من بورتلاند، أوريغون.