«إعلام مستقل» بوجهين.. الجزيرة نموذجاً!

ينشط الناس سياسياً عندما يمتلكون وعياً سياسياً، لكن الوعي لا ينشأ إلا بفعل عوامل موضوعية كثيرة أما المعرفة السطحية فمصادرها كثيرة يكاد يكون الإعلام ووسائل الاتصال من أهمها، فالسلطة الرابعة تتقدم للظهور، وتعلن عن نفسها ويظهر وزنها وتأثيرها على الوعي الاجتماعي بشكل واضح في فترات التغير النوعي، ظهوراً يفوق  ما راكمته في الأحوال العادية، وهذا ما أكده التحول الكبير الجاري في المنطقة. فالمساهمة التي قدمتها المحطات التلفزيونية والإنترنت ووسائل الإعلام بتقنياتها العالية، ومن خلال نقلها للخبر وتحليلها له، تثبت ذلك، وهذا ما جعل البعض يمعن في المبالغة إلى درجة تسمية الثورات الشعبية بثورات الفيس بوك، وفاقم وضاعف هذا الأمر غياب حركة سياسية فاعلة تؤدي وظيفتها ودورها، فأخذت وسائل الإعلام هذا الدور بدلاً عنها، وإن بقصور واضح..

ومن جملة الأسئلة الهامة التي يطرحها التغيير الحاصل في  العالم العربي سؤال هام هو: كيف يتعامل الإعلام مع الأحداث الجارية؟ وما هي درجة مصداقية المحطات الإعلامية العربية المختلفة سواء في نقل الأخبار، أو التحليلات والنقاشات والاستنتاجات التي توصلت إليها؟ وما التوجهات التي تخدمها هذه التحليلات والاستنتاجات المقدمة على أنها موضوعية وغير منحازة لأحد، خاصة أن بعض الفضائيات شاركت ليس في نقل أحداث الثورات والانتفاضات الشعبية وتحليلها فقط، بل قدم البعض منها  نفسه للناس على أنه منبر هذه الثورات وحامل لواء التغيير وذهبت إحدى المحطات إلى أبعد من ذلك بطرحها لنفسها على أنها مشارك فعلي في الحدث وأصبح لها شهداؤها، ونعني هنا محطة الجزيرة! 

إن المتابعة الدقيقة للتغطية التي تقوم بها بعض الفضائيات للأحداث تبرز أسئلة كثيرة  وتضع إشارات استفهام عديدة على أدائها. فمثلاً ما الذي يفسر لنا أن تقوم الجزيرة أثناء تغطيتها الإعلامية لمجرى أحداث الثورات الشعبية بكل هذا الضخ الإعلامي لوحشية وجرائم نظام القذافي ضد أبناء شعبه، بينما تغفل ما يجري في البحرين وهي في خاصرة الجزيرة العربية؟!. ما الذي يتوارى خلف مجيء تقاريرها الإخبارية خجولة عند الحديث عن البحرين؟ ولماذا تبالغ بالتركيز على إظهار الحالة الطائفية في هذه المملكة التي لا تتجاوز مساحتها مساحة مدينة متوسطة الكبر، وتغض الطرف عن مطالب المنتفضين الفعلية التي دعت الناس إلى الثورة؟

أما خارج البحرين، فلماذا لا تناقش القضايا والمطالب الأساسية التي أنزلت الجماهير إلى الشوارع لإسقاط أنظمتها من فقر وبطالة وتردي الأوضاع المعاشية للناس، وانتشار الفساد وتعشعشه في معظم أجهزة هذه الأنظمة والسياسات التي أنتجت هذا الفساد والواقع الاقتصادي المتردي وانعكاساته الاجتماعية، بينما يتم التركيز على المطالب ذات الطابع السياسي مثل الحريات والديمقراطية ...الخ؟.

عموماً لا يمكن الحديث عن إعلام مستقل استقلالاً مطلقاً أو غير موجه؟ فالإعلام يظل جزءاً من شبكة الإعلام في العالم ككل من ناحية، وهو موجه من ناحية أخرى. وعربياً ينقسم إلى نوعين: إعلام الأنظمة والسلطات الحاكمة، وهو يوجد بوجودها ويذهب ويسقط معها عندما تذهب وتسقط، والآخر «المستقل» نسبياً(؟).. سواء كان وطنياً معبراً عن تطلعات ما وطنية أو منفذاً لأجندات معينة، ورغم الاستقلالية الظاهرة التي  يدعي هذا الأخير أنه يمتلكها إلا أنه توجهاته تتبع توجهات من يملكه أو يموّله..